إعادة استنساخ نظام مبارك...السيسي يضمن ولاية ثانية

أسابيع قليلة تفصل المصريين عن الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، حيث يتعين على 60 مليون مصري انتخاب رئيس جديد في آخر شهر مارس القادم. ورغم عدم إعلان السيسي ترشحه رسميا بعد، إلا أن إعادة انتخابه تعد مضمونة، فيما دخلت آلته الانتخابية مرحلة الإحماء. بشير عمرون يسلط الضوء على المشهد السياسي قبل الانتخابات الرئاسية في مصر.

الكاتبة ، الكاتب: Bachir Amroune

أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر أول أمس، الجدول الزمني للسباق الانتخابي، حيث تقرر فتح باب الترشيح هذا الشهر، وأن تُجرى الانتخابات في 26 آذار / مارس على مدار ثلاثة أيام، على أن تعلَن النتيجة في 2 نيسان /أبريل.

غير أن تأخر إعلان اللجنة الانتخابية للجدول الزمني الرسمي قوبل بانتقادات من المعارضة، التي اشتكت من عدم تخصيص وقت كاف لمرحلة الحملة الانتخابية، مما سيقلل من فرصها بتعريف الناخبين بمرشحيها وبرامجهم ويحول دون وصول شعبيتهم القدر الكافي لخوض انتخابات عادلة.

هذه المخاوف في محلها، فمن عادة صناع القرار في مصر ألا يتركوا أي شيء يتعلق بانتخاب مرشحهم لمحض الصدفة. أحد هذه الإجراءات هو تمديد الرئيس لحالة الطوارئ في 2 كانون ثان/يناير الحالي 3 أشهر أخرى، مما يسمح لأجهزته بالمضي قدما في الرقابة التي تفرضها على الإعلام وحظر الجمعيات والتنصت على المواطنين والتضييق على حرياتهم بشكل قانوني. إضافة إلى تواجد الإعلام الرسمي في درجة قصوى من التأهب لمنح الرئيس، الحاضر أصلا في كل مكان وزمان، ونشاطاته المختلفة مجالا أكبر في تغطيته الإخبارية مجرد ما يتم الإعلان عن التاريخ الرسمي للانتخابات.

الشعبية المجروحة

يذهب الكثيرون إلى أن إعادة انتخاب عبد الفتاح السيسي، الذي يرتقب إعلان ترشحه في الأيام القليلة المقبلة، أمر محسوم وأن النتيجة ستكون ساحقة على غرار نسبة 97 % التي أعلن أنه حققها في الانتخابات السابقة قبل نحو 4 أعوام.

غير أن فشله الذريع في الوفاء بوعوده الأساسية قد يفتح الباب أمام نتائج مغايرة. فتدهور قيمة الجنيه المصري بصورة غير مسبوقة وخفض الدعم للوقود والطاقة والسلع الاستهلاكية الأساسية جعل الطبقة الوسطى تئن تحت الواقع الاقتصادي الكارثي، ناهيك عن ثلث المصريين الذين يراوح دخلهم اليومي يورو واحدا ويعيشون تحت خط الفقر.

أداء السيسي فيما يسميه بمكافحة الإرهاب يقدم صورة قاتمة هو الآخر. فعلى نقيض تعهداته بإحلال الأمن صارت الاعتداءات الدموية، التي تخلف عشرات القتلى أو حتى المئات تتكرر بوتيرة أكبر والكنائس القبطية تهاجم حتى في وسط القاهرة، فيما بدأ تمرد قبائل سيناء البدوية ضد النظام يأخذ منحى يشبه الحرب الأهلية. كما أن لجوء هذا الأخير للمقاربة العسكرية فقط لفرض الهدوء حتى على حساب أرواح المدنيين، ينذر بتدهور الأوضاع أكثر في هذه المنطقة الاستراتيجية.

المعارضة المحامي والناشط الحقوقي خالد علي
صرخة النصر بعد إعلان الحكم في قضية الجزر المصرية: سماح القضاء المصري المعروف بعدم استقلاليته لخالد علي بهزيمة أقوى شخص في البلاد إشارة على أن هناك من يدعمه من داخل النظام، إضافة للشعبية الكبيرة، التي حققها في المجتمع نظرا لأهمية الاحتفاظ بالجزيرتين بالنسبة للشعور الوطني المصري.

منافسون حقيقيون؟

على عكس 2014 قد يواجه السيسي هذه المرة منافسين لديهم حظوظ واقعية لتحديه: أهمهم من جهة المعارضة المحامي والناشط الحقوقي خالد علي، الذي ذاع صيته دولياً قبل عام بفضل فوزه قضائيا ضد السيسي في قضية تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية المثيرة للجدل. سماح القضاء المصري المعروف بعدم استقلاليته لخالد علي بهزيمة أقوى شخص في البلاد إشارة على أن هناك من يدعمه من داخل النظام، إضافة للشعبية الكبيرة، التي حققها في المجتمع نظرا لأهمية الاحتفاظ بالجزيرتين بالنسبة للشعور الوطني المصري.

هذان المكسبان ساهما في أخذ صناع القرار تحدي خالد علي على محمل الجد وتفكيرهم في طريقة لتحييده. ففي أيلول/ سبتمبر الماضي قضت محكمة بسجن خالد علي 3 أشهر وكفالة ألف جنيه لوقف التنفيذ بتهمة ارتكاب فعل فاضح أثناء احتفاله بالفوز في قضية الجزيرتين وزعزعة الاستقرار والتحريض ضد نظام الحكم. وأدانت منظمة العفو الدولية الحكم ووصفته بالمسيس واتهمت السلطات المصرية بالعزم على الإطاحة بأي منافس قد يقف في طريق السيسي.

غير أن هذا الحكم لا يعني تلقائيا منع خالد علي من الترشح حسب محاميه. فجلسة الاستئناف تأجلت إلى 3 آذار/مارس المقبل وهو ما يعني السماح له بخوض الانتخابات إذا فتح باب الترشيح قبل هذا الموعد. لكن هذا الترتيب يعطي أيضاً الفرصة للنظام لإقصائه لاحقا في حال حقق نسبا عالية في استطلاعات الرأي أثناء الحملة الانتخابية.

تحد من داخل النظام

لكن أخطر تحد يواجهه السيسي كان احتمال ترشح آخر رئيس حكومة عينه حسني مبارك قبل أن يستقيل في أعقاب ثورة يناير. فأحمد شفيق يعتبر مقربا من أقطاب الأعمال الأثرياء المحيطين بنجلي مبارك جمال وعلاء، الذين يتواجدون في صراع خفي مع السيسي ولم يتخلوا أبدا عن طموحهم في استرجاع مكانتهم المؤثرة في صناعة القرار. كما أنه خاض الانتخابات الرئاسية الديمقراطية الوحيدة في تاريخ مصر بصفته مرشح النظام وانهزم بنسبة ضئيلة أمام مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي. وبصفته فريقا سابقا في سلاح الجو، يحظى شفيق بدعم كبير وسط المؤسسة العسكرية.

أعلن الفريق أحمد شفيق عدم نيته الترشح للانتخابات، بسبب غيابه- كما قال- عن مصر "لفترة زادت عن 5 سنوات، ربما أبعدني عن المتابعة الدقيقة لما يجري على أرض وطننا". كما أضاف: "قررت أنني لن أكون الشخص الأمثل لقيادة أمور الدولة خلال الفترة القادمة"
أعلن الفريق أحمد شفيق عدم نيته الترشح للانتخابات، بسبب غيابه- كما قال- عن مصر "لفترة زادت عن 5 سنوات، ربما أبعدني عن المتابعة الدقيقة لما يجري على أرض وطننا". كما أضاف: "قررت أنني لن أكون الشخص الأمثل لقيادة أمور الدولة خلال الفترة القادمة"

لهذا السبب سعى السيسي لتجنب هذا التحدي بأي ثمن واتخذ حلفاءه عدة إجراءات مناسبة في هذا الاتجاه. فعندما أعلن شفيق ترشحه من منفاه الاختياري في الإمارات، سارعت سلطات البلاد لاحتجازه ورحلته في وقت لاحق إلى مصر فيما احتفظت بأسرته هناك. وفي مصر تم وضعه تحت الإقامة الجبرية في أحد الفنادق الفخمة في القاهرة حسب ابنته ومحاميته، كما اضطر للتلميح في الإعلام المصري بالتراجع عن ترشحه.

وكما هو متوقع خضع الفريق أحمد شفيق لضغوطات أجهزة النظام المصري وأعلن عدم نيته الترشح للانتخابات، بسبب غيابه عن مصر "لفترة زادت عن 5 سنوات، ربما أبعدني عن المتابعة الدقيقة لما يجري على أرض وطننا"، على حد قوله.

الدعم الغربي

غير أن ما يرجح كفة السيسي في الصراع الداخلي حول السلطة هو التحالفات التي بناها مع القوى الغربية في السنوات الأخيرة. ففي تشرين أول/أكتوبر الماضي أبرم الرئيس المصري أثناء زيارته لباريس صفقة أسلحة بقيمة 6 مليارات يورو، تتضمن تزويد الجيش المصري بأحدث طراز من الطائرات والسفن الحربية الفرنسية وبرنامجا متطورا للمراقبة الإلكترونية.

وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثناء الزيارة على أهمية تعزيز التبادل والتنسيق مع القاهرة، وأعلن في مؤتمر صحفي رفضه لمطالب الصحفيين والحقوقيين بالالتفات إلى انتهاكات النظام المصري الجسيمة لحقوق الإنسان، قائلا بأنه "ليس من الوارد إعطاء دروس للرئيس السيسي في مجال حقوق الإنسان".

علاقة السيسي ببرلين تتسم بنفس الانسجام الممتاز. ففي العام الماضي وحده حقق حجم صادرات ألمانيا العسكرية إلى مصر رقما قياسيا وبلغ نصف مليار يورو، كما أبرم الجانبان اتفاقية تهدف لمكافحة الهجرة السرية من مصر في السنة ذاتها. ولعل أفضل ما يعبر عن العلاقة الودية بين الحكومة الألمانية والرئيس السيسي هو قول وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل لمحاوريه المصريين أثناء زيارته للقاهرة عام 2016 بأن لديهم "رئيسا مثيرا للإعجاب".

رأي تخالفه المنظمات الحقوقية العالمية، التي تتهم نظام السيسي باعتقال 60 ألف شخص لأسباب سياسية منذ الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو/تموز 2013، والذي راح ضحيتها حسب منظمة "هيومن رايتس ووتش" ألف قتيل مدني على الأقل.

المنظمات الحقوقية أحصت أيضا 1700 مفقود لا يعرف مصيرهم جراء حملة الاعتقالات، التي أطلقها نظام السيسي ضد المعارضين وخاصة المنتمين للإخوان المسلمين منهم منذ الانقلاب الدموي، الذي أطاح بالرئيس السابق محمد مرسي في يوليو 2013 ، فيما ارتفع عدد الذين نفذ في حقه حكم الإعدام في العامين الأخيرين وحدهما إلى 100 شخص.

 

بشير عمرون

حقوق النشر: دويتشه فيله 2018