"كرسيّ متحرك" يتحكم في لعبة الجزائر السياسية

تشير قراءات كثيرة إلى أنّ النظام الجزائري صار ملزما بإعادة ترشيح بوتفليقة بعد العجز عن ايجاد خليفة "مقبول" أو لقطع الطريق أمام من يفكر في خلافته، في حين يعتقد آخرون أنّ الأمر يتعلّق بمسرحية حُبكت بعناية، ستنتهي برفض الرئيس للمناشدات، والخروج "الآمن والمشرّف" من حكم يجدد نفسه منذ العام 1999. إسماعيل دبارة يسلط الضوء على الجدل حول ترشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة.

الكاتبة ، الكاتب: إسماعيل دبارة

في العام 2014، أدى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة اليمين الدستورية لولاية رابعة على كرسيّ متحرّك، وحينها، شكك كثيرون في احتمال انهاء الرئيس لولايته بذلك الوضع الصحيّ المتدهور، وتوقعوا رحيله.

واليوم، ورغم تفاقم مشاكل بوتفليقة الصحية وغيابه المطوّل، تتواتر مناشدات من داخل أروقة النظام الجزائري وخارجه للرئيس من أجل الترشح لولاية خامسة.

يلازم بوتفليقة مقعدا متحركا منذ أن أصيب بجلطة في 2013، ولكنه يرفض إلى الآن حسم الجدل الدائر حول ترشّحه إلى ولاية رئاسية خامسة، مع تصاعد حملات المناشدة للترشح للانتخابات التي ستجري في ربيع 2019.

هل هي مسرحية؟

المحللون الجزائريون لا يختلفون فقط حول عهدة بوتفليقة الخامسة بين مؤيّد ومعارض لها، إنما يختلفون كذلك حتى حول سياقها والغاية منها ومن يقف خلفها.

تشير قراءات كثيرة إلى أنّ النظام الجزائري صار ملزما بإعادة ترشيح بوتفليقة بعد العجز عن ايجاد خليفة "مقبول" أو لقطع الطريق أمام من يفكر في خلافة الرئيس، في حين يعتقد آخرون أنّ الأمر يتعلّق بمسرحية حُبكت بعناية، ستنتهي برفض الرئيس للمناشدات، والخروج "الآمن والمشرّف" من حكم يجدد نفسه منذ العام 1999.

 

 

وكما في غيره من الأنظمة العربية، تحيط بالرئيس الجزائريّ، شخصيات تشكل شبكة علاقات متشعبة ونافذة، لها مصالحها وامتيازاتها، وللجيش دور كبير في الحياة العامة في هذا البلد الغني بالثروات الطبيعية.

ولا يُستبعد بعد الإقالات الأخيرة التي شملت مناصب حساسة في الأمن والجيش الجزائريين، أن تكون حالة "هلع" تنتاب الجماعات المحيطة بالرئيس هي التي تقف وراء كل تلك المناشدات، فالكل صار يخشى على منصبه وامتيازاته إن لم يقدم قرابين الطاعة للرئيس الذي بات يرسل اشارات مستمرة تفيد بكونه مازال فاعلا وحاضرا بقوة.

يقول الباحث والأستاذ الجامعي الجزائري نور الدين بسعدي لـ"قنطرة": يجب وضع هذه المناشدات بالطبع في إطار مسرحي هدفه التقرب من مركز الحكم. فمنذ العهدة الثانية لبوتفليقة. تحولت المناشدات إلى عادة، لكن هذا لا يعني أن بوتفليقة سيتنحى لأسباب صحية، فوضعه الصحي المتدني جدا منذ سنوات لم يمنعه من الترشح لعهدة رابعة في 2014".

ويختلف المحلل السياسي كامل الشيرازي قليلا مع بسعدي، ويقول في إفادات لـ"قنطرة": ما يحدث الآن هو إعلان للولاء وإطلاق نار على الخصوم ومعرفة الصديق من العدو وجسّ لنبض الشارع".

كما يضيف الشيرازي: "ما يحدث ليس مسرحية، إنما عمل حقيقي من بين أهدافه إعلان الولاء للحفاظ على الوضع القائم... اللعبة السياسية الجزائرية معقدة، والحديث عن خروج مشرّف لبوتفليقة من الحكم مجرد رياضة فكرية، لأنّ مفهوم الشرف يختلف بين أهل القلم والإعلام ورجال السياسة، والذين يريدون تغييراً للوضع السياسي دون اقتراح للبديل أو مراعاة للتوازنات، هم أناس خارج الإطار".

جبهة رفض تتشكّل

المناشدات الصادرة من سياسيين جزائريين ونقابيين كبار، لم تمرّ دون رفض، فمنذ ظهور بوتفليقة على كرسيّه المتحرّك، برز حراك افتراضي بعنوان "خليه يرتاح" (دعوه يرتاح)، وآخر يسمّى (بركات / يكفي).

كما طالب 14 سياسيا ومثقفا الرئيس بعدم الترشح لولاية خامسة في 2019، وعللوا ذلك بالقول في رسالة: "سنكم المتقدم وحالتكم الصحية الحرجة يدعوانكم للاعتناء بنفسكم والتخلي عن حمل العبء الثقيل والشاق لشؤون الدولة. فلا شك أن عهدة أخرى ستكون محنة لكم وللبلد".

برلمان الجزائر يقر تعديلا دستوريا اقترحه بوتفليقة
دعا البرلمان الجزائري الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الترشح لولاية خامسة، لتتسع بذلك دائرة المؤيدين لاستمراره في السلطة، وذلك قبل أقل من عام على موعد الانتخابات الرئاسية. وبرّر رئيس مجلس الأمة (البرلمان)، عبد القادر بن صالح دعمه لبقاء بوتفليقة في منصبه، بصعوبة المرحلة القادمة، والتي قال إنّها "تستدعي ذلك وتحتم استمرارية صانع الأمن"، مشدّداً على أن المناورات التي تحاك ضد الجزائر، "تستلزم ترتيب الأولويات السياسية للدولة في الاتجاه الذي يخدم المصلحة العليا للبلاد".

وربما تشير حملات التهكم على الرئيس المقعد والمحيطين به من طرف الشباب الجزائري، إلى اتجاه عام يرفض العهدة الخامسة، لكن المحللين الذي استطلعت "قنطرة" آرائهم يذكّرون بقدرة النظام الجزائري على وأد اي حراك يستهدفه.

الاستقرار أولا في الجزائر

نجا النظام الجزائري من التبعات العنيفة لثورات الربيع العربي. ورغم تواصل الاحتجاجات الاجتماعية في عدة مدن إلى اليوم، إلا أنّ الجزائريين لم ينسجوا على منوال جيرانهم التونسيين والليبيين في الاطاحة بزعمائهم. وهو ما يؤكده المحلل كامل الشيرازي: "الشعب يريد الاستقرار والأمن مع بوتفليقة أو مع غيره، ولا أنتظر أن يخرج الشعب للمطالبة بالتغيير لإسقاط نظام الحكم، خاصة مع وضع اقتصادي مستقر نسبياً، ولكي يتطوّر الحراك الرافض للعهدة الخامسة، لابد من أزمة حكم في الجزائر، وهذا غير متوفر في الظرف الحالي".

أما الباحث الجامعي بسعدي، فلا يرى أي تأثير للمبادرات الرافضة لترشح بوتفليقة، على الشارع الجزائري وأنّ احتمال تحولها إلى جبهة رفض شعبية يبدو ضئيلا جدا.

ويضيف: "المغامرة تكمن في ترك رئيس مريض على رأس بلد كالجزائر تحيط به بؤر توتر كثيرة وتواجهه رهانات جيوستراتيجية متعددة. مرض بوتفليقة أثر بشدة على الحضور الديبلوماسي للجزائر وأصوات عديدة ما فتئت تنادي بضرورة إيجاد حل لهذا الوضع".

عجز النظام أم المعارضة؟

المعارضات الجزائرية قد تتحمّل مسؤولية هذا الوضع الذي آلت اليه الأوضاع، فالمعارضات لم تكن في مستوى المأمول منها بعدم تمكّنها من طرح بديل مُقنع للرئيس المريض، وتتمسّك بالقول بأنّ ما يجري هي أزمة النظام ذاته، فهو الذي يتحمّل عبء احراج في الداخل والخارج بإعادة تقديم بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، بعد أن عجز عن ايجاد بديل من داخله.

وليس من السهل بتاتا على النظام الجزائري الذي تتمترسُ بداخله جماعات ضغط بطموحات تبدو متناقضة أحيانا، أن يقدّم بديلا يرضي كافة أركان النظام والمستفيدين منه.

وهذا الوضع سبق وأن عاشته تونس، الجارة الشرقية للجزائر، ابان حكم زين العابدين بن علي عندما تصارعت قوى محيطة بالرئيس بحثا عن بديل له، واتفقت فيما بينها بعد صراعات على اعادة ترشيحه في 2014 فانطلقت حملة مناشدات ضخمة.

لكن الثورة التونسية في 2011 باغتت مخطط التمديد الذي تمّ الاعداد له وأجهضته، ولا يبدو أنّ الحُكم في الجزائر استخلص الدرس التونسي.

 

إسماعيل دبارة

حقوق النشر: قنطرة 2018

إسماعيل دبارة صحافي وعضو بالهيئة المديرة لمركز تونس لحرية الصحافة.