الرواية المصرية (قبل أن أنسى أني كنت هنا) - لماذا لا يحزن النظام الحاكم على ضحايا ثورة 25 يناير؟

 "ثورة 25 يناير وأعداؤها كلاهما أراد النصر فدفع الأحبة الثمن"، كما يقول مؤلف الرواية. رواية إنسانية عمن عاصروا انتفاضة 25 يناير في ميدان التحرير وفقدوا أحباءهم هناك، وكيف مضت بهم الحياة خلال السنوات التالية. في منتصف الرواية يستحدث الكاتب شخصية جديدة هي (سيدة الزاوية الحمراء) التي تحفظ أسماء جميع من ماتوا في الانتفاضة وبعض الاشتباكات والاعتصامات التالية بأنحاء مصر وتنتظر اليوم الذي تنادي عليهم ليعودوا إلى الحياة وينتقموا ممن قتلوهم. فلماذا لا يحزن النظام الحاكم على ضحايا ثورة 25 يناير؟

من جديد يعود الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد إلى ميدان التحرير وشوارع وسط القاهرة وما دار هناك في 25 يناير كانون الثاني 2011 ليصيغ أحدث رواياته (قبل أن أنسى أني كنت هنا) التي تدور بعد ست سنوات من هذا التاريخ.

والرواية الصادرة في 183 صفحة من القطع الصغير عن بيت الياسمين للنشر والتوزيع هي الثامنة عشرة لعبد المجيد إضافة إلى خمس مجموعات قصصية وبعض الكتب الأخرى في أدب الرحلات والمسرح.

تبدأ الرواية التي يمزج فيها المؤلف بين الواقع والفانتازيا بالشاعر والصحفي نور قنديل الذي تزوج نجوان بعد أن مات حبيب كل منهما أمام عينيه في الانتفاضة الشعبية التي أسقطت نظام حكم حسني مبارك. يجد كل منهما العزاء في الآخر وينجبان ابنتهما الوحيدة نهاوند. ومع زيارة نور إلى سوهاج تأخذ الأحداث في التصاعد إذ يمر بجوار نخلة تسقط فجأة دون سبب واضح مخلفة وراءها بركة من الدموع. ويتذكر نور أن سوهاج هي مسقط رأس حبيبته الأولى نادين.

ومن سوهاج يسافر نور إلى الأقصر حيث يسمع بأن شجرة في منزل تاجر معروف ماتت ابنته أيضا في القاهرة في الانتفاضة انخلعت من الأرض وطارت إلى السماء.

يبدأ نور في الاعتقاد بأن هذه الأشجار تنخلع من الأرض وتغادرها حزنا على الشبان الذين ماتوا في أحداث 25 يناير كانون الثاني ولم يُعاقَب أحد على ذلك فكتب يقول: "الذين ماتوا يوم جمعة الغضب كثيرون جدا. لو أن لكل واحد أو واحدة شجرة زرعها أو وقف تحتها فلن تبقى في مصر خضرة وربما تجف المياه".

تتحقق الفكرة ويتوالى انفصال الأشجار عن الأرض وصعودها إلى السماء مما يسبب حالة فزع كبيرة بينما تتمسك السلطات برواية رسمية تقول إن هذا غير صحيح وإن الأشجار ثابتة في أماكنها.

يمتد الأمر إلى الجدران فإذا برسوم الغرافيتي في شوارع وسط القاهرة وعلى جدار الجامعة الأمريكية تظهر بعد أن محيت منذ سنوات.

وهذه الرواية أيضا تكذبها السلطات التي تقول إن هناك مؤامرة من عصابة مخربة تسلط صورا ضوئية على الجدران حتى توحي بأن الرسوم تعود من جديد بل وتقبض الشرطة على بعض الأطفال الذين تظنهم يقومون بذلك.

يتسع الخيال وينحسر الواقع ليأخذ المؤلف قارئ الرواية في طريق متعرج يصل إلى حد فرار جميع حيوانات حديقة الحيوان بالجيزة من أقفاصها وتجولها في البلاد وكأن كل شيء من الشجر إلى الحجر يثور بعد أن طال غياب الأحباب.

في منتصف الرواية يستحدث الكاتب شخصية جديدة هي (سيدة الزاوية الحمراء) التي تحفظ أسماء جميع من ماتوا في الانتفاضة وبعض الاشتباكات والاعتصامات التالية بأنحاء مصر وتنتظر اليوم الذي تنادي عليهم ليعودوا إلى الحياة وينتقموا ممن قتلوهم.

وإذا كانت الرواية السابقة التي أصدرها عبد المجيد في 2017 (قطط العام الفائت) تناولت الفكرة ذاتها من حيث استحضار شبان ميدان التحرير والتساؤل عن سبب قتلهم وأرواحهم الهائمة في الميدان فإن هذه الرواية أخذت منحى أكثر واقعية من سابقتها رغم مزجها أيضا بين الواقع والفانتازيا.

فبينما سردت الرواية السابقة تفاصيل المواجهة بين حاكم مستبد يريد إعادة الزمن للوراء وشبان تحولوا إلى قطط، تأخذ الرواية الجديدة منحى إنسانيا خالصا يسلط الضوء على من عاصروا انتفاضة 25 يناير في ميدان التحرير وفقدوا أحبائهم هناك وكيف مضت بهم الحياة خلال السنوات التالية.

ويقول عبد المجيد في إحدى الفقرات بالرواية على لسان البطل: "هذه الثورة إذا كان لها ذنب فهو أنها فرقت بين الأحبة. ليس مهماً أنها فشلت. ليس مهماً أنها غيرت في الإنسان المصري، ليس مهماً أنها أظهرت جيلا جديدا واسع الأحلام. ليس مهما أي صواب فعلته أو أي خطأ. وليس مهما من الذي فعل ذلك الآن. الثورة وأعداؤها كلاهما أراد الانتصار فدفع الأحباء الثمن. أجل، فرقت الثورة بين الأحبة". رويترز