لجوء الدولة المصرية للتهجير القسري كحل للأزمات

رغم أن التهجير الجماعي القسري جريمة مخالفة للقوانين الدولية والمصرية، تعتمد الدولة المصرية أحياناً على التهجير القسرى مقدمةً إياه: كحل تنموي أو كسبيل لتعزيز الوحدة الوطنية بين المسيحين والمسلمين وحماية المجتمع من أخطار حرب أهلية دينية، أو كتضحية تفرضها أغراض الحرب على الإرهاب. جيهان أبوزيد تطلع موقع قنطرة على نوعين من التهجير القسري: عرفي ومؤسساتي، وعلى مهجَّرين ضعفاء وفاعلين أقوياء في مصر.

الكاتبة ، الكاتب: جيهان أبو زيد

لم تجب معلمة الفصل المدرسي على سؤال تلاميذها، "لماذا اختفت "شيرين"؟

انهالت الشائعات على رؤوس الأطفال، وتاهت عقولهم وسط أقوال غريبة تتناثر بين الكبار. معلمة الفصل التى تحثهم دوما على طرح الأسئلة نالت حصة ثقيلة من الأسئلة الباكية والمستنكرة والموجعة عن غياب شيرين، الطفلة المرحة ذات النظارة الكبيرة والتى اكتشف أصحابها مؤخرا أنها مسيحية.

شيرين هى الأخت الصغرى لمرقس طالب الصيدلة الذى يكبرها بأحد عشر عاماً. مرقس الشاب الهادئ الوديع كانت سببا فى طرد أسرته وأجداده وكل أقاربه من منازلهم. وقعت رسائل الحب التى أرسلها لابنة الحاج محمد يسن تاجر الأقمشة فى يد عابث، فتشردت الأسر المسيحية بالمنطقة السكندرية القديمة، بعدما خلصت قيادات الجماعة السلفية إثر عشرات الاجتماعات والمداولات إلى طرد كل المسيحين، وبيع كل أملاكهم لمسلمى المنطقة عقابا  للفعلة الشنعاء!

سد أسوان العالي في مصر
نوبيون مُهجَّرون: صاحب مشروعَ بناءِ السد العالى -المشروع القومي الأضخم على الإطلاق في تاريخ مصرفي ستينيات القرن الماضي- تهجيرٌ قسريٌ لسكان الأراضى خلف السد، والتى كان يمتلكها النوبيون، وانتزعت منهم أراضيهم على ضفاف النّهر، ورحل بعضهم إلى مناطق أخرى. هُجّرت قسريًّا آنذاك أكثر من 18 ألف أسرة نوبية، بواقع 100 ألف فرد نوبي، كانوا يشغلون أرضاً تمتد مساحتها إلى 350 كيلومتراً، غمرتها مياه بحيرة ناصر التي تكوّنت بعد بناء السّد.

القيادات الرسمية بالمنطقة اشتركت بفاعلية فى تهدئة الأجواء وطرد الأسر المسيحية، وهو نفس ما تكرر فى إحدى القرى التابعة بمركز ميت غمر في محافظة الدقهلية، حيث تم تهجير أربع أسر مسيحية والاستيلاء على أراضيها نتيجة مشاجرة بين شاب مسيحى  وآخر مسلم، سقط الأخير قتيلا نتيجة هذه المشاجرة ولم تعد هذه الأسر إلى القرية منذ أكثر من ثماني سنوات.  فى قرية حجازه بمحافظة قنا تم تهجير عشرين أسرة مسيحية إلى الإسكندرية والقاهرة والجيزة نتيجة مشاجرة بين عائلة مسيحية وأخرى مسلمة.

في 11 فبراير/ شباط 2014، شهدت منطقة المطرية في القاهرة مشاجرة بين مواطن مسلم وآخر مسيحى. أدت المشاجرة إلى استنفار ديني بين الطرفين، وتطورت إلى تبادل إطلاق النار الذي أسفر عن مقتل أحد المواطنين المسلمين. على إثر ذلك ألقت قوات اﻷمن القبض على 13 شخصًا مسيحيا. وتم تهجير 62 شخصًا مسيحيا من منطقة المطرية وبيع جميع ممتلكاتهم خلال مدة أقصاها 6 أشهر، تقرر أن يقدم الجانب المسيحي مائة من اﻹبل لعائلة القتيل، وفقًا لمبدأ الدية اﻹسلامي، فضلا عن  تقديم خمسة أكفان وخمسة عجول، إضافة الى قيام الجانب المسيحي بالتبرع بقطعة أرض مساحتها 234 مترًا مربعًا ومبلغ مليون جنيه لبناء مسجد ودار أيتام. وفوق كل هذا، لا يعد الصلح تنازلا من العائلة المسلمة عن القضية المنظورة أمام النيابة العامة.

لكن قبل ذلك بخمس سنوات وتحديدا  في مارس/ آذار 2009، تعرّضت أسر مصرية بهائية في قرية الشورانية التابعة لمركز المراغة في محافظة سوهاج؛ لاعتداءات من قبل بعض سُكّان القرية. وصلت الاعتداءات إلى تهجير تلك الأسر من القرية على مرأى ومسمع من السلطات المصرية وقواتها الأمنية التي لم تتدخل لحماية هؤلاء المواطنين المصريين. وتزامن تهجير بهائيين قرية الشورانية مع الحملة التي قادها إعلام أجهزة الدولة الرسمي ضد البهائية والمنتمين إليها في مصر، متهمة إياهم بالكفر والخروج عن الدين. فقد أباح بعض شيوخ القنوات الفضايئة آنذاك هدر دم البهائيين بينما أشارت الأصوات المعتدلة بالاكتفاء بطردهم من البلاد.

رجال أمن مصريون في سيناء.
استياء وغضب شعبي عارم: أثار تهجير مسيحي العريش استياءً وغضباً شعبياً عارماً، شدد من وطأته ألم يقظ إثر تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة فى ديسمبر/ كانون الأول 2016، والذى راح ضحيته ثمانية وعشرين سيدة وطفل. أعداد المُهجَّرين غير مؤكدة لكن المؤكد أن التهجير لم يبدأ فى شهر فبراير/ شباط من عام 2017 بل إن القصة تعود إلى شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2014، حين قررت مصر بناء منطقة عازلة بطول 14 كيلومتراً وعمق نصف كيلومتر على الحدود المصرية مع غزة. جاء قرار المنطقة العازلة بعد الهجوم على إحدى النقاط العسكرية الحدودية في منطقة كرم القواديس، والذي أدى إلى مقتل 33 جندياً.

التهجير القسري

لم تكن هذه المرة الأولى التي تلجأ فيها الدولة المصرية إلى التهجير القسري كحل لأزمة ما أو تنفيذ لخطة ما، فقد صاحب مشروعَ بناءِ السد العالى -المشروع القومي الأضخم على الإطلاق في تاريخ مصرفي ستينيات القرن الماضي- تهجيرٌ قسريٌ لسكان الأراضى خلف السد، والتى كان يمتلكها النوبيون، وانتزعت منهم أراضيهم على ضفاف النّهر، ورحل بعضهم إلى مناطق أخرى. هُجّرت قسريًّا آنذاك أكثر من 18 ألف أسرة نوبية، بواقع 100 ألف فرد نوبي، كانوا يشغلون أرضاً تمتد مساحتها إلى 350 كيلومتراً، غمرتها مياه بحيرة ناصر التي تكوّنت بعد بناء السّد.

وفوجئ النوبيون عند إجلائهم إلى المناطق الجديدة التي أعدتها الدولة، بأنّها غير مهيئة. بعض التقارير تقول إن نحو 65% من منشآت المناطق الجديدة لم تكن مكتملة أساساً، فضلاً عن عدم جاهزية البنية التحتية لاستقبال أعداد النوبيين المُهجَّرين. وبرغم تمسك النوبين بحقهم فى التعويض العادل ودأبهم فى رفع مطالبهم فالسنوات تنطوي مخلفةً بهتاناً لقضيتهم خاصة مع ازدياد التحديات وتعقد الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية عقب الثورة. 

تعتمد الدولة المصرية على التهجير القسرى طارحةً إياه كحل تنموى، كما مُرِّرَ خلال بناء السد العالي، أو عارضةً إياه كسبيل لتعزيز الوحدة الوطنية بين المسيحين والمسلمين وحماية المجتمع من أخطار حرب أهلية دينية، أو مقدمةً إياه كتضحية تفرضها أغراض الحرب على الإرهاب كما يحدث الآن فى شبه جزيرة سيناء.

أقباط مصريون في أحد الأديرة المسيحية
الصورة تعبيرية لأقباط في مصر: يصل تعداد سكان العريش من الأقباط إلى حوالي 1700 مواطن ومواطنة، ينتمون إلى 60 أسرة تقطن حي الصفا و60 أسرة أخرى تسكن وسط المدينة -بما فيها ضاحية السلام- و20 أسرة تقطن في حي السمران بمدينة العريش.

غليان فى الصحراء...كلمة "اِرحل" على جدران المنازل

أثار تهجير مسيحيي العريش استياءً وغضباً شعبياً عارماً، شدد من وطأته ألم يقظ إثر تفجير الكنيسة البطرسية بالقاهرة فى ديسمبر/ كانون الأول 2016، والذى راح ضحيته ثمانية وعشرين سيدة وطفل. أعداد المُهجَّرين غير مؤكدة لكن المؤكد أن التهجير لم يبدأ فى شهر فبراير/ شباط من عام 2017 بل إن القصة تعود إلى شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 2014، حين قررت مصر بناء منطقة عازلة بطول 14 كيلومتراً وعمق نصف كيلومتر على الحدود المصرية مع غزة. جاء قرار المنطقة العازلة بعد الهجوم على إحدى النقاط العسكرية  الحدودية في منطقة كرم القواديس، والذي أدى إلى مقتل 33 جندياً.

وتأتي الخطة ضمن جهود أوسع لاجتثاث الخلايا الجهادية في شمال سيناء حيث يرى الجيش المصرى حتمية إغلاق الأنفاق التى تمر منها الأغذية والسلاح لسد الممر الذى يسمح بمرور الإرهابين وييسر اختفائهم. نتج عن بناء المنطقة العازلة  نقل السكان الذين يقدر عددهم بنحو 1,156 عائلة إلى مناطق قريبة، و فقدان العائلات لأملاكها العقارية وأراضيها، وأعلنت الحكومة أن العائلات المتضررة سيتم تعويضها بملغ 300 جنيه مصرى شهرياً ولمدة ثلاثة شهور.

وفى مطلع عام 2017 و لسبب آخر غُيِّر بناء المنطقة العازلة بالعريش، كأنما تجتمع الأسباب عمدا لتفريغ العريش من سكانها. فقد هُجِّر أفراد 156 أسرة مسيحية من منازلهم ورُحِّلوا إلى مواقع متباينة، كل وفق قدراته وموارد دعمه. لكن الأغلبية التى لا تملك منزلا إضافيا أو عائلة قادرة على استضافتها اتجهت إلى الكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية حاملةً أطفالها وحقائبها وتخوفات من مستقبل انقلب بقسوة. تلقى أفراد الأسر المسيحية رسائل تهديد بالقتل والحرق موجهةً من التنظيمات المسلحة، ووجدوا على جدران منازلهم كلمة "اِرحل". ومع بلوغ عدد القتلى ثمانية أشخاص  وفقاً لأرقام المبادرة المصرية للحقوق الشخصية،انبعث الذعر بين السكان الأقباط ورحل ما بين 40-50 أسرة مسيحية من منازلهم إلى مواقع متباينة كل وفق قدراته وموارد دعمه. لكن الأغلبية التى لا تملك منزلا إضافيا أو عائلة قادرة على استضافتها اتجهت إلى الكنيسة الإنجيلية بالإسماعيلية حاملةً أطفالها وحقائبها وتخوفات من مستقبل انقلب بقسوة. هذا ويصل تعداد سكان العريش من الأقباط إلى حوالي 1700 مواطن ومواطنة، ينتمون إلى 60 أسرة تقطن حي الصفا و60 أسرة أخرى تسكن وسط المدينة -بما فيها ضاحية السلام- و20 أسرة تقطن في حي السمران بمدينة العريش.

تتعدد دوافع التهجير القسرى لفئة ما من المصريين، فالتاريخ شاهد على ترحيل وطرد جماعات ذات انتماءات دينية أو عرقية، والاستيلاء على  أملاكها أو على أقل تقدير تجميد أصولها. والمفارقة أن التهجير دائما ما يحدث تحت رعاية مسؤولى الدولة أو تحت تهديدهم، برغم أن التهجير القسري في جملته يخالف نصوص القانون المصري والدولي، ورغم أن المؤسسات الأمنية  مسؤولة أساسا عن الحفاظ على حقوق المواطنين وتفعيل سلطة القانون. والتهجير القسري هو مصطلح يشير إلى إبعاد شخص أو أشخاص عن موطنهم أو المنطقة التي ينتمون إليها بالإكراه، إما بمبادرة ذاتية منهم خوفاً على حياتهم أو هرباً من عنف أو تضييق ممارس عليهم، أو بإجبارهم من قبل قوى عسكرية أو شبه عسكرية لأسباب مختلفة.

منطقة نوبية منسية في مصر. الصورة التُقِطَت في ديسمبر/ كانون الأول عام 2011.
تعويض غير عادل: فوجئ النوبيون المهجّرون -إبان بناء السد العالي- عند إجلائهم إلى المناطق الجديدة التي أعدتها الدولة، بأنّها غير مهيئة. بعض التقارير تقول إن نحو 65% من منشآت المناطق الجديدة لم تكن مكتملة أساساً، فضلاً عن عدم جاهزية البنية التحتية لاستقبال أعداد النوبيين المُهجَّرين. وبرغم تمسك النوبين بحقهم فى التعويض العادل ودأبهم فى رفع مطالبهم فالسنوات تنطوي مخلفةً بهتاناً لقضيتهم خاصة مع ازدياد التحديات وتعقد الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية عقب الثورة.

والمُهجَّر قسريّاً هو أي شخص يُهاجر هربًا من اضطهاد أو صراع أو قمع سياسي أو كوارث طبيعية من صُنع الإنسان، أو تدهور بيئي أو أي حالة أخرى تهدد حياته أو حريّته أو كسب رزقه وفقا لتعريف منظمة الدولية للهجرة.

والتهجير القسري ممارسة مخالفة للقوانين الدولية والمصرية ويصل إلى درجة الجريمة التي لا تسقط بالتقادم. فعلى سبيل المثال تنص المادة 63 من الدستور المصري الحالي (2017) على أنّه "يُحظَر التهجير القسري التعسفي بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم". بل إن اتفاقية جنيف الرابعة (1949) الخاصة بحماية المدنيين في أوقات الحروب، حظرت النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المدنيين، أو نفيهم من أراضيهم إلى أراضٍ أخرى "أيّاً كانت الدواعي". ووفقاً للمادة السابعة لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يُعتبر "إبعاد السُكان أو النقل القسري لهم" جريمة ضد الإنسانية، أمّا المادة الثامنة فتعتبر أن "الإبعاد أو النقل غير المشروعين" جريمة حرب.

السيناريو الشائع للتهجير فى مصر

أهناك رد على هذا السؤال الشائك: كيف يحدث التهجير فى مصر؟

سبيلان للتهجير الجماعي فى مصر، السبيل الأول: مؤسسي تتبناه الدولة بأجهزتها القوية. فقد لجأت المؤسسة الحكومية الأمنية لتهجير بعض من سكان العريش فى واقعة بناء المنطقة العازلة بشمال سيناء، ولجأت المؤسسة الرئاسية لتهجير النوبيين كما فى واقعة بناء السد العالي الذى حظي بدعم شعبى واسع جلبه العائد التنموي لتدفق الكهرباء.

جنود مصريون قرب رفح
إجلاء قسري وغير قانوني: "التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره و أشكاله جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم"، هذا ما نصت المادة رقم 63 في الدستور المصري الذي تم الاستفتاء عليه وإقراره عام 2014. وهو أيضا ما عرفه القانون الدولي بأنه "الإجلاء القسري وغير القانوني لمجموعه من الافراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها". وهي أيضا جريمة ضد الإنسانية وفقًا لاتفاقية روما للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي عرفت التهجير القسري في المادة 2 الفقرة "د" بأن "إبعاد السكان أوالنقل القسري لهم من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي".

السبيل الثانى الأكثر شعبية وتكرارا هو سيناريو القضاء العرفي الذى تمتد جذوره لمرحلة ما قبل الدولة الحديثة ونظامها القضائي والقانوني، ويُنَظَّم القضاء العرفى في إطار قبلي أو عشائري أو عائلي أو مهني، معتمدًا على وجود بعض القواعد العرفية التي تراكمت عبر الزمن، و شكلت عرفاً سائداً داخل تلك الأطر والتجمعات، ومهمته التصدي للنزاعات التي تقع بين أشخاص أو عائلات أو أسر أو العاملين بحرفة معينة. وبمضي الزمن اكتسبت هذه الأعراف قوة إلزامية.

يختار طرفا الخصومة مكاناً محايداً ويختارون المحكَّمين والأطراف المحايدة والمرجحة. يعرض كل طرف رؤيته و يقدم الأدلة والإثباتات التي تدعم وجه نظره وموقفه، ثم يختلي المحكَّمون بأنفسهم ليخرجوا بعد فترة للإعلان عن الحكم، مع تحرير محضر بالصلح يتضمن المشاركين في الصلح وتاريخ الجلسة ومكانها ونوع الخلاف وبنود الاتفاق وقرارات اللجنة وتوقيع الأطراف عليه، مع وضع شروط جزائية على الطرفين.

المحكمة الدستورية العليا في القاهرة
تراجع ثقة المواطن في كفاءة منظومة العدالة: تشير دراسة أنجزتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عام 2015 إلى جلسات عرفية تُستَخْدم كوسيلة لحل نزاعات العنف الطائفي، وهى في الأغلب تنعقد في صعيد مصر، بسبب نمط العلاقات الاجتماعية المشخصنة السائد في الريف المصري وضعف مؤسسات الدولة وعجزها عن القيام بوظيفتها في حماية السلم الاجتماعي، وتراجع ثقة المواطن في كفاءة منظومة العدالة.

وتشير دراسة أنجزتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عام 2015 إلى أن الجلسات العرفية تُستَخْدم كوسيلة لحل نزاعات العنف الطائفي، وهى في الأغلب تنعقد في صعيد مصر، بسبب نمط العلاقات الاجتماعية المشخصنة السائد في الريف المصري وضعف مؤسسات الدولة وعجزها عن القيام بوظيفتها في حماية السلم الاجتماعي، وتراجع ثقة المواطن في كفاءة منظومة العدالة.

على أن الجلسات العرفية فى حالات العنف الطائفى تفقد عنصرا أصيلا من عناصرها وهو الندية. فالجلسات العرفية يفترض أن تتم لتسوية صراع بين كيانات متوزانة القوى، الأمر الذى لا يتوفر فى حالة الصراعات التى تنشب بين الأسر المسلمة وغيرها. فحجم القوى مختل تماما. إذ أن الجماعة المسلمة فى مصر هى الحاكمة وهى صاحبة الدين الرسمى للدولة وهي الأقوى ثقافيا وسياسيا وهى المؤثر الفاعل فى تشكيل البنى الاجتماعية.

إن تنظيم محكمة عرفية فى ضوء توازن مختل للقوى يطعن فى عدالة الحكم قبل صدوره، وهو ما يجري على مدار العقود الأخيرة وما يجرى فى كافة حالات التهجير القسرى التى يسيطر عليها الطرف الأقوى والمؤثر الفاعل فى السلطة.

 

جيهان أبو زيد

حقوق النشر: موقع قنطرة 2017

ar.Qantara.de

جيهان أبو زيد خبيرة فى النوع الاجتماعى بمنظمة التعاون الاقتصادى والاجتماعى حول مكانة النساء فى البرلمانات  والمحليات العربية. أمينة المرأة بالحزب المصري الديمقراطي.  لها كتابان صادران عن منظمة الأمم المتحدة بنيويورك وفصول كتب منشورة  ومنها: الكوتا النسائية والأحكام العرفية ومكانة النساء فى مصر والإعلام المصرى بعد ثورة يناير ونساء بين ثورتين والتاريخ الشفهى للنساء والعنف ضد النساء فى مصر والعنف ضد المزارعات فى صعيد مصر. كما أنها أيضا  مديرة تحرير كتاب سياسي دورى "المكتبة السياسية" الصادر من الهيئة العامة للكتاب.