تحليل: هل سقوط بوتفليقة والبشير امتداد للربيع العربي 2011؟ وهل باتت قناة الجزيرة أقل جسارة؟

أثارت التطورات الأخيرة التي شهدتها الجزائر والسودان والتي ما زالت جارية (أبريل / نيسان 2019) تساؤلات حول ما إذا كان ما يحدث هو ربيع عربي جديد، يعيد للأذهان أحداث عام 2011 في العالم العربي.

وقد بدا دائما عدم تأثر عبد العزيز بوتفليقة بالاحتجاجات التي اجتاحت الشرق الأوسط فى عام 2011 أمرا مثيرا للدهشة إلى حد ما. ولم يكن هناك سبب واضح لإفلات الجزائر من الاحتجاجات التي اجتاحت شمال أفريقيا، ومن ثم يثير سقوط بوتفليقة مطلع هذا الشهر وبعده سقوط عمر البشير تساؤلا مهما حول ما إذا كان ما نشهده هو استكمال للتوجه الذي بدأ في 2011.

ويقول الدكتور جون بي. الترمان مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي إن هناك أوجه شبه كثيرة مع ما حدث في 2011 ففي الجزائر والسودان ثار شباب ضد الرئيسين اللذين لم يعرفوا سواهما، بعد شعورهم بالغضب إزاء سرقة الفساد والمحسوبية لمستقبلهم. 

وقد زادت الاحتجاجات أسبوعا بعد أسبوع حتى لم يعد من الممكن احتواؤها. وكما هو الحال فى 2011 لم يكن وراء الاحتجاجات في السودان والجزائر سياسيون معارضون، لأن جزءا من سر بقاء الحكام لفترة طويلة يكمن في ضمان عدم ظهور أي بديل لهم، بل كان المحتجون يمثلون إلى حد كبير تصويتا تلقائيا ودون قيادة بــ" لا" بالنسبة للوضع الراهن.

من ناحية أخرى يرى الترمان، الذي كان في وقت سابق عضوا في هيئة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية، أن الاختلافات بين ما يحدث في الجزائر والسودان وما حدث في 2011 أكثر من أوجه الشبه بينهما. فأولا، رغم أن طموحات المتظاهرين قد تكون واحدة ، فإن توقعاتهم أقل. ومن الصعب الآن استعادة الثقة الجياشة التي كانت هناك في ذلك الوقت: فقد كانت الديمقراطية في المتناول، وكان بوسع المواطنين الغيورين، الذين كانت استطلاعات الفيسبوك والوطنية نبراسا لهم، إعادة تشكيل سياسات دولهم. 

 

{يرى المحلل السياسي جون بي. الترمان مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي أن اختلاف انتفاضات 2011 العربية عن احتجاجات 2019 في المنطقة العربية هو أن السؤال الذي يدور في أذهان صانعي السياسات في عام 2019 ليس كيف يساعدون المتظاهرين على امتلاك السيطرة، ولكن كيف يساعدون في ضمان عدم سقوط بلادهم في حالة من الفوضى.}

 

وفي السنوات التي أعقبت ذلك، أكدت تجربة المصريين المريرة مع حكم الإخوان المسلمين وظهور الجماعات الجهادية من جديد في أنحاء المنطقة مدى التشكك في التقدم الديمقراطي. وبالنظر ثمانية أعوام إلى الوراء ، يتكشف أن مظاهرات 2011 أسفرت عن ديمقراطية منفردة ما زالت تتصارع في تونس بينما أدت لاندلاع حروب أهلية ما زالت تستعر في ليبيا، وسوريا، واليمن. وما كان يعتبر فى وقت من الأوقات حماسا كبيرا للتغيير في مصر والبحرين لم يعد له وجود. 

ولم يثر سقوط الرئيسين فى الجزائر والسودان نفس الفرحة الغامرة التي أثارتها مظاهرات الربيع العربي، لأن الجموع في الشوارع أدركوا أنه ما زال أمامهم عمل شاق. وثانيا، فإن الجيشين الجزائري والسوداني أكدا سيطرتهما الحازمة على الموقف في الدولتين. وكانت الظروف أقرب إلى انقلاب عسكري أكثر منها ثورة شعبية.

وثالثا، فإنه ليس هناك حماس المنطقة الذي اتسمت به أحداث 2011. وأحد أسباب ذلك، هو أن قناة الجزيرة التي لعبت دورا مهما في تصوير انتفاضات 2011 على أنها سلسلة من الثورات الديمقراطية التي تؤدي لسقوط الطغاة، ليست متحمسة لأحداث هذا الشهر، وهذا يرجع من ناحية إلى أن قناة الجزيرة أقل نشاطا وجسارة عما كانت من قبل. ومن ناحية أخرى يبدو أن المشاهدين أيضا أصبحوا أكثر تشككا إزاء سياسة القناة التحريرية الواضحة في الغالب، كما أن العداء لقطر فى المنطقة أسفر عن وجود مقاومة لجهدها القيادي في مجال الدبلوماسية العامة. وربما يتمثل السبب الأكبر في تراجع قدرة القناة على تعبئة التضامن الإقليمي، حيث أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت ما زالت في بدايتها في 2011، تحدث انقساما داخل الدول وفيما بينها وتخلق نوعا من عدم اهتمام المشاهدين بالقضايا التي لا تؤثر على حياتهم اليومية.

 

{يرى الكاتب إلياس خوري أن ميدان التحرير يقع اليوم في الجزائر مثلما يقع في الخرطوم، وهو قادر على الفعل في أماكن أخرى. ولعل سر "الربيع العربي" لا يكمن في انتصاراته أو هزائمه، بل في قدرته على تحرير الناس من الخوف.}

 

ويقول الترمان، الذي ألقى محاضرات في أكثر من 30 دولة في خمس قارات حول موضوعات تتعلق بالشرق الأوسط وسياسة الولايات المتحدة في المنطقة، إن تلك الاختلافات الثلاثة، التوقعات الأكثر تواضعا، والسيطرة العسكرية، وغياب الحماس في المنطقة، أدت إلى تضاؤل الاهتمام الدولي بهذه الأحداث. فقد كان العالم كله يشاهد أحداث 2011، وسارع الرؤساء ورؤساء الوزارات إلى احتضان المتظاهرين ومنحهم الشرعية، واختارت مجلة تايم الأمريكية المتظاهرين ليكونوا شخصية العام. 

لقد كان الوقت مختلفا. وفي الوقت الحالي فإن السؤال الذي يدور في أذهان صانعي السياسات ليس كيف يساعدون المتظاهرين على امتلاك السيطرة، ولكن كيف يساعدون في ضمان عدم سقوط بلادهم في حالة من الفوضى.

ويضيف الترمان أنه سيكون من الخطأ افترا سقوط بوتفليقة والبشير مجرد حوادث منفصلة، فالمتظاهرون الجزائريون والسودانيون استغلوا الظروف السيئة التي تثير الغضب وما زالت سائدة في العالم العربي، وفي معظم الحالات، لم تتحسن منذ أحداث 2011، والحكومات منتبهة لمثل هذا التحدي، وهى تسعى إلى ترشيد الحكم، والاستجابة بسرعة للمطالب، وزيادة الشفافية.

وأكد الترمان أنه ليس من المحتمل أن تكون الجزائر والسودان بشائر لمجموعة جديدة من الانتفاضات العربية تجتاح المنطقة. إذ لا تبدو الظروف مهيئة لذلك. وفي الوقت نفسه فإن الجزائر والسودان تذكران بأن بذور الانتفاضات المستقبلية مزروعة فى الأرض من المحيط الأطلنطي وحتى المحيط الهندي. ورغم أنها ساكنة في التربة، في ظل مطر غزير، فإنها يمكن أن تنبت بسرعة. د ب أ