هل باعت واشنطن الأكراد لتظفر بالحليف التركي؟

بدأت تركيا تدخلا عسكريا شمال سوريا ضد داعش والأكراد السوريين لتخلط الأوراق في سوريا من جديد. ويثير التصعيد الحالي بين الأكراد وتركيا قلق الأمريكيين، فكيف تتفاعل واشنطن مع عملية حليفتها تركيا ضد شركائها الأكراد؟ سهام أشطو تستطلع آراء الخبراء حول تداعيات التحول الجديد في السياسة التركية تجاه سوريا.

الكاتبة ، الكاتب: سهام أشطو

يدخل الصراع السوري منعطفا جديدا بحسب الخبراء بعد التدخل التركي العسكري في شمال سوريا، الذي يهدف بحسب أنقرة إلى قتال تنظيم داعش ووقف تقدم الأكراد السوريين نحو حدودها. التدخل التركي يخلط الأوراق لدرجة أن البعض يرى فيه نقطة تحول في الصراع السوري، شبيهة بتلك التي خلفها التدخل الروسي في سوريا قبل حوالي عام.

ويأتي التدخل التركي بعد خمسة أسابيع من محاولة الانقلاب الفاشلة التي عرفتها تركيا ومطالب أنقرة المتكررة لواشنطن بتسليم الداعية فتح الله غولن الذي يتهمه الأتراك بتدبير الانقلاب، وسط أجواء من التوتر والفتور تسود العلاقات الأمريكية التركية.

ويثير التدخل العسكري التركي مخاوف من تفجير صراعات جديدة في صفوف ما يسمى المعارضة السورية المعتدلة بعد بدء مواجهات بين المعارضة المدعومة من تركيا المتثملة في الجيش الحر، وقوات سوريا الديمقراطية متمثلة بالقوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.

وإن توفقت الدبلوماسية الأمريكية منذ أشهر في خلق توازن بين تحالفها مع أنقرة ودعمها العسكري للأكراد السوريين في مواجهة الإرهابيين، فماذا سيتغير بعد الخطوة العسكرية التركية؟ هل تغير الإدارة الأمريكية دورها وأولوياتها على ضوء المتغيرات الأخيرة؟

ضوء أخضر أمريكي

أرسلت أنقرة دباباتها إلى داخل سوريا في إطار ما أطلق عليه عملية "درع الفرات"، تزامنا مع زيارة المصالحة التي قام بها نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لتركيا.

ورغم فتور العلاقات في الأشهر الأخيرة، لم تكف واشنطن عن الإشادة ب"التحالف" و"الصداقة" بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي الناتو، والمشاركين مبدئيا في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب. وأطلقت تركيا قذائف مساء الخميس على المقاتلين الأكراد، غداة سيطرة مقاتلي فصائل معارضة سورية مدعومة منها على مدينة جرابلس، التي انسحب منها تنظيم "الدولة الإسلامية".

نائب الرئيس الأمريكي جون بايدن مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في أنقرة
"تركيا ترددت طويلا للدخول مباشرة في الحرب الدائرة رحاها في البلد الجار سوريا. صحيح أن أنقرة كانت لها دوما أيادي في اللعبة ودعمت مثلا بعض المجموعات التي تتطلع إلى الإطاحة بالحاكم السوري الأسد. والجيش التركي حذر دوما القيادة المدنية في أنقرة من تدخل عسكري مباشر. وإذا حصل ذلك الآن، فذلك يعود لسببين: الإرهاب الذي يزرعه تنظيم "داعش" في تركيا والضرورة لتفادي إقامة ممر كردي خلف حدودها"

ورغم ما تناقلته وسائل الإعلام بخصوص أن التدخل التركي جاء ليضع واشنطن أمام الواقع نقلا عن مسئولين أتراك صرحوا بأن إردوغان أراد أن يظهر أنه بإمكانه التحرك عسكريا بمعزل عن التحالف، إلا أن عددا من الخبراء يرون أن العملية التركية جاءت بمباركة أمريكية.

ويقول سمير صالحة، الخبير في القانون الدولي وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة كوجالي التركية، إن انطلاق العملية التركية في نفس يوم زيارة بايدن ليس بالصدفة، وهذا يدل على وجود تشاور على الأقل بين الطرفين بخصوص التدخل ويضيف صالحة أن "أكبر دليل على ذلك هو أن القوات الأمريكية شاركت في الضربات التركية الجوية التي استهدفت مواقع لتنظيم داعش في جرابلس".

لكن واشنطن أرسلت الاثنين إشارات لأنقرة لكبح اندفاعها نحو أهداف كردية، حيث أعربت (واشنطن) عن "قلقها الشديد" إزاء المعارك بين الجيش التركي والمقاتلين المدعومين من الاكراد في شمال سوريا واعتبرتها "غير مقبولة"، وفق ما أعلن مسئول أمريكي رفيع المستوى. وكتب بريت ماكغورك الموفد الخاص للبيت الأبيض لدى التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" نقلا عن وزارة الدفاع على حسابه على موقع تويتر "نريد ان نوضح أننا نعتبر هذه الاشتباكات - وفي مناطق لا تواجد لتنظيم الدولة الإسلامية فيها - غير مقبولة وتشكل مصدر قلق شديد"، مشيرا أنه "لا ضلوع للولايات المتحدة" في الاشتباكات.

بداية انفراج في العلاقات التركية الأمريكية

ويرى الخبير في الشؤون التركية أن خطة تركيا الآن هي الدفع بمشروع المنطقة العازلة، الذي طالما اقترحته في السابق ولم يلق تجاوبا. لكن صالحة يضيف سببا آخر للتغير في الموقف الأمريكي وهو ما شهدته السياسة الخارجية التركية من تغييرات جذرية شملت الانفتاح على أطراف كانوا أعداء في الماضي القريب كروسيا وإسرائيل. ويقول صالحة بهذا الخصوص: "محاولة واشنطن وضع تركيا وأكراد سوريا على مسافة واحدة أزعج الأتراك لذا تحركوا نحو الانفتاح على أطراف أخرى، وهو ما التقطته واشنطن وتتعامل معه الآن".

من جانبه يرى خالد صفوري الخبير السياسي ومستشار الشؤون السياسية لمركز "المريديان" في واشنطن أن الإدارة الأمريكية متحمسة جدا للتدخل العسكري التركي رغم تحفظاتها بخصوص الأكراد ولهذا حذرتهم وطالبتهم بالبقاء شرق الفرات. ويضيف صفوري أن هذا التدخل يمكن أن يشكل بداية انفراج جزئي في العلاقات الأمريكية التركية التي عرفت توترا في الفترة الأخيرة.

وكان جو بايدن دعا يوم الأربعاء الماضي القوات الكردية السورية إلى عدم اجتياز غرب نهر الفرات والانسحاب إلى شرقه، وهو الأمر الذي تلح عليه أنقرة. ويرى متابعون أن تجاوز القوات الكردية لخط الفرات كان الخط الأحمر الذي جعل الأتراك يتحركون. من جهته قال كبير المتحدثين باسم وحدات حماية الشعب الكردية السورية اليوم الاثنين إن مزاعم تركيا بأنها تقاتل قوات الوحدات غربي الفرات في شمال سوريا غير صحيحة "وهي مجرد حجج واهية" لتوسيع احتلالها لأراض سورية.

عنصران من الجيش السوري الحر يلتقطان سيلفي على مدخل مدينة جرابلس.
"على الرغم من أي غضب تجاه الأساليب القاسية التي يستخدمها أردوغان، فإنه يجب على منتقديه أن يستوعبوا أنه لا يمكن له التفرج كيف تتغير الخارطة وهو مكتوف الأيدي. دخول الدبابات لا يوحي بعملية عابرة، بل يهدف إلى احتلال طويل لأراض سورية. سوريا والعراق ينهاران. ونظرا للنزاعات الدينية والعرقية القائمة بين المواطنين هناك لا يمكن تلاحمهما مجددا كدولتين سليمتين. دولة كردية من جماهيرهما المحبطة لن تكون جارة مستقرة وستلهب طموحات الأكراد الأتراك بالانضمام. قسط من التفهم للوضع الصعب الذي تواجهه تركيا سيكون هنا في محله".

بمن ستضحي واشنطن؟

وتعتبر أنقرة حزب الاتحاد الديموقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية مجموعات "إرهابية" مثل حزب العمال الكردستاني، حركة التمرد المسلحة الناشطة منذ 1984 في تركيا. بينما تصنف واشنطن أيضا حزب العمال الكردستاني تنظيما "إرهابيا"، لكنها لا تضع حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه المسلح المعروف بوحدات حماية الشعب في هذه الخانة، وتدعمها.

ولطالما شكل موضوع الأكراد إحدى نقاط الخلاف ين واشنطن وتركيا التي تقاتل الأكراد على أراضيها ولا تريد رؤية الأكراد السوريين يتوسعون على طول حدودها.

ويقول سمير صالحة إنه لا يمكن المقارنة بين تركيا والأكراد بالنسبة لواشنطن، فالولايات المتحدة لا تريد الأكراد شريكاً وإنما هم فقط جزء من تنفيذ إستراتيجيتها في سوريا، لكن إعلان الأكراد الفيدرالية شمال سوريا كان تجاوزا لما تم الاتفاق عليه مع الأمريكان وإذا أصروا على حشد قواتهم والتقدم نحو شرق الفرات فقد تعمد الولايات المتحدة إلى وقف دعمها لهم.

ويشاطر الخبير خالد صفوري هذا الرأي بالقول إن واشنطن تبحث عن حليف في سوريا والعراق، والأكراد أثبتوا أنهم حليف جيد لكن الأمريكان واعون جيدا بمعارضة كل القوى الإقليمية في المنطقة لإقامة كيان كردي، لذلك يبقى دعمها للأكراد محدودا، وإن تحولت تركيا إلى شريك في الحرب ضد داعش في سوريا قد تتخلى الولايات المتحدة عن الأكراد بسهولة وهم يعلمون ذلك.

لكن معطيات الأزمة السورية تبدو متحركة بشكل متسارع، وقد لا تكون الإدارة الأمريكية واثقة من التحكم في مخرجاتها، ولذلك لم تخف وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في بيان لها أمس الاثنين قلقها من غياب التنسيق في العمليات والتحركات في شمال سوريا، واعتبرت اليوم أن ذلك سيعطي تنظيم "الدولة الإسلامية" فرصة أكبر ودعت تركيا وجماعات المعارضة السورية إلى التوقف عن الاقتتال.

 

سهام أشطو

حقوق النشر: دويتشه فيله 2016