ألمانيا: هل تأنيث الحوار بين الأديان يصلح ما أفسده "رجال الدين"؟

من المثير للإعجاب زيادة عدد النساء القادمات من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط للمشاركة في الدورة العاشرة لتجمع الأديان العالي في مدينة لينداو الألمانية. كريستوف شتراك والتفاصيل.

الكاتبة ، الكاتب: Christoph Strack

أصبح الدين أكثر أنثوية. شكَّلت النساء في تجمع أديان من أجل السلام العالمي العاشر في مدينة لينداو الألمانية نحو ربع المشاركين. وهذا أكثر بكثير من ذي قبل. وعلى الأقل، حضرت هذا التجمُّع أيضًا مندوبةٌ عن الفاتيكان من مؤسَّسة كاريتاس الدولية. ولكن مع ذلك فإنَّ نسبة النساء لا تزال بالنسبة للكثيرين قليلة جدًا، مثل ذي قبل.

"نأمل في أن يضمّ هذا التجمُّع العالمي الجديد المزيد من النساء"، مثلما قالت محرزية العبيدي معيزة: "النساء يجب أن يكنّ أكثر حضورًا في جميع فعالياتنا". لقد كانت هذه التونسية النائبة الأولى لرئيس المجلس الوطني التأسيسي في بلدها تونس. وقد كانت في هذا التجمُّع العالمي الذي استمر أربعة أيَّام في جزيرة بحيرة كونستانس (بحيرة بودن) واحدةً من أكثر النساء الواثقات بأنفسهن، المطالبات بالمزيد من المشاركة في الرأي. وكذلك قالت العراقية ليلى الخفاجي، التي أمضت في عهد صدام حسين أكثر من عشرة أعوام في السجن ومن ثم أصبحت عضوة في البرلمان العراقي: "نرغب في أن تشارك النساء".

تلوُّن وتنوُّع

كان ظهور هاتين السيِّدتين من أقوى اللحظات في تجمُّع الأديان العالمي. ساهم في تلوُّن وتنوُّع تجمُّع الأديان في مدينة لينداو رجالٌ ونساء على حدّ سواء - هندوس وبوذيون ومسيحيون وبهائيون وصوفيون ويهود وسكَّان أصليون من كندا وكذلك من منطقة الأمازون. غير أنَّ المندوبات القادمات من آسيا وأفريقيا والعالم العربي مثَّلن بالذات العمل الشعبي الملتزم وجسَّدن ثقة جديدة بالنفس.

 

 تجمع "أديان من أجل السلام" العالمي العاشر في مدينة لينداو الألمانية:   Foto: Ahmed Khaled Photography
Ziel des Treffens ist, Konflikte zwischen Religionen und Glaubensrichtungen abzubauen

 

ولهم جميعًا، وجَّه الرئيس الألماني الاتِّحادي فرانك فالتر شتاينماير تذكيراته التي قدَّمها للضيوف القادمين من مائة وخمسة وعشرين بلدًا في حفل الافتتاح. حيث قال شتاينماير: "قد نكون مختلفين في معتقداتنا. ولكن يجب أن يكون موقفنا المشترك هو: أنَّ الدين يجب أَلَّا يكون أبدًا مبررًا للكراهية والعنف".

وقد أكَّد بكلِّ صراحة ووضوح على ارتباطه "كمسيحي متديِّن" بهذا الموضوع: "يجب أَلَّا نكون غير مبالين عندما يقول مرارًا وتكرارًا الكثيرون من الناس إنَّ الدين بالذات هو ظاهرة تمنع السلام وحتى أنَّها تشجِّع على الحرب". وقد ذكَّر بحرب الثلاثين عامًا (1618-1648) [في ألمانيا]، التي كان سببها الدين وقد امتدَّت إلى مدينة لينداو أيضًا.

يجب أن تكون رسالة لينداو المشتركة هي: "لا يجوز أن تُشَنّ أية حرب باسم الدين!"، مثلما حذَّر رئيس الدولة الألماني. وأضاف: "لكن من الممكن أيضًا أن يُساء استخدام الإيمان والدين من أجل نوايا تعتبر في الحقيقة غير دينية وأهداف سياسية".

الإرهاب

كان من الملفت للنظر في لينداو عددُ المرات التي تم فيها ذكر الهجمات الدموية الكبيرة التي وقعت في الآونة الأخيرة ضدَّ مؤمنين. الإرهاب الذي استهدف الكنائس في سريلانكا أثناء عيد الفصح وسقط ضحيته مئات القتلى، والمجازر الدموية في مساجد في نيوزيلندا وفي كنيس يهودي في بيتسبرغ في الولايات المتَّحدة الأمريكية. كان هذا الإرهاب في الغالب مُبَرَّرًا دينيًا أيضًا.

 

 

 

وقد أعرب الرئيس شتاينماير بوضوح وعلى نحو غير معتاد عن توقُّعاته من "الدين". الأوروبيون معتادون على ذلك، ولكن الآخرين أكثر حذرًا. "من غير المفيد بتاتًا أن يتزوَّج الدين والسياسة. فعندئذ تتولى السياسة بسرعة دور الزوج"،  مثلما قال بعد حديث شتاينماير بأربع وعشرين ساعة الكاردينال النيجيري جون أونايكان: "ونحن لدينا في أفريقيا تجارب مع الأزواج". وأضاف يجب على الدين أَلَّا ينحاز.

الوصول إلى القاعدة [الشعبية]

بينما أعرب خوسيه راموس هورتا، وهو أوَّل رئيس لتيمور الشرقية بعد استقلالها، عن انتقادات أقل. وقال في حوار مع مؤسَّسة دويتشة فيله الإعلامية إنَّ الدين "مهمٌ في الحقيقة من أجل استقرار السلام - وذلك بسبب الزعماء الدينيين. فهم يصلون في الحقيقة إلى القاعدة [الشعبية]، إلى الناس في القاعدة".

قالت الهندوسية فينو آرام من مؤسَّسة شانتي أشرم البارزة في الهند: "سأغادر لينداو مع أمل جديد". وأضافت أنَّ هذا يعود أيضًا إلى كيفية تغلُّب ألمانيا على أزمة اللاجئين وإلى مدى إظهار الناس في لينداو اهتمامهم بالأديان.

تسعى منظمة أديان من أجل السلام من خلال مشروعين إلى إظهار نفسها وبشكل ملموس على أنَّها تتولى المهمة. ففي موقع رمزي شُيِّد فيه مؤخرًا تمثال "خاتم السلام" بارتفاع سبعة أمتار ونصف على شاطئ بحيرة كونستانس (بحيرة بودن)، عبَّر المعنيُّون عن التزامهم الذاتي بحماية المباني الدينية من العنف. 

على الرغم من أنَّ هذا الأمر خطير للغاية، "فيجب حماية الأماكن المقدسة أيضًا على يدّ مؤمنين من ديانات أخرى"، مثلما قال الدكتور وليام فراي فندلي، وهو الأمين العام المنتهية ولايته لمنظمة أديان من أجل السلام. وبالإضافة إلى ذلك فقد عرضت خبيرات في العلوم الجنائية طريقةً من أجل التحقُّق من الحمض النووي الخاص بالمُغْتَصِبْين في مناطق الأزمات والحرب. من المفترض أنَّ هذه الطريقة أقل تكلفة بكثير من الطرق السابقة وتساعد النساء في الدفاع عن كرامتهن - على الأقل من الناحية القانونية. وهاذان المشروعان يهدفان إلى مشاركة الناس على مستوى القاعدة من خلال المؤسَّسات الدينية.

 

[embed:render:embedded:node:36996]

 

في الذكرى السنوية

وبهذا فقد تحدَّدت التوقعات المرجوة من عمل تجمُّع "أديان من أجل السلام" في الأعوام القادمة. وكذلك في الذكرى السنوية عام 2020، حينما سيبلغ عمر منظمة أديان من أجل السلام خمسين عامًا. لقد أصدر المنظمون دعوات رسمية للاحتفال بالذكرى السنوية في مدينة لينداو. ثم كانت أيضًا البروتستانتية الألمانية البارزة مارغوت كيسْمان. وتم انتخابها لعضوية المجلس العالمي "أديان من أجل السلام" المكَّون من ثمانين عضوًا، والذي يمثِّل منظمة "أديان من أجل السلام" في التجمُّعات والمجالس العالمية.

وفي المستقبل، ستتولى للمرة الأولى امرأةٌ منصب الأمين العام لمنظمة أديان من أجل السلام وتنسيق العمل في جميع أنحاء العالم. فقد انتُخِبَتْ في لينداو المسلمةُ عزة كرم، وهي مولودة في عام 1968 في القاهرة وتحمل اليوم الجنسية الهولندية وتعمل في مجالات أكاديمية متعدِّدة، كخليفة للدكتور وليام فراي فندلي (71 عامًا). صحيح أنَّ هذا مجرَّد قرار وظيفي، غير أنَّه خطوة أخرى: فالدين أصبح أكثر أنثوية.

 

 

كريستوف شتراك

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: دويتشه فيله / موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de