نقص اليد العاملة بأوروبا فرصة لشباب تونس

لاجئ من شمال إفريقيا يرتدي قبعة صوفية بألوان العلم الألماني يجلس في مبنى الركاب في مطار هانوفر.
لاجئ من شمال إفريقيا يرتدي قبعة صوفية بألوان العلم الألماني يجلس في مبنى الركاب في مطار هانوفر.

أزمة معيشية في تونس جعلت الهجرة إلى أوروبا الأمل المتبقي لشبان وشابات عاطلين عن العمل رغم شهاداتهم الجامعية وتدريباتهم المهنية، في حين تعاني أوروبا من نقص الأيدي العاملة. ماركو فولتر التقى بأحدهم في ألمانيا.

الكاتبة ، الكاتب: Marco Wolter

قرر مغني الراب، معتز بن عامر المعروف بلقب "بروكتاز"، مغادرة بلده تونس للبحث عن عمل في ألمانيا. وقبل ذلك كتب أغنية بكلمات تعبر عن حاله كما الكثير من شباب وطنه، يقول فيها "أحمل حقيبتي، لأن الظروف تدفعني للمغادرة، أترك بلدي بأهداف، ولن أغادر لمجرد حب المغادرة". في أغنيته "حياة" يصف معتز، البالغ من العمر 23 عاماً، اللحظات الأخيرة التي عاشها في تونس قبل مغادرته. وصور في غرفة نومه أيضاً بعض مقاطع الأغنية التي نشرها على موقع يوتيوب.

"لا خيار سوى الرحيل"

على رفوف غرفة نوم معتز، تظهر العديد من الجوائز، التي فاز بها خلال مشوار قاده ليصير بطل تونس للكرة الحديدية. لكنه اختار في نهاية المطاف، حمل جواز سفره وبعض المال بعملة اليورو وحقيبته، وعانق والدته مغادراً نحو حياة جديدة.

"لو كان بإمكاني البقاء في تونس لفعلت ذلك، هناك توجد عائلتي وكل من أحب، ولدي الكثير من الأسباب التي تدفعني لحب هذا البلد، لكن ليس لدي خيار".

 

 

يعيش معتز حالياً في أوغرشايم، وهي بلدة صغيرة يقطنها 23 ألف شخص في غرب ألمانيا. يقطن في منزل مع العديد من التونسيين أغلبهم مهندسون وخبراء برمجة، يجمعهم الهدف ذاته، وهو العثور على وظيفة. يقول "لم أتمكن بعد من العثور على وظيفة، لم يتم قبولي في أي مكان"، مشيراً أنه وصل في بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2022.

في تونس، كان معتز يريد أن يعمل أستاذاً للرياضة، لكن حتى ومعه شهادة جامعية، اضطر لمواجهة الواقع نفسه الذي يواجهه عشرات الآلاف من الشباب التونسي: البطالة. وبحسب "المعهد الوطني للإحصاء"، فإن معدل البطالة بين الشباب في سن أقل من 25 سنة يتجاوز 37 بالمئة.

أصبح نظام التعليم العالي، الذي كان لفترة طويلة مصدر فخر لتونس، نظاماً لإنتاج العاطلين عن العمل في السنوات الأخيرة، بسبب عدم توافقه مع احتياجات سوق العمل. اليوم، تشكل السياحة والصناعة والزراعة القطاعات الرئيسية للاقتصاد التونسي.

 

تونسيون اعتصموا في جزيرة لامبيدوزا للمطالبة بالبقاء في إيطاليا. A group of Tunisians stage a sit-in outside a church, asking to remain in Italy, Lampedusa, 19 September 2019 (photo: Emma Wallis/infomigrants/DW)
With unemployment among the under 25s in Tunisia standing at over 37 per cent, many young people see no option but to emigrate. Europe is the preferred destination for seven out of ten people who hope to emigrate. Pictured here: a group of Tunisians staging a sit-in in front of a church, asking to remain in Italy

 

في تحليله للوضع في تونس، قال أنيس موراي، وهو صحفي ومحلل تونسي، في تصريح لمهاجر نيوز: "لم ننجح في خلق تكامل بين التعليم وسوق العمل". وانتقد الصحفي السياسة العامة في بلده ووصفها بـ"الكارثية". يأتي هذا في ظل ما عاشته تونس في سياق ما قبل 2011 وبعدها، أي سنة الثورة وسقوط نظام زين العابدين بن علي. منذ ذلك الحين، لم ينجح هذا البلد في ضمان الاستقرار السياسي.

يصف الإعلامي التونسي الوضع قائلاً: "منذ ثورة 2011 هناك استياء وحالة من الضبابية وانعدام الاستقرار وغلاء المعيشة". مؤكداً أنه "في الماضي، كانت الوظيفة العمومية تساهم في استيعاب وتوفير فرص عمل للذين درسوا علم الاجتماع والتاريخ والفلسفة والجغرافيا. لكن الحال اليوم تغير. أما بالنسبة لقطاع التكوين المهني وخاصة في قطاع الحرف اليدوية، فسمعتها في تونس سيئة".

خُمس التوانسة يأملون في الهجرة

أنيس موراي صحفي ومحلل تونسي. Anis Morai (photo: private)
"We haven't succeeded in creating a symbiosis between what people are training in and the job market," says Anis Morai, an economic journalist and presenter of the program El Business on the broadcaster Diwan FM, one of Tunisia's biggest radio stations

أبرَزَ استطلاع حديث أجراه المرصد التونسي للهجرة أن واحداً من كل خمسة أشخاص يعيشون في تونس يفكرون في مغادرة البلاد.

ترسم الدراسة صورة نموذجية لمرشح الهجرة وتصفه كالتالي: "شاب، يتراوح عمره بين 15 و24 سنة، أعزب، متعلم وعاطل عن العمل يعيش في تونس العاصمة أو الشرق أو الجنوب الشرقي". الغالبية العظمى منهم يوضحون أن دوافعهم مرتبطة بالبحث عن عمل وظروف معيشة أفضل.

أوروبا هي الوجهة المفضلة لسبعة من كل عشرة أشخاص يفكرون في الهجرة، تليها أمريكا الشمالية والدول العربية. أكثر من 40% ذكروا أن فرنسا هي وجهتهم الرئيسية، وحوالي 14 بالمئة اختاروا إيطاليا و10 بالمئة ألمانيا.

واحد من كل ثلاثة من المرشحين للهجرة يفكر في الحصول على تأشيرة بينما يفكر 6.5 بالمئة في "الحرقة"، أي الهجرة غير الشرعية بالعامية التونسية، عن طريق عبور البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، تشير الدراسة إلى أنه من المرجح أن عدد الأشخاص الذين يعبِّرون بصراحة عن استعدادهم للهجرة غير الشرعية أكبر بكثير.

معتز واحد من الشباب الذين كانوا ضد الهجرة غير القانونية منذ بداية التفكير في مغادرة الوطن. يقول "لم أكن لأغادر بشكل غير قانوني، لقد درست واجتهدت وانتهى بي المطاف بإيجاد طريقة قانونية للوصول إلى أوروبا".

توترات اجتماعية وفساد مستشري

التفاوتات الاقتصادية يمكن أن تخلق توترات اجتماعية -بحسب الصحفية التونسية مبروكة خضير- التي تقول "هناك خيبة أمل كبيرة بين الشباب التونسي". واستنكرت المتحدثة "فشل" نظام التعليم، مضيفة أن الفساد يساهم أيضاً في تثبيط عزيمة العديد من الباحثين عن العمل.

 

الكثير من الشباب التونسيين يتطلعون إلى الهجرة نحو أوروبا. Young people take part in an anti-government protest in Tunis 26 January 2021(photo: Chedly Ben Ibrahim/NurPhoto/picture alliance)
Young people from the the city of Ettadhamen take part in an anti-government protest in Tunis, protesting against police brutality and demanding the release of youths arrested by the riot police during nightly violent protests in mid-January 2021

 

بحسب مبروكة خضير: "هناك حالات لا يتم فيها اختيار شاب درس وبذل مجهوداً لشغل وظيفة معينة، بينما يحصل شخص آخر بدون مؤهلات على العمل، لأن لديه أحد أقاربه في منصب توسط له، سواء في القطاع العام أو الخاص". وتحتل تونس المرتبة 70 في تصنيف سنة 2021 بشأن الفساد من قبل منظمة الشفافية الدولية.

"لدى الآباء في تونس دائماً أمل في إرسال أبنائهم إلى الخارج بعد الثانوية العامة (البكالوريا). يعلمون أنه من الصعب تحقيق مستقبل جيد في تونس، وأعتقد أن غالبية الآباء يعلمون أن أبناءهم لن يعودوا إلى الوطن بعد مغادرته"، تقول مبروكة خضير.

وفقاً للصحفية التونسية، فقد كانت الوجهة التقليدية للشباب التونسي بسبب التاريخ واللغة، هي فرنسا "لكن مؤخراً تصاعدت الصورة الإيجابية لدى الشباب عن ألمانيا أكثر فأكثر. فازدهار الإسلاموفوبيا في فرنسا، جعل الوجهة تتغير، إذ تَظهَر ألمانيا حالياً أكثر ترحيباً وتسامحاً".

 

مقبرة تونسية معروفة باسم "مقبرة حدائق أفريقيا" هي المثوى الأخير لأشخاص ماتوا وهم يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا. Women stand and sit in the shade of a tree outside the cemetery known as the "Garden of Africa" (photo: DW)
The Tunisian cemetery known as the "Garden of Africa" is the final resting place for some of the people who died trying to cross the Mediterranean. Some 6.5% of Tunisians wanting to emigrate say they are ready to try illegally

 

ومن بين الآباء التونسيين الذين يتواجد أبناؤهم في ألمانيا، محمد حدار، رئيس جمعية الاقتصاديين التونسيين. يحكي: "ابني في ألمانيا. لا أعتقد أنه سيعود، رغم أنه يحب تونس كثيراً. لا أعتقد أنه سيجد هنا وظيفة أو سيكون قادراً على إنشاء مشروعه التجاري الخاص". محمد حدار الذي كان عميداً سابقاً لكلية الاقتصاد والإدارة بتونس يقول: "من الصعب جداً أن تبدأ مشروعاَ تجارياَ في تونس، خاصة بسبب العقبات الإدارية. وبالنسبة للتمويل، البنوك لا تخاطر، وتطلب ضمانات لا يستطيع الشباب توفيرها لهم".

عشرات الآلاف من الأطباء والمهندسين

يوضح الخبير الاقتصادي محمد حدار أن "الذين يغادرون بشكل قانوني ويجدون وظائف دون صعوبة في أوروبا هم أطباء ومهندسون وعلماء كمبيوتر". وهذا ما يؤكده تقرير المرصد التونسي للهجرة في تقريره خلال الفترة 2015-2020، حيث هاجر ما لا يقل عن 39 ألف مهندس و3300 طبيب، بحثاً عن فرصة عمل في الخارج. وتشير الدراسة إلى أن "البناء والأشغال العامة والفنادق والمطاعم والتجارة تظل مصدر الوظائف الرئيسي للمهاجرين الحاليين" في الخارج.

 

معتز بن عامر في شارع للمشاة في ألمانيا. Moetaz ben Amer on a pedestrian street in Germany (photo: private)
Moetaz ben Amer, also known as Bruktaz, is a qualified sports teacher and rapper. The young 23-year-old decided to leave Tunisia in November to find a job in Germany

 

بالنسبة لمحمد حدار "من الضروري تجنب الهجرة غير الشرعية. يمكن أن تكون الهجرة (المنظمة) حلاً لأوروبا وتونس معا. مع وجود العديد من الخريجين العاطلين عن العمل يكون البلد مهدداً بمخاطر اجتماعية وسياسة. أما إذا غادروا فيمكنهم أن يكونوا سفراء لبلدهم ويرسلوا كذلك مالاً إلى تونس ويساعدوا عائلاتهم".

معتز بن عامر، الموجود حالياً في ألمانيا، يتابع دورات اللغة لتحصيل مستوى اللغة الألمانية المطلوب للدراسات الجامعية. يقول "أود الحصول على درجة البكالوريوس في علوم الكمبيوتر، أرى أنها مهنة مرغوبة وتتيح فرص عمل. لكن أيضا يمكن أن أختار مهنة العلاج الفيزيائي، ففي البلد الكثير من كبار السن الذين يحتاجون رعاية طبية، هناك الكثير من الخيارات في ألمانيا".

 

 

ماركو فولتر

ترجمة: م.ب

حقوق النشر: مهاجر نيوز 2023

 

 

ar.Qantara.de