مدرجات الملاعب في شمال إفريقيا تتحول إلى منصات للتظاهر ضد الواقع البغيض

"في بلادي ظلموني": تحولت مدرجات ملاعب كرة القدم في بلدان شمال إفريقيا إلى منصات جماهيرية ترفع شعارات قوية تنتقد الأوضاع السياسية والاجتماعية، خاصة انتشار الفساد والتعنت السلطوي وعدم توفر فرص العمل، بلغة مباشرة وقاسية.

تحولت مدرجات ملاعب كرة القدم في بلدان شمال إفريقيا أكثر من أي وقت مضى إلى منابر يشكو فيها الشباب ضيق الأفق، ويوجهون من خلالها أحيانا انتقادات لسلطات بلدانهم.

وأضحى نشيد "في بلادي ظلموني" رمزا لهذه الظاهرة في المغرب، لكنه تخطى حدود مدرج "المكانة"، معقل ألتراس الرجاء البيضاوي العريق في المملكة المغربية ليردد في تظاهرات الحركة الاحتجاجية التي تهز الجارة الجزائر منذ عام.

وألفت هذه الأغنية، التي حصدت 9 ملايين مشاهدة على موقع يوتيوب، المجموعة الموسيقية "لالتراس إيغلز" ويرددها الآلاف من مشجعي النادي في مبارياته وسط الشهب الاصطناعية ولوحات التيفوهات المعبرة بأجساد المشاهدين.

 

#في_بلادي_ظلموني



#dimaraja meilleure ambiance

Meilleurs supporters

Meilleurs messages overseas



#كاس_محمد_السادس_للاندية_الابطال pic.twitter.com/gqUaB7Jxyp

— Narcisse (@Words_failed) September 24, 2019

 

وتصف كلماتها بالدارجة المغربية شبابا يعيش "تحت غيمة"، مدينة "سرقة الأموال وتقاسمها مع الأجانب" و"تهريب مستقبل جيل بكامله".

ورأى فيها الروائي المغربي عبد الله الطايع عند صدورها في 2018 "أغنية يائسة، معبرة، صادقة ودون أي حشو".

ويقول خالد وهو أحد مشجعي نادي الرجاء البيضاوي "إنها تعبر عما يعيشه آلاف الشباب في الأحياء الشعبية"، ويضيف مرافقه أيوب على هامش إحدى مباريات النادي بالدار البيضاء: "إننا نعبر عن معاناتنا داخل الملعب".

أنشودة "حر ومتمرد" تنتقد انتشار البطالة وفشل السياسات الإقتصادية

ولا يشكل جمهور الرجاء البيضاوي استثناء في هذا الصدد، ففي المغرب كما الجزائر وتونس تحولت مدرجات الملاعب لمثل هذه التعبيرات، إزاء أوضاع تتميز باحتقان اجتماعي وفوارق بين الفئات، فضلا عن مظاهر الرشوة وضيق فضاءات الحرية وكذا الرغبة في الهجرة.

وتحصد فيديوهات تصور أناشيد الجماهير في الملاعب أحيانا ملايين المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتقاسمها حتى الشباب الذين لا يهوون بالضرورة كرة القدم إذ يلمسون فيها ما يعبر عنهم.

وعلى غرار "في بلادي ظلموني" لجماهير الرجاء أخرج التراس الغريم التاريخي الوداد البيضاوي أنشودة "حر ومتمرد"، والتي تدين أوضاع البطالة وخصخصة الخدمات العمومية.

أما ألتراس نادي اتحاد طنجة (شمال المغرب) فينددون في أغنية نالت شهرة على مواقع التواصل الاجتماعي بـ"الظلم"، معبرين بنبرة قاسية عن يأسهم "خذونا في مركب بعيدا عن هذه الأرض"، في إحالة على الهجرة نحو أوروبا عبر "قوارب الموت" كما تسمى في المغرب.

 

 

 

ويرى الصحافي عبد الرحيم بورقية مؤلف دراسة بالفرنسية حول "الألتراس في المدينة" أن هذه التعبيرات "تكشف الكثير عن الصعوبات التي يعانيها الشباب" و"تتداخل فيها السياسة والرياضة".

ويلفت إلى أن مجموعات الالتراس "يعتبرون أنفسهم خارج المنظومة رافضين أن يتم توظيفهم سياسياً".

وبالنسبة للباحث في الشؤون الرياضية منصف بلخياط يمثل هذا الأسلوب "نوعا جديدا من الاحتجاج لا يتطلب أي ترخيص (...) في وقت لم يعد فيه السياسيون والوسطاء التقليديون يلعبون الأدوار المنوطة بهم".

ويتجاوز هذا الالتزام السياسي أحيانا ميادين الكرة إلى فضاءات أخرى حيث عبرت مؤخرا إحدى المجموعات الرئيسية لمشجعي الرجاء على تويتر عن "تأييدها المطلق لكافة معتقلي الرأي بالمملكة".

 

اقرأ/ي أيضًا: المزيد من مقالات موقع قنطرة 

ملك الفقراء أم المسؤول عن الفقر في المغرب؟

معجزة صغيرة تداعب أحلام الأطفال المشردين في مراكش

 

"قصر المرادية" في الجزائر 

وفي الجارة الجزائر شكلت مدرجات الملاعب منذ السبعينات متنفسا للتعبير السياسي، العنيف أحيانا، بالنسبة لشباب يجد صعوبة في تمثل مستقبل مشرق.

وتعود هذه الظاهرة إلى سنة 1977 عندما رددت جماهير نادي شبيبة القبائل أغاني تطالب بالاعتراف بالهوية الأمازيغية للجزائر.

وبطبيعة الحال مسح الالتراس الجزائريون الحركة الاحتجاجية التي ولدت قبل سنة ضد ولاية خامسة للرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، ببصمتهم المتميزة.

وتحولت أغنية "لاكاسا دي مرادية" التي أبدعها التراس نادي اتحاد العاصمة إلى نشيد لهذا الحراك، واستوحت عنوانها من المسلسل الاسباني الشهير "لاكاسا دي بابيل" للدلالة على قصر المرادية مقر الرئاسة في الجزائر.

 

 

ويسجل المؤرخ الفرنسي جان بيار فيلو، في مؤلفه بالفرنسية "الجزائر، الاستقلال الجديد"، أن "الالتراس تحولوا في الواقع إلى التيار الأكثر تنظيما وهيكلة" في إطار هذه الحركة الاحتجاجية التي ترفض أن تتخذ أي شكل من الأشكال التنظيمية التقليدية.

وتظل الميادين الكروية في تونس أيضا، بعد ثورة 2011، فضاء للتعبير عن المطالب الاجتماعية والسياسية من خلال أناشيد وتيفوهات، ويعد نشيد "يا حياتنا" لالتراس النادي الإفريقي المثال الأبرز على ذلك.

أما في مصر فلعبت مجموعات الالتراس دورا نشيطا في الربيع العربي. ورغم انحصار فضاءات التعبير في البلد، شهدت مباراة للنادي الأهلي بالقاهرة العام الماضي انطلاق تظاهرات صغيرة مناهضة للسلطة، وهو أمر نادر في فترة حكم عبد الفتاح السيسي.

وكان جواب السلطات سريعا بآلاف الاعتقالات شملت أيضا صفوف الالتراس.

وفي المغرب تحدث مناصرو الرجاء البيضاوي في كانون الأول/ديسمبر عن "حملة اعتقالات واسعة" قبل إحدى المباريات ومنعهم من تشكيل تيفو.

وفي 2018 اعتقل 14 من مشجعي نادي المغرب التطواني (شمال) بالسجن حتى 10 أشهر على خلفية رفعهم أعلاما اسبانية تنديدا بمقتل طالبة في إطلاق نار للبحرية الملكية على قارب للهجرة غير النظامية كان يقلها مع آخرين نحو اسبانيا.

ورغم كل شيء يبقى الملعب بالنسبة لطارق أحد مشجعي الرجاء "أقل عرضة للمخاطر"، يمكن أن نعبر داخله دون مشاكل".. المصدر: أ.ف.ب