نارية مراهقين لاجئين في ألمانيا وبركانهم الثائر

الكاتب السوري منصور حسنو يروى مشاهداته واستنتاجاته لموقع قنطرة حول فئة المراهقين والمراهقات في أوساط اللاجئين الوافدين إلى أوروبا: فئة في بداية تفتحها الذكوري أو الأنثوي.

الكاتبة ، الكاتب: منصور حسنو

تم الاصطلاح على نعت المرحلة العمرية التي تفصل بين كون الفرد طفلاً صغيراً وبين كونه مستقلاً كبيراً بالمراهقة، وهي المرحلة التي تبدأ فيها التغيرات الجنسية والجسدية، ناهيةً حد الطفولة ومصاحبة لتغيرات اجتماعية وانفعالية ونفسية واضطرابات، لتنتهي هذه المرحلة بسن النضوج الاجتماعي والرشاد الكامل، ما يجعل المراهق أو المراهقة في حاجة ماسة للتوجيه والإرشاد من ذويه وأسرته ومعلميه أو مربيه.

تختلف المرحلة العمرية التي تبدأ بها مرحلة المراهقة وتنتهي معها تبعاً لعدة عوامل بيئية، وراثية، صحية، نفسية ولكن يمكن لنا حصرها بين سن الثانية عشرة وسن العشرين، وهي المرحلة الأجمل والأخطر في حياة الإنسان. فالدوافع عند المراهق تختلف كلية عن دوافع الطفولة. إذ أن للدوافع في مرحلة المراهقة وظيفة تناسلية ووجودية الهدف منها الحفاظ على استمرار النوع.

تأثير الطاقة الجنسية على التوازن

ويرى فرويد أنّ بلوغ الطاقة الجنسية في هذه الفترة بإمكانه أن يصبح خطراً على التحكم في الذات،فتصبح دوافع الــ هُوَ (الدوافع الغريزية والفطرية) أقوى من دوافع الأنا (المسؤول عن توجيه الدوافع الغريزية والعمل على التكيف مع الواقع)، فيسيطر الاندفاع والرفض بسبب الإحباط أو الكبت فنكون أمام شخصية غير قادرة على التوازن بسبب الصراع الداخلي بين الدوافع الغريزية وبين الوظائف الذهنية والعقلية. ينعكس ذلك على سلوك المراهق (حب، خجل، حماس، اندفاع، قلق، انطواء، نشاط اجتماعي، عزلة ، تكوين صداقات ...).

اهتمت مدارس علم النفس على اختلاف مذاهبها  بالدراسات والأبحاث النظرية والعملية حول المراهقة والمراهقين، لأنّ نجاح هذه المرحلة أو فشلها ينعكس على الجيل والمجتمع.

وما يهمنا هنا تسليط الضوء على مراهقينا من أبناء موجات اللجوء الأخيرة إلى أوروبا، لأنّ هذه الشريحة تستحق العناية الخاصة والاهتمام المركز، فهي الشريحة البرزخية التي ما تزال ذاكرتها حية عن ماضيها الطفولي في أوطانهم، وعن شهودهم التحول الرئيس من الطفولة إلى المراهقة في مجتمعات جديدة سِمَتُها التحرر والانفتاح والقدرة على تكوين علاقات مع الجنس الآخر بسهولة عما كان عليه الحال في أوطانهم.

حتى نفهم خطورة ما نتحدث عنه نفسياً واجتماعياً علينا تقسيم القادمين الجدد حسب المراحل العمرية كالآتي:

 

صورة رمزية حول المراهقة والمراهقين.
موضوع جدير بالدراسة والاهتمام: إنّ المراهقة في سياقها الطبيعي -حتى لمراهقي أوروبا أنفسهم من أصحاب البلد الأصليين- كانت جديرة بالدراسة والاهتمام فكيف إذا كانت في سياق غير طبيعي كحالات اللجوء والهروب من الحرب ومن مجتمعات مختلفة ثقافياً وجنسياً (اختلاف العلاقة بين الجنسين بين الشرق والغرب)!، كما يكتب منصور حسنو.

 

{"نارية بعض المراهقين في أوساط اللاجئين لا تعني مطلقاً سلامة المراهق الألماني أو المراهقة الألمانية واستحالة وقوعهما في مشاكل المراهقة وانفجاراتها، ولكننا نقصد أنّ العوامل الإضافية والثقافية والاجتماعية وسياقات اللجوء وأزمات الهجرة والهروب هي عوامل ترجح أن تكون جرائم المراهقة في أوساط اللاجئين المراهقين أكبر من مراهقي البلد الأصليين" - منصور حسنو}

 

أطفال اللاجئين 

الأطفال سواء الذين ولدوا بعد طلب اللجوء أو الذين وصلوا إلى أوروبا وهم في سن ما بين سنة إلى عشر سنوات: يلاحظ من خلال متابعة هذه الشريحة أنها انطلقت وانخرطت في المجتمع الجديد بفضل توجيه الآباء والقوانين الألمانية كالحق في ارتياد رياض الأطفال (Kindergarten) بداية من السنة الثالثة أو وجوب الالتحاق بالمدارس الابتدائية ( Grundschule)، وهؤلاء هم أكثر فئات اللاجئين اندماجاً في المستقبل القريب رغم وجود بعض التحديات المعيقة، والتي سنفرد لها موضوعاً مستقلاً بما يتعلق بالتلقين، الذي تمارسه بعض الأسر لأطفالها بحجة خوفها على أطفالها مستقبلاً من تغيير ثقافتها وقيمها، قد يكون تحجيب بعض الأسر لبناتها الصغيرات أكثر مشهد يعبر عن أزمة التفكير السلبي والخوف المقيت من المستقبل عند بعض الآباء والأمهات.

المراهقة والمراهقون في أوساط اللاجئين

المراهقة والمراهقون: وهي المرحلة العمرية التي تمتد بحسب علماء نفس الطفولة والمراهقة بين الثانية العشرة و الخامسة والعشرين على أبعد تقدير، وهذه الفئة المراهقة بين اللاجئين، التي وصلت أوروبا وهي في بداية تفتحها الذكوري أو الأنثوي، ونقصد الشاب الذي بدأ باستطاعته قذف السائل المنوي وبدأ يتحسس التغيرات الجسدية والنفسية والفتاة التي بدأت علامات دورتها الشهرية، هذه الفئة يصعب جداً حصر الطرق والأدوار التي توزعت عليها في بلدان اللجوء.

فقد انقسمت هذه الفئة بين طلاب صمموا على متابعة دراستهم وطمحوا لأخذ مقاعد جديدة في مدارسهم وتجاوزوا عقبة اللغة بامتياز، وطلاب فشلوا في تحقيق متابعة دراستهم -فمنهم من حاول الالتحاق بمدارس التدريب المهني ومنهم من اختار البقاء كعاطل عن العمل تحت معونة أهله- أو فئة من المراهقين تسربت وتسكعت في الشوارع والساحات وأماكن الازدحام، أي أنّ سمة هذه الفئة هو مستويات التباينات بين النجاح والفشل والتأرجح بينهما في دلالة للتأرجح الوجودي والثقافي والعقلي في هذه المرحلة.

هذا التأرجح بقدر ما يقود البعض إلى الإبداع والتصميم وتحقيق الذات ايجابياً فإنه يقود البعض أيضاً -إن لم نقل الكثيرين- إلى الإحباط والتشاؤم والصدمة والفشل والاكتئاب، وربما إلى إيذاء النفس والآخرين أو الانتحار. إنّ المراهقة في سياقها الطبيعي -حتى لمراهقي أوروبا أنفسهم من أصحاب البلد الأصليين- كانت جديرة بالدراسة والاهتمام فكيف إذا كانت في سياق غير طبيعي كحالات اللجوء والهروب من الحرب ومن مجتمعات مختلفة ثقافياً وجنسياً (اختلاف العلاقة بين الجنسين بين الشرق والغرب)!

لاجئون استوى عودهم واختمرت رؤيتهم للحياة

اللاجئون ممن استوى عودهم واختمرت رؤيتهم للحياة وتثبتت قناعتهم وتصوراتهم للحياة، وهم الشريحة التي تقدر أعمارها بين الخامسة والعشرين والسبعين من طلاب اللجوء، وهؤلاء توزعوا بين التقاعد وكورسات اللغة والاندماج والبحث عن عمل أو ممن باشروا العمل، وهي فئة مشغولة بهموم الحياة وتربية الأطفال وتدبير المعيشة. وتختلف القدرة على الاندماج عند هذه الفئة بحسب العمر والمستوى التعليمي المحصل سابقاً أو الحالة الاجتماعية.

 

لماذا التركيز على شريحة المراهقين ودراسة حالاتهم ومحاولة ترشيدهم وتنوير أفكارهم والعمل على خلق نوافذ أمل لهم؟

بحسب دراسة اجتماعية ألمانية تنقل دويتشه فيله أنّ نسبة 70% من سكان ألمانيا عمرهم أكبر من ثلاثين عاماً في عام 2010، ولكن عمر أغلب اللاجئين الذين قدموا إلى ألمانيا عام 2015 يتأرجح بين 14 عاما وَ 30 عاما. وأظهرت دراسة أخرى أشرف عليها كريستيان بفايفر -الخبير في علم الجريمة والمدير السابق لمعهد بحوث علم الجريمة في ولاية ساكسونيا السفلى- أن عامل العمر يلعب دوراً أيضاً في ارتفاع نسبة الجرائم بين اللاجئين، حيث أن الرجال الذين ينتمون إلى الفئة العمرية من 14 عاماً إلى 30 عاماً على مستوى العالم، هم الأكثر ارتكاباً لجرائم العنف والجرائم الجنسية. 

الكثير من اللاجئين في ألمانيا هم من الشبان. إذ أن حوالي 27 في المئة من اللاجئين المسجلين عام 2016 في ولاية سكسونيا السفلى ينتمون إلى هذه الفئة العمرية، بحسب الدراسة. وأشارت الدراسة إلى عامل آخر يساعد على ارتفاع نسبة الجرائم في أوساط اللاجئين وهو غياب العنصر النسائي في محيط اللاجئين. وقال بفايفر إن "هذا النقص يزيد من خطر توجه الشباب إلى "قيم شرعنة العنف وفق المعايير الذكورية". ويرى فايفر أن فكرة لم شمل أسر اللاجئين في ألمانيا "ليست بالفكرة السيئة".

 نارية المراهَقة وبركانها الثائر

قديما قالوا المراهقة بركان ثائر، والمراهق قنبلة قابلة للانفجار عندما يوضع في ظروف تسمح له بهذا الانفجار ولذلك تتضافر عوامل وأسباب كثيرة تدفع لهذا الانفجار بشكل سلبي مدمر. فمشاعر الكبت الجنسي وتشوه معنى الصداقة في المجتمعات الحديثة، وفقدان الأمل، والإحباط، وخيبة الأمل، والتخبط الفكري في مرحلة المراهقة، وتشوه الرؤية الذكورية للأنثى، وبعض العادات الشرقية والقناعات الرجعية المنحطة في استباحة جسد الأنثى -إذا كانت تنتمي لثقافة غير متوافقة مع ثقافة المراهق- وتهديد بعض المراهقين بالترحيل لعدم حصولهم على حق اللجوء، وغياب الوعي الكامل عند بعض المراهقين الذين يدخلون في تجارب عشق حديثة يفهمون المشاعر المتبادلة فهماً سيئاً لاختلاف الثقافات، وزيادة نسبة الكحول عن الحد المقبول، وتعاطي الحشيش وبعض الحبوب والتأثر بأفلام الجنس الإباحية وأثرها في شخصية المراهق ظناً منه أنه يمكن تجريبها مباشرة مع أول جلسة تعارف مع أنثى غربية، والفراغ، وقلة النشاط، ومحاولة اثبات الذات سلبياً، وعقدة التنافس السلبي، والإغراء وعدم الانشغال الفكري والجسدي وعشرات عشرات الأسباب التي تدفع المراهق للوقوع في نزوات أو خلافات أو مشاجرات قد تبدأ بالتحرش الجنسي لفظاً وفعلاً وصولاً إلى الاغتصاب والقتل، فكانت حوادث التحرش الجنسي في كولونيا بداية وكانت حوادث الاغتصاب الأخيرة لألمانية وقتلها لاحقاً.

هذا لا يعني مطلقاً سلامة المراهق الألماني أو المراهقة الألمانية واستحالة وقوعهما في مشاكل المراهقة وانفجاراتها، ولكننا نقصد أنّ العوامل الإضافية والثقافية والاجتماعية وسياقات اللجوء وأزمات الهجرة والهروب هي عوامل ترجح أن تكون جرائم المراهقة في أوساط اللاجئين المراهقين أكبر من مراهقي البلد الأصليين.

 

صورة رمزية حول المراهقة والمراهقين.
تفسير الابتسامة على أنها ابتسامة إعجاب وغرام: بعض المراهقين -ممن تجاوزوا سن 18- يرغبون في الذهاب إلى البارات أو أماكن الرقص والديسكو لكنهم لا يعرفون قواعد التعامل في مثل هذه الأماكن، فكثيراً ما يفسرون ابتسامة مراهقة أخرى على أنها ابتسامة إعجاب وغرام وعندما يكتشف سوء فهمه يصاب بخيبة أمل تدفعه للكراهية أو تكسير زجاجات البيرة أو الصراخ، بحسب ما يكتب منصور حسنو.

 

رغم أهمية مرحلة الطفولة ودورها في صياغة شخصية الإنسان مستقبلاً -وبروز تجارب الطفولة في أشكال جديدة في مرحلة الكبر من تجربة الرضاعة إلى تجربة تعرض الطفل للضرب والشتم من أبيه وأثرها عليه مستقبلاً- إلاّ أنّ لمرحلة المراهقة خصوصيتها كونها الجسر الخطير الذي تشكل طريقة عبوره الشكل النهائي لشخصية الإنسان. فكما قلنا يبقى إحساس الأطفال بحاجتهم إلى أسرهم وأهاليهم، في حين يميل المراهق لإثبات قدرته على الوقوف وحده أو رغبته في المشاركة في صناعة قرار يخص عائلته وشخصيته، كما جرت ألسنة المراهقين عند أول جدال مع الأهل بالقول: "أنا لستُ صغيراً"، يميل معها إلى تحدي أهله والتمرد عليهم. 

فكما نعلم فإنّ معظم المدخنين كانت بداية تلك العادة في مراهقتهم كتعبير عن القدرة على ممارسة العوائد الممنوعة في الطفولة أو شعوراً بالرجولة أو كرغبة المراهقين في ارتياد نوادي كمال الأجسام أو إطلاق اللحية وإظهار التنسك (إظهار أنّه متدين) أو التمركس ( إظهار كونه ملحدا أو ماركسياً )، وكأنّه يصيح بالمجتمع: هآنذا، لم أعد صغيراً، انتبهوا إليَّ جيداً!

مؤشرات مخيفة على مراهقي أوروبا من اللاجئين - نصائح وإرشادات

ذكرنا ما سبق ذكره تشديدا على أهمية هذه المرحلة الجميلة والخطيرة من عمر الإنسان وأثرها على مستقبله ونظرته للحياة والمجتمع والناس، وهنا يجب التلميح إلى بعض الظواهر الخطيرة في أوساط المراهقين من اللاجئين -والتي قلنا في سياقها بمقالة سابقة إنّ حوادث التحرش الجنسي في كولونيا هي ناقوس خطر يجب التنبه لأجراسه والعمل على درء المخاطر قبل وقوعها- لنصل إلى ما حدث من حوادث اغتصاب وهنا يجب تسجيل بعض الملاحظات:

إنّ تسرب فئة من مراهقي اللجوء من المدارس وعدم ضبطهم أسرياً -أو ممن لجؤوا إلى أوروبا وبقيت أسرهم في وطنهم الأم- وقضاء معظم أوقاتهم في الشوارع ومراكز المدن والتجمعات والمحطات الرئيسية للقطارات ( بان هوف Hauptbahnhof)، وما تُعورِفَ عليه في تسميتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بـ (عجاوين البان هوف) الذين يتلصصون ويتلذذون بمشاهدة البنات والمارة وهم يتجمعون كمجموعات وليس كأفراد، وقد تم رصد هذه الظاهرة في أكثر من مدينة ألمانية وتغلب عليهم أخلاق العنترية والسخرية وقلة الذوق والأدب -وهم من جنسيات عربية وأفريقية، ومنهم من يحمل السكاكين تحسباً لأي مشاجرة- في رأيي هي من أخطر المظاهر التي يجب معالجتها، كون المحطات الرئيسية هي مركز التنقل والسفر بين المدن الألمانية ومقصد السياح والأجانب وفيها القهاوي والمطاعم والمولات الرئيسية في المدن الألمانية.

بعض المراهقين تحت سن 18 يعتقدون أنّهم في حل من الالتزام بالقوانين أو خارج المحاسبة القانونية، فقد تم زرع أفكار خاطئة في أذهانهم أنّ القانون معهم دوماً فيما إذا تشاجروا مع كبير أو قاموا بضربه أو شتمه، أو أنهم تحت سن المسؤولية القانونية فتراهم يتصرفون بوقاحة مع سائقي الباصات أو بعصبية إذا ما تم ضبطهم في القطارات دون تذاكر أو يرفعون الصوت في الحافلات، وهي ظاهرة عامة يشترك فيها كل المراهقين سواء كانوا لاجئين أو غير لاجئين ولكن يلاحظ انتشارها أكثر عند مراهقي اللجوء.

بعض المراهقين -ممن تجاوزوا سن 18- يرغبون في الذهاب إلى البارات أو أماكن الرقص والديسكو لكنهم لا يعرفون قواعد التعامل في مثل هذه الأماكن، فكثيراً ما يفسرون ابتسامة مراهقة أخرى على أنها ابتسامة إعجاب وغرام وعندما يكتشف سوء فهمه يصاب بخيبة أمل تدفعه للكراهية أو تكسير زجاجات البيرة أو الصراخ.

تكفير عن الماضي الملوث بالخطايا

كثيراً ما تتأسس الرؤية الدينية والإيمانية في فترة المراهقة وتكرس عادة الاستمناء عقدة الذنب والندم فتغذي وتنمي اتجاه التدين عند المراهق فيتشكل لديه تدين عصابي أكثر من كونه تدينا معرفيا، فيميل إلى الجدال والنقاش الحاد وبناء التابوهات. وأكثر ما يرضي هذا المراهق المتدين من اتجاهات هو الاتجاه السلفي، كونه اتجاهاً نارياً متوافقاً مع نارية المراهقة وبركانها. وإذا ما وقع هذا المراهق في معاشرة جنسية فقد تتولد لديه إيديولوجية عنيفة كشعور بالتكفير عن إثمه، فيصبح حاقداً على المجتمع ناقماً على المخالفين من الأديان الأخرى، وهذا أحد الأسباب التي قد تفسر هجرة بعض مراهقي أوروبا إلى مناطق داعش والالتحاق بجبهات الجهاد، ظناً منهم أنها وسيلة للتكفير عن الماضي الملوث بالخطايا.

 

صورة رمزية حول المراهقة والمراهقين.
قديما قالوا إن المراهقة بركان ثائر: إذ تمتزج لدى بعض المراهقين اللاجئين في أوروبا مشاعر الكبت الجنسي إبتشوه معنى الصداقة في المجتمعات الحديثة، وفقدان الأمل، والإحباط، وخيبة الأمل، والتخبط الفكري في مرحلة المراهقة، وتشوه الرؤية الذكورية للأنثى، وبعض العادات الشرقية والقناعات الرجعية المنحطة في استباحة جسد الأنثى -إذا كانت تنتمي لثقافة غير متوافقة مع ثقافة المراهق- وتهديد بعض المراهقين بالترحيل لعدم حصولهم على حق اللجوء، وغياب الوعي الكامل عند بعض المراهقين الذين يدخلون في تجارب عشق حديثة يفهمون المشاعر المتبادلة فهماً سيئاً لاختلاف الثقافات، وزيادة نسبة الكحول عن الحد المقبول، وتعاطي الحشيش وبعض الحبوب والتأثر بأفلام الجنس الإباحية وأثرها في شخصية المراهق ظناً منه أنه يمكن تجريبها مباشرة مع أول جلسة تعارف مع أنثى غربية، والفراغ، وقلة النشاط، ومحاولة اثبات الذات سلبياً، وعقدة التنافس السلبي، والإغراء وعدم الانشغال الفكري والجسدي وعشرات عشرات الأسباب التي تدفع المراهق للوقوع في نزوات أو خلافات أو مشاجرات قد تبدأ بالتحرش الجنسي لفظا وفعلا وصولا إلى الاغتصاب والقتل، وفق ما يكتب منصور حسنو.

 

{"معظم المدخنين كانت بداية تلك العادة في مراهقتهم كتعبير عن القدرة على ممارسة العوائد الممنوعة في الطفولة أو شعوراً بالرجولة أو كرغبة المراهقين في ارتياد نوادي كمال الأجسام أو إطلاق اللحية وإظهار التنسك (إظهار أنّه متدين) أو التمركس ( إظهار كونه ملحدا أو ماركسياً )، وكأنّه يصيح بالمجتمع: هآنذا، لم أعد صغيراً، انتبهوا إليَّ جيداً!" - منصور حسنو}

 

 وربما يكون هذا تفسيراً للمزاج الحاد والمتمرد والناقم عند كل من الأستاذ سيد قطب والعالم السلفي ابن تيمية وقد ماتا دون أن يتزوجا!

إنّ وسائل الترفيه ونوادي الرياضة والمسرح والسينما ونوادي القراءة ورحلات الكشافة والمسابح والحدائق إضافة إلى المدارس والتدريب المهني والجامعات بطبيعة الحال لم تخلق عبثاً، وهي نوافذ لتوجيه المراهقة والتخفيف من حدتها واستثمار الطاقة النارية عند المراهق إيجابا وتعميرا للحياة، ولذلك يجب أن تكون ضمن خطة الاندماج مشاريع تستهدف شريحة المراهقين من أبناء اللجوء ومتابعة شأنهم، وتوجيه طاقاتهم لما هو مفيد لهم ولمستقبلهم.

وهذا دور يجب أن تلعبه وزارة الشباب ومكتب رعاية الشباب (Jugendamt) ومراكز الاندماج الثقافي والاجتماعي، لأنّ تفلت مراهق واحد من أسرته أو مدرسته أو ناديه أو ورشته التعليمية أو التأهلية يعني زراعة لغم مجهول الهوية والمصير، وهذا يعني أنّ مسؤوليتنا الأخلاقية تجاه المراهقين هي مسؤولية جماعية مدنية وحكومية، سواء في استغلال منابر التواصل الاجتماعي التي هي الوسيلة المفضلة لدى هذه الشريحة من المجتمع والاهتمام بحاجاتها وتوجيه سلوكها وتقويمه بالحسنى والإجابة عن أسئلتها -مهما كانت محرجة وشاقة- وعقد روابط للشباب اللاجئ وتنمية ذواتهم وتقوية عزائمهم وملء أوقاتهم بكل مفيد.

وكذلك منحهم الفرص التي يثبتون بها وجودهم والجلوس معهم وسماعهم، فنكون عوناً لهم على تجاوز هذه المرحلة الحرجة من حياتهم، ونكون بذلك قد ساهمنا في ترشيد جيل جديد وتجنبنا وقوع بعض أفراده في الهاوية والجريمة أو أنقذناهم من شبهة اصطيادهم من منظمات الجريمة المنظمة أو شبكات الإرهاب الذي ينشط ضمن هذه الشريحة مستغلاً وضعها النفسي والاجتماعي والبنيوي معرفياً، والتي سيصيبنا شرر منها كوننا جزءاً من هذا المجتمع، الذي يجب أن يتكاتف ويتعاون كسفينة لا يجب السماح لأي كائن بأن يخرقها من أسفلها، وإنّ الأخذ على يده ومنعه بالحسنى وبالقوة هو إنقاذ له أولاً وللمجتمع كله من بعده ثانياً، وهي دعوة خير يستحق شبابنا اللاجىء أن يكونوا لها أهل.

 

 

منصور حسنو

حقوق النشر: موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de

 

منصور حسنو كاتب سوري