الجزائر لا تحتاج إلى "فياغرا" سياسية بل إلى إصلاحات ديمقراطية

يدلي أكثر من 24 مليون ناخب جزائري بأصواتهم السبت 12 يونيو/حزيران الجاري في أول انتخابات برلمانية تشهدها البلاد منذ اندلاع الحراك الشعبي الذي أنهى الولاية الرئاسية الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة.
يدلي أكثر من 24 مليون ناخب جزائري بأصواتهم السبت 12 يونيو/حزيران الجاري في أول انتخابات برلمانية تشهدها البلاد منذ اندلاع الحراك الشعبي الذي أنهى الولاية الرئاسية الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة.

لا انفراجة سياسية من دون مراعاة مطالب الحراك: تجرى في الجزائر انتخابات تشريعية مهمة، لكن من غير المحتمل أن تسفر عن إصلاحات ديمقراطية حقيقية. على ضوء ذلك يخشى خبراء من احتمالات اندلاع ربيع جزائري و"انهيار النظام الحالي".

الكاتبة ، الكاتب: جينيفر هوليس

يتفق خبراء الشرق الأوسط على ما ستفضي إليه الانتخابات التشريعية المبكرة، التي تجرى في الجزائر السبت المقبل، إذ لا يتوقع كثيرون أنها ستسفر عن أي مفاجآت سياسية في ضوء نسبة المشاركة الضعيفة المتوقعة من قبل الناخبين. ويعد الاستنتاج أمرا مفاجئا في حد ذاته/ لاسيما وأن مسار الانتخابات في الجزائر كان واعدا.

ودعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى إجراء الانتخابات عقب حل المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) في محاولة للتقليل من وتيرة احتجاجات الحراك واسعة النطاق والتخفيف من حدتها وإضعاف حماسة المحتجين.  ويدعو الحراك الذي قاد احتجاجات شعبية واسعة إلى تعزيز الديمقراطية في الجزائر، إلا أنه غير منظم بشكل كبير ويفتقد إلى قيادة قوية إلى حد ما. وعلى الرغم من العيوب الهيكلية، إلا أنه لعب دورا بارزا في الضغط على النظام الاستبدادي السابق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي استقال من منصبه في أبريل / نيسان 2019 بعد عقدين من حكم الجزائر.

وفيما يتعلق بالانتخابات، فقد رفض الحراك تأييد إجرائها وهو ما يمثل أحد اكبر التحديات أمامها. وشهدت الجزائر تظاهرات شارك فيها الآلاف من بينهم نساء للمطالبة بإصلاح شامل للنظام السياسي الذي يتسم أيضا بكثير من الغموض.

الانتخابات ليست مفصلية

عندما أعلن تبون في مارس/ آذار عن إقامة الانتخابات التشريعية، تعهد "بإجراء تعديل حكومي كبير عقبها من أجل تلبية مطالب المتظاهرين".

وقد اطلق سراح العديد من أنصار الحراك من السجون. ومع ذلك، يبدو أن المراقبين غير مقتنعين بأن الواقع السياسي في بلد كبير مثل الجزائر يبلغ تعداد سكانه قرابة 45 مليون نسمة، سوف يتغير. وهو ما تشير إليه ماريا جوسوا – الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية (GIGA)  ومقره هامبورغ.

وأوضحت الخبيرة  أن الجزائر "لم تشهد انتخابات حرة أو ديمقراطية على امتداد أكثر من ثلاثين عاما وان الانتخابات المقبلة لن تكون مختلفة عن سابقاتها إذ ان التجارب السابقة تشير إلى أن الانتخابات التشريعية في الجزائر ليست عادة أمرا حاسما أو نقطة فارقة تسفر عن أي تغيير قد يطرأ في البلاد".

"الجزائر الجديدة" هي نفسها الجزائر القديمة: السلطة المدنية، واجهة المؤسسة العسكرية، مصممة على فرض "خارطة الطريق" الانتخابية، من دون مراعاة مطالب الحراك وهي: سيادة القانون والانتقال الديمقراطي نحو السيادة الشعبية والقضاء المستقل، من أجل استعادة ما تسميه "الاستقرار" بعد الانتفاضة الشعبية في 22 شباط/ فبراير 2019.
"الجزائر الجديدة" هي نفسها الجزائر القديمة: السلطة المدنية، واجهة المؤسسة العسكرية، مصممة على فرض "خارطة الطريق" الانتخابية، من دون مراعاة مطالب الحراك وهي: سيادة القانون والانتقال الديمقراطي نحو السيادة الشعبية والقضاء المستقل، من أجل استعادة ما تسميه "الاستقرار" بعد الانتفاضة الشعبية في 22 شباط/ فبراير 2019.

وعلى الصعيد الرسمي، احتضن تبون الحراك وقال في مقابلة مع قناة الجزيرة إن ما وصفه "بالحراك المبارك الأصلي أنقذ الدولة الجزائرية من الذوبان وانتصر بفضل سلميته تحت حماية الأمن والجيش". لكن على عكس هذا الأمر، تم اعتقال العديد من المتظاهرين مرة أخرى مع تجدد الاحتجاجات التي كانت قد توقفت بسبب جائحة كورونا، فيما يتهم أصوات مؤيدة للنظام الحالي بتسلل إسلاميين متطرفين داخل صفوف الحراك.

وقالت جوسوا: "حُظرت الاحتجاجات في العاصمة فيما ألقي القبض على المئات من المحتجين وصحافيين قاموا بتغطية الاحتجاجات". وعلى وقع هذا، قرر الحراك نقل الاحتجاجات إلى شمال شرق الجزائر وتحديدا في مناطق القبائل التي تعد أقل انحيازا للحكومة وتبعد قرابة 100 كيلومتر عن العاصمة الجزائر. ورفض الحراك ايضا الانخراط في أي حوار مع الحكومة.

رفض الانتخابات

وتعد نسبة التصويت في الانتخابات السبيل الوحيد الذي يمكن أن تؤدي فيه الانتخابات إلى  مشاركة ديمقراطية كبيرة وإحداث تغيير في البلاد.  لكن هذا الأمر بات على المحك إذ لن تقتصر مقاطعة الانتخابات على غالبية الشعب  الجزائري البالغ تعداد سكانه 45 مليون نسمة متوسط أعمارهم 29 عاما- بل امتد الأمر إلى أحزاب سياسية.

فقد قررت عدد من الأحزاب الجزائرية بينهم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (ليبرالي) و حزب العمال (يساري) أيضا عدم المشاركة في الانتخابات البرلمانية.

 

 

وقال عادل حمايزية، الزميل المشارك في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن (تشاتام هاوس)، إن "هذا التصويت الجديد كان يمكن أن يكون  نقطة تحول نحو تعزيز الديمقراطية في الجزائر، لكن تزايد الدعوات للمقاطعة ونسبة مشاركة متدنية في الانتخابات ستؤكد على معضلة عجز الحكومة على تعزيز الثقة والشرعية".

ويتفق العديد من الخبراء فيما ذهب إليه حمايزية. وقال رشيد أوعيسى، رئيس مركز الدراسات الشرق أوسطية في جامعة ماربورغ الألمانية، إن الانتخابات المقبلة "ستكون بمثابة فرصة ضائعة". وأضاف "للمرة الأول بقى هؤلاء الأشخاص (أنصار الحراك) دون أي صراعات كبيرة داخل الحراك متحدين في الشوارع لأكثر من عامين للمطالبة بشيء واحد فقط هو الديمقراطية".

وأشار أوعيسى إلى أن من قرر المشاركة في الانتخابات هي "الأحزاب السياسية القديمة إضافة إلى قرابة 800 مرشحا يعتبرون أنفسهم مرشحين مستقلين". وأوضح أن الانتخابات المقبلة بهذا الشكل "ستسفر عن برلمان سيعيد انتاج الهياكل القديمة ويمضي قدما في النهج القديم. وسيكون هذا البرلمان في الوقت نفسه غير كفء ويفتقد للخبرة السياسية وستظل السلطة في أيدي قلة ولن يقوم البرلمان بالمهام الرقابية المنوط بها كبرلمان". ويرى الباحث أوعيسى أن إحدى نتائج الانتخابات ستكون ظهور تحالف إسلامي مؤيد للنظام الحالي.

وتتنافس في الانتخابات قرابة 1500 قائمة، أكثر من نصفها قدمت نفسها على أنها مستقلة، وفقا للسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في الجزائر. من جانبها، قالت ماريا جوسوا: " أفضّل رؤية كل هؤلاء المرشحين الشباب في سياق تركيبة ومشهد سياسي مفتت مع عدد قليل للغاية من الأحزاب التي لديها برامج انتخابية".

"ربيع جزائري"

وتسلط أليس غاور، مديرة الجغرافيا السياسية والأمن في مركز أبحاث ازيور الاستراتيجي "Azure Strategy " ومقره لندن – الضوء على حاجة الحراك إلى قيادة قوية ونهج واضح المعالم.

وأضافت غاور انه "في الوقت الذي يظهر فيه الحراك بشكل واضح رغبته في احداث تغيير، فإن الانقسام داخله يحول دون تطوير وتنفيذ خطة عملية للمضي قدما. وفي ظل غياب قيادة قوية ورؤية متحدة يمكن أن يلتف حولها الجزائريون فإن الأمل في تحقيق ديمقراطية حقيقية سيظل مجرد أمل". وأشارت الباحثة إلى أنه يتعين إحداث تغيير منهجي قبل أي انتخابات حتى يكون هناك ديمقراطية بالقول والفعل. وفي ظل هذه القراءات، سيبقى الأمر في انتظار ما إذا كانت الانتخابات ستحمل بعض احتمالات في التغيير في وقت لاحق.

 وفي ذلك، تقول غاور: "في غضون ذلك، سيواصل الشباب الجزائري في إحداث ضجيج، لكن المحك سيكون في تحويل هذا الضجيج إلى عمل ذي مغزى. وسيظل احتمال أن تشهد الجزائر صيفا على غرار الربيع العربي حقيقيا ومخيفا في الوقت نفسه".

 

جينيفر هوليس / م.ع

حقوق النشر: دويتشه فيله 2021