التحالف العسكري العربي.. حماية للأمن القومي أم تقويض له؟

أعلنت السعودية عن إطلاق عملية "عاصفة الحزم" العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، بمشاركة عشر دول. وجاءت العملية بعد مطالبة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بتدخل خارجي.
أعلنت السعودية عن إطلاق عملية "عاصفة الحزم" العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، بمشاركة عشر دول. وجاءت العملية بعد مطالبة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بتدخل خارجي.

يعتبر الباحث المعروف عمر عاشور أنه إذا فشل القادة العرب في التغلب على أوجه النقص والخلل في التحالف العسكري الحالي، فإن أحدث قوة عربية ربما تتحول إلى أحدث مصدر في الشرق الأوسط لعدم الاستقرار على أسس طائفية معادية للديمقراطية، بل ومن المحتمل أن تفضي إلى تعميق الصراع السُنّي الشيعي. وهذا هو آخر ما تحتاج إليه المنطقة أو تتحمله.

الكاتبة ، الكاتب: Omar Ashour

الاتفاق النووي الإطاري، الذي تم التوصل إليه مؤخراً بين إيران ومجموعة الخمسة + واحد (الصين وبريطانيا وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا) يمثل تقدماً بشأن أحد التحديات الأمنية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط. ولكن مع تحرك بعض الدول العربية لإنشاء قوة عسكرية مشتركة، تنشأ مسألة أمنية أخرى: هل يجعل مثل هذا التحالف المنطقة أفضل أو أسوأ حالا، وخاصة في ضوء الانقسام السُنّي الشيعي المتنامي اليوم؟

الواقع أن التحالف الذي يتألف من تسع دول بقيادة المملكة العربية السعودية، والذي يضم مصر، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، والأردن، يشن الآن غاراته الجوية ضد التمرد الحوثي في اليمن والذي تدعمه إيران ــ وهو الجهد الذي أعلن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي مؤخراً أنه سوف ينتهي "بتمريغ أنوف السعوديين في التراب". ومع ذلك، أشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أن تفويض الائتلاف ربما يمتد إلى خارج حدود اليمن.

ولكن ما هو ذلك التفويض؟

بوسعنا أن نستبعد بعض الأهداف من البداية. على سبيل المثال، من غير الممكن أن نعتبر الهدف هو نشر الديمقراطية بعد الصراع، ذلك أن الأنظمة العربية تفتقر إلى المؤهلات أو المعرفة اللازمة لبناء الديمقراطيات، ومؤسساتها العسكرية فضلاً عن ذلك غير راغبة وغير قادرة على المساعدة في هذه العملية.

وعلى نحو مماثل، نستطيع أن نستبعد التدخل الإنساني، ليس بسبب افتقار أغلب الأنظمة العربية إلى الخبرة وسجلاتها الشائنة في مجال حقوق الإنسان فحسب، بل وأيضاً لأن أياً من البيانات الرسمية بشأن تأسيس القوة المشتركة لم تقترح ولو من بعيد أن نصرة حقوق الإنسان من بين الشواغل المحتملة للتحالف.

الحوثيون يتظاهرون ضد الضربات الجوية السعودية في اليمن الصورة د ب ا
تاريخ التدخلات العسكرية العربية ــ خلافاً لتلك التي قام بها الغرب في أماكن مثل البوسنة، وكوسوفو، بل وحتى ليبيا ــ لا يحمل أي سابقة واعدة. فمثل هذه التدخلات كانت تهدف عادة إلى تمكين قوة سياسية بالوكالة في مواجهة خصومها العسكريين والسياسيين، بدلاً من تجنب الكارثة الإنسانية أو إضفاء الطابع المؤسسي على آلية غير عنيفة لحل الصراع عقب الحرب.

ولعل فرض الاستقرار أحد الأهداف، ولكن هذا لن يتسنى إلا إذا كان بوسع الحكومات المعنية أن تتفق على التهديدات المشتركة وكيفية التصدي لها. فمن الممكن على سبيل المثال أن تتبنى نهج "توازن القوى/الرعب" الكلاسيكي، من خلال التدخل لتقويض الطرف الأكثر قوة في الصراع، وإرغامه على التفاوض، وإملاء شروط أي تسوية، وبالتالي ضمان الاستفادة من الوضع الراهن الجديد.

ولكن صعود تحالفات عسكرية عربية يثير مخاوف حقيقية، لأسباب ليس أقلها أن تاريخ التدخلات العسكرية العربية ــ خلافاً لتلك التي قام بها الغرب في أماكن مثل البوسنة، وكوسوفو، بل وحتى ليبيا ــ لا يحمل أي سابقة واعدة. فمثل هذه التدخلات كانت تهدف عادة إلى تمكين قوة سياسية بالوكالة في مواجهة خصومها العسكريين والسياسيين، بدلاً من تجنب الكارثة الإنسانية أو إضفاء الطابع المؤسسي على آلية غير عنيفة لحل الصراع عقب الحرب.

فشل التدخلات العسكرية العربية

ويُعَد التدخل العسكري المصري في اليمن في ستينيات القرن العشرين مثالاً توضيحيا. فبحلول أواخر عام 1965، كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر أرسل سبعين ألف جندي إلى اليمن لدعم الانقلاب الجمهوري ضد القوى الملكية. وبرغم استخدام أسلحة كيميائية محظورة ضد الجماعات المسلحة في اليمن من عام 1963 إلى عام 1967 ــ وهي أول سابقة في صراع عربي-عربي ــ فشلت مصر في تحقيق أهدافها.

وفضلاً عن المهانة العسكرية، تضررت سمعة مصر دوليا، حيث أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة استخدام القوات المصرية لأسلحة كيميائية محظورة ضد القرى التي دعمت النظام الملكي. كما تسببت هذه المغامرة في خسائر اقتصادية كبيرة؛ فبحلول عام 1965 بلغت ديون مصر الخارجية ما يقرب من 3 مليار دولار أميركي، الأمر الذي اضطرها إلى فرض "ضريبة الدفاع" لتمويل حرب اليمن.

ولم يكن أداء "قوة الردع العربية" التي هيمنت عليها سوريا أفضل كثيراً عندما تدخلت في الحرب الأهلية في لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، ففشلت في إنهاء الاقتتال الوحشي أو تأمين اللاجئين الفلسطينيين الضعفاء. وبعد عام 1982، عندما فشلت الحكومة اللبنانية في تمديد تفويض قوة الردع العربية، تحولت إلى قوة عسكرية سورية محض ــ وهي القوة التي انتهت بها الحال إلى ارتكاب بعض أسوأ الفظائع ضد الفصائل الفلسطينية واللاجئين في ما أسمى "حرب المخيمات" في عام 1985.

وكانت التدخلات الموجزة والأقل تعقيداً غير ناجحة أيضاً في إنهاء الأزمات العنيفة ــ بل إنها أدت إلى تفاقمها في بعض الحالات. ومن الأمثلة الواضحة الغارات الجوية المصرية الأخيرة في ليبيا، والتي قوضت عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة في بلد شديد الانقسام، بل وأسفرت أيضاً عن تمكين العناصر الأكثر تطرفا.

مناوشات عند لحدود اليمنية السعودية منذ بد الغارات الجوية في اليمن
القوات السعودية التي تقود تحالفا عربيا يشن حملة جوية في معظمها على الحوثيين المتحالفين مع إيران قصفت الجانب اليمني من الحدود بعد أن أطلق الحوثيون عدة قذائف باتجاه الأراضي السعودية.

إن التاريخ، بطبيعة الحال، ليس دليلاً هادياً قاطعاً إلى المستقبل؛ فقد ينتهي التدخل العربي اليوم إلى نتيجة مختلفة تماما. ولكن هناك القليل الذي قد يشير إلى هذا؛ بل وبرغم مئات الغارات الجوية السعودية على القواعد العسكرية والموانئ البحرية التي يسيطر عليها الحوثيون، لا يزال المتمردون يتقدمون. وإذا كان للتحالفات العسكرية العربية الناشئة أن تتجنب أخطاء تدخلات الماضي، فيتعين على أعضائها أن يعيدوا النظر في نهجهم، بما في ذلك أوجه القصور البنيوية التي ساهمت في إخفاقات الماضي.

هناك العديد من العوامل المؤثرة على التدخل العسكري في أي حرب أهلية، وخاصة إذا كان ذلك التدخل يشمل هجوماً بريا. وبشكل خاص، ينبغي للقادة العرب أن يركزوا على تنقيح وتصحيح العمليات التي تشارك في صياغة وتشكيل سياسة الأمن الوطني، وتحسين العلاقات المدنية العسكرية، وتوفير التدريب المناسب في مجال حفظ السلام وبناء السلام، وإصلاح الثقافة السياسية، ومعالجة العقد الاجتماعية والنفسية.

إذا فشل القادة العرب في التغلب على أوجه النقص والخلل، فإن أحدث قوة عربية ربما تتحول إلى أحدث مصدر في الشرق الأوسط لعدم الاستقرار على أسس طائفية معادية للديمقراطية، بل ومن المحتمل أن تفضي إلى تعميق الصراع السُنّي الشيعي. وهذا هو آخر ما تحتاج إليه المنطقة أو تتحمله.

 

عمر عاشور

ترجمة: إبراهيم محمد علي 

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2015