ترامب...علاقة وثيقة بالديكتاتوريات "العلمانية" العربية

يرى الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب أن روسيا مؤهلة لحل مشكلة سوريا، ويعتبر أن العرب لا يستحقون الديمقراطية باعتبارها «منتوجاً غربياً». لكنه يريد توثيق العلاقة مع الديكتاتوريات العربية "العلمانية"، كنظام السيسي في مصر. وينطلق من منظور عنصري حين يريد نصيباً أكبر من ثروات الدول العربية النفطية -دول الخليج وليبيا- مقابل الدور الأمني الأمريكي، بحسب ما يلاحظ الصحفي توفيق المديني في عرضه التالي.

الكاتبة ، الكاتب: توفيق المديني

يوم الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، الجمهوريون الأمريكيون لم يفوزوا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في شخص دونالد ترامب فحسب، بل إنهم أصبحوا يمتلكون كل السلطات من خلال المحافظة على الأكثرية في مجلسي الشيوخ والنواب، لكي يحكموا الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات المقبلة.إنّها المرّة السادسة التي تحصل في التاريخ المعاصر لأمريكا، وإذا كان الرئيس السابق جورج بوش الابن وجد نفسه في هذه الوضعية ما بين 2001 و 2007 مع سيطرة ديمقراطية في مجلس الشيوخ في سنة 2002، فإن الظاهرة تكاد تتكرر.

وكانت آخر سيطرة حزب واحد على الحياة السياسية الأمريكية، تعود إلى الحزب الديمقراطي عقب أزمة الرأسمالية الحادة في سنة 1929، وخلال المرحلة الممتدة من 1933 ولغاية 1946، حين طبق روزفلت برنامجه الجديد كجواب على الأزمة الرأسمالية العالمية.أما بالنسبة للحزب الجمهوري فقد كانت خلال فترة ولايتي رونالد ريغان، ووولاية جورج بوش الأب، من سنة 1981 ولغاية 1990.

الاقتراع الأكثر غرابة وصدمة في التاريخ الأمريكي الحديث

من مفارقات هذه الانتخابات الأمريكية، أن الرئيس ترامب فاز بنسبة عالية من أصوات الناخبين الكبار،إذ تجاوز 306 ناخب كبير في المجمع الانتخابي، أي أكثر من العدد المطلوب لضمان الفوز وهو 270، أما كلينتون فحصلت على 232 مندوباً. وفي هذا الاقتراع الأكثر غرابة وصدمة في التاريخ الأمريكي الحديث، الذي شهد نسبة مشاركة قياسية تجاوزت الـ 50 في المائة مع تصويت نحو 125 مليون أمريكي من أصل 225 مليوناً يحق لهم التصويت، حصلت هيلاري في الفرز النهائي لصناديق الاقتراع السبت 13 / 11 / 2016 على 47.7 % من الأصوات مقابل 47.1 % لترمب، أي أنها فازت بأكثر بنصف مليون تقريبا ممن انتخبوا ترامب. لكن في قانون النظام الانتخابي الأميركي ،أصوات الناخبين الكبار على مستوى الولايات الـ 50 هي التي تحسم النتيجة النهائية للفائز.

بوتين في لقاء مع خامنئي.
قال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في حوار حصري لموقع وول ستريت جورنال الأمريكي: "رأيي مخالف لرأي كثير من الناس فيما يتعلق بسوريا". واقترح ترامب تغيير خطة أوباما الداعية إلى دعم المعارضة السورية المعتدلة والتركيز على محاربة "داعش" في سوريا بدلاً من التركيز على تنحية الأسد. وقال ترامب: "موقفي هو أنكم تحاربون سوريا وسوريا تحارب داعش ولكنكم مضطرون للتخلص من داعش. روسيا مصطفة بشكل مطلق مع سوريا وكذلك إيران -التي تصبح أقوى بسببنا- مصطفة مع سوريا. ونحن الآن ندعم المعارضين المسلحين ضد سوريا وليس لدينا أدنى فكرة من هؤلاء". وأضاف أنه إذا قاتلت الولايات المتحدة الأسد فإنها "في نهاية المطاف تقاتل روسيا وسوريا".

ملياردير من خارج المؤسسات الحاكمة

الرئيس الأمريكي المنتخب الخامس والأربعون دونالد ترامب البالغ من العمر 70سنة، هو ملياردير وتاجر عقارات كبير، وقد جاء من خارج المؤسسات التقليدية الأمريكية الحاكمة، ومراكز رسم الاستراتيجيات والسياسات وصنعها ،لا سيما أنه استطاع أن يستميل بخطابه الشعبوي المناهض للعولمة ظاهريا الفئات المهمشة الفقيرة و الطبقة المتوسطة من الشعب الأمريكي، وهي الفئات المتضررة من أزمة الرهن العقاري سنة 2008. فالبرنامج الاقتصادي لترامب الذي طرحه خلال حملته الانتخابية لم يكن متناقضا مع سياسات الجمهوريين الذين يرمزون، وبكل قوة، للنظام الاقتصادي الليبرالي الجشع، بل إن ترامب سيكون من أكثر المدافعين عن مصالح الطبقة الرأسمالية الأمريكية، وبالتالي عن العولمة الأمريكية المتوحشة، حين يعتبر الصين كقوة اقتصادية عالمية منافسة للولايات المتحدةالأمريكية العدو الرئيس، بسبب سياستها في مجال الصرف،حيث وصف سياستها بالتلاعب بسعر صرف اليوان، ووعد ترامب بفرض عقوبات ضدها.

 كما وعد الرئيس المنتخب بإعادة التفاوض حول اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة (نافتا)،المسؤولة -بحسب وجهة نظره- عن نقل المصانع الأمريكية نحو التمركز في المكسيك مستغلة اليد العاملة الرخيصة، وغيرها من المزايا. كما طرح من جديد انتهاج سياسة متشدد تجاه الهجرة من خلال طرد حوالي 6.5 مليون مهاجر غير قانوني من أصل 11 مليون متواجدين على الأراضي الأمريكية، وبناء جدار بطول 1600كلم مع المكسيك ،وإرسال فاتورة الحساب إلى الحكومة المكسيكية.

 الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب
قال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب: "موقفي هو أنكم (أي الأمريكان) تحاربون سوريا وسوريا تحارب داعش ولكنكم مضطرون للتخلص من داعش. روسيا مصطفة بشكل مطلق مع سوريا وكذلك إيران -التي تصبح أقوى بسببنا- مصطفة مع سوريا. ونحن الآن ندعم المعارضين المسلحين ضد سوريا وليس لدينا أدنى فكرة من هؤلاء". وأضاف أنه إذا قاتلت الولايات المتحدة الأسد فإنها "في نهاية المطاف تقاتل روسيا وسوريا".

استعادة مكانة «العظمة الأمريكية»

على صعيد السياسة الخارجية الأمريكية، يريد الرئيس المنتخب دونالد ترامب استعادة مكانة «العظمة الأمريكية» على المستوى العالمي، وهو يقول  إنه غير مكترث بالاتفاقيات الدولية المبرمة سواء الاتفاق النووي مع إيران، أو اتفاقيات التجارة الدولية، أوالاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان. وهو يرى أن على  حلفاء الولايات المتحدة في منظومة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن يدفعوا المزيد لأمريكا من أجل ضمان سلامتهم، وقال إنه يهدد بترك المنظمة الأطلسية.

القضية التي يريد الرئيس المنتخب التركيز عليها هي القضاء على «تنظيم الدولة الإسلامية :داعش» ومكافحة الإرهاب،إذ يرى ترامب أن العدو الرئيس لأمريكا هو «الإسلام الراديكالي» الذي تجسده تنظيمات مثل «داعش» و «القاعدة» و «جبهة النصرة»، وسيمنع المسلمين من دخول أمريكا مؤقتاً. لذا يبدي ترامب إعجابه بالرؤساء الأقوياء الذين يحاربون هذا النوع من الإرهاب، مثل فلاديمير بوتين، وبعض الرؤساء العلمانيين الديكتاتوريين العرب، مثل صدام حسين، لأنهم مشغولون فقط بتحقيق مصالح بلادهم بأي سبيل، وبغض النظر عن نظرة العالم لسياساتهم. ففي ما يتعلق بالأزمة السورية، يرى ترامب أن روسيا هي المؤهلة أكثر من سواها بحلها، وهو يعتبر أن المنطقة العربية لا تستحق الديمقراطية، باعتبار الديمقراطية «منتوجا غربيا»، وفي هذا الموقف لا يشكل ترامب الاستثناء.

صورتان للخميني وخامنئي في شوارع إيران.
طهران ترحب بفوز ترامب "رجل الأعمال": رحب الساسة الإيرانيون بفوز دونالد ترامب بكرسي البيت الأبيض. فالمسؤولون الإيرانيون يفضلون التفاوض مع رجل أعمال، بدلا من امرأة حليفة لمنافسهم الإقليمي، المملكة العربية السعودية.

علاقة وثيقة مع الديكتاتوريات العربية

فعلى صعيد السياسة الخارجية، الأعداء الرئيسيون من وجهة نظرالرئيس المنتخب الأمريكي دوناد ترامب، هم: «الإسلام الراديكالي» (أي الإرهاب)، والمهاجرون غير القانونين، والضغوط الاقتصادية التي تتعرّض لها أمريكا، والعداء الاقتصادي لقوى عظمى  كالصين.

والرئيس الأمريكي المنتخب ترامب، غير مهتم بما يجري في سوريا والعراق، لكنه يريد أن يوثق أكثر العلاقات مع إسرائيل  من ناحية، ومع الديكتاتوريات العربية العلمانية، كنظام السيسي في مصر من ناحية أخرى. أما بالنسبة للدول الخليجية النفطية، فهو يريد أن تتحمل  نسبة أكبر من نفقات الدفاع والحروب الأمريكية في المنطقة، وتنطلق رؤاه إلى الدول العربية من منظور عنصري، تجعله يتحدث بصراحة عن رغبته في الفوز بنصيبٍ أكبر من ثروات الدول العربية النفطية، مثل دول الخليج وليبيا في نظير الدور الأمني الأمريكي.

 

توفيق المديني

حقوق النشر:  موقع قنطرة  2016

ar.Qantara.de