فعاليات رياضية كبرى مهما كان الثمن؟

سياح أمام حروف إنكليزية كبيرة عن بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في الدوحة - قطر.
سياح أمام حروف إنكليزية كبيرة عن بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في الدوحة - قطر.

الفعاليات الرياضية الكبرى كبطولة كأس العالم تخدم منظميها بالمقام الأول وتهدف لتقديم صورة ملمعة عن بلدهم. الباحث سامولي شيلكه -في تعليقه لموقع قنطرة- يرى وجوب عدم المشاركة في خدمة مثل هذه الأهداف.

الكاتب، الكاتبة : Samuli Schielcke

أصبح المشجعون الألمان ينتقدون بشكل متزايد بطولة كأس العالم 2022 في قطر، وهذا عمل صحيح.  تُعَدُّ قطر دولة ضمن سلسلة طويلة من دول تقوم من أجل إبراز نفسها دوليًا بتنظيم فعاليات رياضية دولية، ولنتذكر هنا أيضا بطولة كأس العالم في روسيا والألعاب الأولمبية في الصين ومؤتمرات المناخ والمعارض العالمية وما شابه ذلك. وتسعى هذه الدول من خلال ذلك إلى إخفاء ممارساتها الاستغلالية والعنيفة وغير المستديمة بيئيًا.

وهذه الحيلة تعمل بشكل جيِّد لأنَّ الكثير من الناس، وحتى من الغرب الثري، يريدون أن يكونوا هناك في جميع هذه الفعاليات الكبرى. الوعود والخطب تبدو جميلة. والكثيرون من الناس في ألمانيا يكسبون كثيرًا من هذه الفعاليات الكبرى. وهذا ما يسمى بـ"التبييض" في المصطلحات السياسية.

الاستغلال موجود لدينا أيضًا

ولكن المشكلة لا تتعلق بقطر بقدر ما تتعلق بالرياضة الاحترافية الدولية. قطر تستغل العمال منذ فترة طويلة وهي مستمرة أيضًا في فعل ذلك، تمامًا مثلما تفعل الكثير من البلدان الأخرى بما فيها ألمانيا أيضًا.

 

عمال في موقع بناء في قطر. Arbeiter auf einer Baustelle in Katar; Foto: Bernd von Jutrczenka/dpa/picture alliance
قطر لديها مثل جميع دول الخليج الأخرى نظام استغلالي لإصدار التأشيرات المرتبطة بعقود العمل، يجعل العمال يعتمدون على إرادة "كفيلهم" ولا يمكنهم تغيير عملهم بحرية. وعلى الرغم من أنَّ ما يعرف باسم نظام الكفالة تم إلغاؤه في قطر (الدولة الخليجية الوحيدة التي ألغته)، ولكن ما تزال توجد عمليًا أجزاء من هذا النظام. هذه الدول لا تسمح بتنظيم نقابات مهنية وإضرابات عن العمل. ومع ذلك فإنَّ الاستغلال موجود أيضًا في أوروبا والولايات المتَّحدة، مثلما يكتب سامولي شيلكه ويذكر على سبيل المثال موظفي صالونات العناية بالأظافر، الذين يتم جذبهم من الخارج ثم يتعين عليهم أوَّلًا العمل لسنين من أجل سداد رسوم التأشيرة المزعومة.

 

نحن لا نستغل الآخرين في أغلب الأحيان داخل حدودنا الألمانية، بل ننتج منتجاتنا في أماكن أخرى بأجور زهيدة. ومع ذلك توجد حتى في ألمانيا نفسها ظروف عمل مريبة. تشير مبادرة "متحدون ضدّ العبودية الحديثة" إلى وجود صالونات للعناية بالأظافر تجلب موظفيها إلى أوروبا أو الولايات المتَّحدة الأمريكية بعقود احتكار. وهؤلاء العمال الوافدون يضطرون بعد ذلك إلى العمل عدة سنين لتسديد "تكاليف سفرهم وتأشيرتهم" الأصلية. ومن الجيِّد أنَّ هذه الممارسات باتت تزعجنا الآن.

ما من شكّ في أنَّ انتقادات بطولة كأس العالم تأتي متأخرة قليلًا، وذلك لأنَّنا نعلم منذ فترة طويلة أنَّ كرة القدم الدولية فاسدة كليًا. نحن نعلم منذ عام 2015 أنَّ بطولة كأس العالم 2006 في ألمانيا تم شراؤها أيضًا. وهنا تعتبر بطولة كأس العالم 2022 -التي اشترتها دولة تشتري أيضًا مواهبها الرياضية- مجرَّد تتويج لسياسة وقحة كليًا هدفها الظهور بمظهر جميل من خلال أطراف فاعلة مشكوك فيها.

ليست عبودية بل رأسمالية

عالم كرة القدم الاحترافية متواطئ برمَّته. أنا سأُقاطع بطولة كأس العالم 2022 وإن أمكن جميع الرياضات الاحترافية الدولية. كما أنَّني لم أشاهد لهذا السبب أيضًا الألعاب الأولمبية الأخيرة في عام 2020 أيضًا - على الرغم من أنَّ ظروف العمل في اليابان أفضل بكثير من قطر.

ومع ذلك فإنَّ بطولة كأس العالم ستستمر، وهذا ما يريده أيضًا العمال في قطر لأنَّهم بحاجة إلى عمل، ولن يستفيدوا أيضًا في حال عدم إقامة بطولة كأس العالم في قطر. وكذلك لن يكون عمال المصانع في بنغلادش أفضل حالًا عندما لا أشتري قميصًا جديدًا، بل ستكون حالهم أفضل عندما تُدفع لهم أجور أعلى مما كانوا يحصلون عليه حتى الآن من ثمن قميصي الجديد.

وقطر لديها مثل جميع دول الخليج الأخرى نظام استغلالي لإصدار التأشيرات المرتبطة بعقود العمل، يجعل العمال يعتمدون على إرادة "كفيلهم" ولا يمكنهم تغيير عملهم بحرية. [لقد تم رسميًا في قطر إلغاء ما يعرف باسم نظام الكفالة، ولكن بحسب ناشطي حقوق الإنسان ما تزال توجد عمليًا أجزاء من هذا النظام].

وهذه الدول لا تسمح بتنظيم نقابات مهنية وإضرابات عن العمل. غير أنَّني في الواقع لا أستحسن كثيرًا مقارنة ذلك بالعبودية. إذ إنَّ استغلال العمال في قطر وفي أماكن أخرى اليوم ليس عبودية بل رأسمالية؛ وهي تمكِّن أيضًا الشركات الأوروبية التي تستثمر في المنطقة من تحقيق أرباح جيِّدة.

الفيفا؟ من الأفضل إلغاؤها

ازداد الآن أكثر من ذي قبل عدد الناس المطلعين على هذه الظروف، وهذا جيِّد. لو أنَّ الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا اشترط من أجل اختيار البلد المقيم لبطولة كأس العالم إجراء إصلاح جذري في قانون التأشيرات والعمل، فربَّما كان من شأن ذلك أن يُحدث تقدُّمًا أكبر.

إذا كان الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا في الواقع منظمة تهتم أوَّلًا وقبل كلِّ شيء بالرياضة النزيهة وبرفاهية الناس، فمن المنطقي أن نأمل في أن يصبح احترام حقوق العمال شرطًا للبطولات المستقبلية على الأقل.

 

 

 

ولكن اللاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا -مثلما نعرفه اليوم- يسعى إلى تحقيق أهداف مختلفة تمامًا ومن الأفضل ألغاؤه. وفي هذا الوقت، آمل أن تُقام المباريات وتُدفع للعمال رواتبهم ومكافآتهم، ولكنني آمل ألَّا تثير هذه البطولة نفسها سوى أقل قدر ممكن من الاهتمام. فهدفها الحقيقي هو في نهاية المطاف: الترويج لدولة قطر وتلميع صورتها العامة. يجب علينا عدم خدمة مثل هذه الأهداف.

 

 

 

سامولي شيلكه

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2022

ar.Qantara.de

 

الدكتور سامولي شيلكه محاضر في مركز لايبنيتس للشرق الحديث في برلين، يركِّز على مصر ودول الخليج. صدر له كتاب: "أحلام المهاجرين: العمال المصريون في دول الخليج"، القاهرة 2020، عن مطبعة الجامعة الأمريكية بالقاهرة.