اليمن - الحكومة اليمنية: "لا حلَّ عسكرياً باليمن لكن نؤمن بالضغط العسكري للوصول إلى الحل السياسي"

بالرغم من مرور سنوات غير قليلة وقاسية إنسانيا واقتصاديا من التصارع مع الحوثيين (جماعة أنصار الله)، وبالرغم من الحوادث الأخيرة وقيام قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات العربية الشريك الرئيسي في تحالف دعم الشرعية بالسيطرة على عدن العاصمة المؤقتة للبلاد -بل والاشتباك مع القوات الحكومية في أعمال عنف مما هدد بمزيد من التفتيت للوضع اليمني وألقى أيضا بظلال قوية على مستقبل هذا التحالف وقدرته على المواجهة مع الحوثيين- لا يزال وزير خارجية اليمن محمد عبدالله الحضرمي يرفض الأطروحات والدعوات التي توجه إليه من حين لأخر حول ضرورة فتح باب للحوار مع إيران الداعم الرئيسي للحوثيين.

وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) شدد الحضرمي على أن" رفض إشراك إيران بجهود الحل والتسوية السياسية لم يتأتَ جراء التعنت والتصلب بالمواقف، أو جراء الصراع المعروف فيما بينها وبين المملكة العربية السعودية الجارة الشقيقة لليمن وقائدة تحالف دعم الشرعية، وإنما "انطلاقا من تجارب سابقة أثبتت وبوضوح أن جميع تعاملات، أو بالأدق تلاعبات إيران بالملف اليمني لم ينتج عنها أبدا أي خير أو سلام لليمن".

"إيران والحوثيون"

وتابع: "حل الأزمة ليس بيد إيران بل في كف يدها عن التدخل بالشأن اليمني بالأساس ... البعض في ظل تعدد الأزمات السياسية والاقتصادية بالمنطقة، وبالتالي انشغال الجميع عن مساندة قضيتنا، ينصحنا بالحوار والتنسيق بل والتهاون مع إيران مؤكدين أنها تملك مفتاح الحل ... ونحن نقول لهم تدخل إيران ودعمها المستمر للحوثيين بمختلف أنواع الأسلحة والذخائر المتطورة هو ما يدفعهم لرفض اي حلول تطرح عليهم. وإذا توقف هذا الدعم سيأتي الحوثيون إلينا، وهم ونحن بالنهاية شعب واحد، لن نجعل إيران تتفاخر بحل أزمة هي من صنعتها بالمقام الأول."

وأشار الحضرمي (39 عاما) - والمعين حديثا على رأس وزارة الخارجية اليمنية - إلي الضربات الإرهابية التي استهدفت معامل ومنشآت شركة أرامكو النفطية السعودية منتصف أيلول / سبتمبر الماضي 2019، والتي تعدى تأثيرها الأمن والاقتصاد السعودي واعتبرت تهديدا خطير للأمن الإقليمي وكيف أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها كدليل واضح: "على مدى ارتهان تلك الجماعة بشكل كامل للسياسات الإيرانية والتغطية عليها دون الاكتراث بتبعات هذا على الشعب اليمني".

ورفض الوزير التعليق على ما يتردد من احتمالات وجود حوار سعودي إيراني قريب بواسطة إحدى دول المنطقة، وانعكاسات ذلك على الملف اليمني، وأكتفى بالقول: "لا أريد ان أقدم إجابات على تساؤلات تفترض وقائع بعينها، حتى الآن لا يوجد حوار سعودي إيراني وتحديدا عن اليمن".

وأبدى الوزير اليمني استنكاره الشديد لما بات يُردد مؤخرا حول أن السعودية قد ضاقت ذرعا بالملف اليمني، وأنه أصبح بمثابة المستنقع الذي تنزلق إليه أكثر وأكثر، والذي استنزف الكثير من مواردها الاقتصادية والبشرية وأخيرا بات منفذا لتزايد تهديد أراضيها ومدنها بل ومؤسساتها النفطية الرئيسية، وبالتالي فالمملكة قد تنفتح على اي حل يؤدي إغلاق الملف وبسرعة.

وقال مشددا: "اليمن ليس مستنقعا لأحد، مثل هذه المصطلحات اختلقتها وترددها بعض وسائل الإعلام التي تعجز عن توصيف أو رؤية الواقع ...الواقع هو أنه كانت هناك وقفة جدية من الجارة والشقيقة السعودية لمحاولات إيران المستميتة لتصدير ثورتها لليمن عبر وكلائها هناك أي الحوثيين، وسعيها لإيجاد نموذج جديد من الدولة الموازية الموالية لها، ...السعودية انتبهت جيدا لهذا الخطر وأدركت أنه لا يهدد فقط الأمن القومي اليمني وإنما أيضا الأمن القومي السعودي بل وأمن المنطقة والممرات المائية وحركة الملاحة الدولية ... وبالطبع نحن نثمن هذا الموقف الشجاع للأشقاء بالمملكة وغيره من "المواقف داخل المنطقة وخارجها التي دعمت ولا تزال تدعم قضيتنا".

ويُذكر أن جماعة الحوثيين، التي تسيطر على صنعاء ومراكز حضارية أخرى، قدمت للسعودية بعد فترة وجيزة من هجمات آرامكو عرضا بالتهدئة يتضمن وقف الهجمات الصاروخية والهجمات بطائرات مسيرة على المدن السعودية، شريطة أن يفعل تحالف دعم الشرعية الشيء ذاته، ولم يرد التحالف على هذا العرض، إلا أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وفي تصريحاته الأخيرة وصف اقتراح الحوثيين بــ"الخطوة الإيجابية نحو حوار سياسي أكثر جدية"، مضيفا: "أن "السعودية منفتحة على كل المبادرات من أجل حل سياسي في اليمن وأنها تأمل أن يحدث ذلك اليوم بدلا من الغد".

وأعرب الحضرمي عن تشككه بجدية بعرض الهدنة المقدم من الحوثيين، وأوضح قائلا: "الحوثيون في كل عام في ذكرى انقلابهم على الشرعية يقومون بإطلاق تصريحات رنانة ويقدمون مبادرات عريضة، وربما هذه المبادرة لا تخرج عما تعودنا عليه من أشكال المراوغة السنوية".

ودعا الوزير جماعة الحوثي لإثبات جديتها نحو السعي السلمي" باستكمال تنفيذ اتفاق ستوكهولم حول الحديدة المعطل بسبب تعنتهم لأكثر من عشرة أشهر للآن "، مشددا على أن " تنفيذ بنود هذا الاتفاق ستعزز من إجراءات بناء الثقة، لأن من لا يلتزم بالاتفاقيات السابقة لا يمكن تصديق امتثاله لأي تعهدات مستقبلية"، مشيرا في هذا الصدد "لتلكؤهم في تنفيذ أحدث قرارات البعثة الأممية بنشر المراقبين لأربع نقاط مراقبة لوقف إطلاق النار بالحديدة".

نفي "ممارسة السلطة على نحو تفردي وإقصاء الآخرين"

ونفى الوزير ما يردد عن أن حكومته تريد العودة بعقارب الساعة للوراء وممارسة السلطة على نحو تفردي وإقصاء الآخرين، موضحا: "كل ما نريده هو أن يدرك الحوثيون أنه لا يمكنهم حكم اليمن بمفردهم، بل وتسخيره أيضا بما يخدم حروب الوكالة التي تخوضها إيران بالمنطقة، وأن عليهم الالتزام بالمصالح والثوابت الوطنية وفي مقدمتها التأكيد على وحدة الأراضي اليمنية واستقرارها، وتنفيذ المخرجات و القرارات الإقليمية والأممية وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن رقم 2216 القاضي بسحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها بما في ذلك صنعاء، والتخلي عن جميع الأسلحة التي استولوا عليها".

وأضاف قائلا: "بعد ذلك نعود للمرحلة الانتقالية التي كنا قد دخلنا فيها عقب سقوط نظام على عبد الله صالح وانتخاب الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي عام 2012 ، وخضنا فيها حوارا وطنيا شاملا برعاية إقليمية ودولية للتفاوض على ترتيبات أمنية وسياسية، من ضمنها حكومة مشتركة وحكم ديمقراطي وتقاسم عادل للثروات ... وتلك هي المرحلة التي نــأمل ان تسفر جهود المبعوث الأممي مارتن جريفيث بالعودة إليها عبر إقناع الحوثيين بالالتزام بالقرارات الأممية، كما قلت الأمر متوقف على إرادة الحوثيين التي لا تزال قابعة تحت الوصاية الإيرانية".

واستطرد: " نحن الآن نعمل على صعيدين؛ الأول هو التعاون الكامل مع جهود الأمم المتحدة وخاصة فيما يتعلق برفع المعاناة عن أهالينا بمواقع سيطرة الحوثيين والدفع لإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية وهو الأمر الذي نواجه فيه تعنتنا شديدا مع الأسف مقترنا بمطالبات وعمليات ابتزاز، وفي الوقت نفسه نحن مستمرون في مواجهة مليشياتهم المسلحة ، لأنه إلي جانب إيماننا بأنه لا يوجد حل عسكري باليمن نؤمن أيضا بضرورة وجود ضغط عسكري للوصول للحل السياسي".  

أما فيما يتعلق بالمجلس الانتقالي الجنوبي، فقد نفى الحضرمي كل ما ردد حول التوصل لاتفاق مع هذا المجلس في مدينة جدة السعودية وأن الاتفاق قد تم تقويضه باللحظات الأخيرة جراء اعتراض بعض قيادات بمؤسسة الحكم والرئاسة وبالشمال اليمني عموما على مسودة هذا الاتفاق لما تضمنته من امتيازات عدة للمجلس الانتقالي وطالبوا بالمقابل بالمزيد من الضمانات لصالحهم وعادت الأوضاع لنقطة الصفر.

وشدد: "كل هذا ليس له من الحقيقة أي نصيب، لم يكن هناك موعد لعقد اتفاق أو مراسم للتوقيع عليه وتأجلت بناء على خلاف أو غيره ...وبالأساس كل ما سرب عن الأمر كان مجرد تكهنات إعلامية لا أكثر ... لا نزال نعول على جهود الأشقاء في المملكة العربية السعودية في هذا الشأن ونتطلع إلى التوصل إلى اتفاق يرتكز على الثوابت الوطنية وعلى رأسها عودة قوية وكاملة للحكومة اليمنية للعاصمة المؤقتة عدن بما في ذلك مجلس النواب، وضم جميع التشكيلات العسكرية الخارجة عن الدولة في إطار وزارتي الداخلية والدفاع، والحفاظ على أمن واستقرار ووحدة وسلامة الأراضي اليمنية".

وحول الامتيازات التي يمكن منحها للمجلس الانتقالي بالمستقبل خاصة وأن البعض من قياداته كان يدعو لحكم ذاتي لأقاليم الجنوب أو إشراك البعض منهم بالحكومة اليمنية ، قال الوزير" إذا كانت هناك تطلعات فيجب أن تكون في حدود الأطر السياسية لا بفرض الواقع بالقوة المسلحة ...  وبالفعل المجلس الانتقالي كان مطروحا عليه قبل الآزمة في أب / أغسطس الماضي 2019 أن تنضم شخصيات منه للحكومة ورأب الصدع، لكن للأسف حدث ما حدث من تمرد مسلح من قبلهم مدعوم بالسلاح والمال الإماراتي في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية، وتدخلت السعودية من اجل تصحيح المسار... وقد يعاد طرح ذات الأمر عليهم بعد التوافق والتأكيد على الثوابت الوطنية أولا".

"الإمارات والإخوان" 

وتابع: "نعم حدثت بعض/ الشروخات/ بمسار تحالف دعم الشرعية ولكننا متفائلون جدا بالجهود السعودية الساعية لتصحيح المسار وإعادة البوصلة باتجاه مجابهة مشروع إيران التوسعي في المنطقة". ورفض الوزير ما تردد حول أن تشكيلات تابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح، والذي يعده كثيرون الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين باليمن هي من بدأت بالاشتباك مع قوات المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات نظرا لتقارب أهداف وأيدلوجية هذا الحزب مع المحور القطري التركي.

وقال: "بتقديري هناك محاولة لتبرير ما حدث بعدن عبر الخلط ما بين علاقة الإخوان بالإصلاح. اليمن بها تعددية سياسية من عام 1990 ولا يمكن إقصاء أي حزب بشكل كامل، وإذا كان هناك أي ملاحظات على أفكار أو ممارسات، أي حزب لا تتم مجابته بالسلاح وإنما بالمناقشة السلمية مع الحكومة الشرعية... وقد اثبتنا أن اعتداءاتهم كانت على قوات الحكومة اليمنية وليست ميلشيات تابعة لأي حزب أو جماعات إرهابية كما رددوا". حاورته: جاكلين زاهر ( د ب أ) - 23 / 10 / 2019