صمتٌ مجلجِلٌ للنخب الإيرانية يصُمُّ الآذان

ملصق لدعم احتجاجات إيران.
ملصق لدعم احتجاجات إيران.

أثار خطاب مسؤول رفيع المستوى في الحرس الثوري الإيراني تساؤلات كثيرة في إيران. واستبدل علي خامنئي قائدَ شرطة طهران بآخر أكثر قسوةً مثيراً مخاوف بتفاقم التصعيد داخلياً. تحليل علي صدر زاده لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Ali Sadrzadeh

متى يصبح الشقُّ في مبنى ما خطراً؟ يقول المهندسون، حين يحدث الشقُّ في العناصر الحاملة ويكون كبيراً جداً بحيث يمكن رؤية داخل الهيكل. في حالات كهذه، يكون المنزل المعني جاهزاً للهدم. والحال ذاته في الأنظمة المتجانسة. غالباً ما يكون خطاب واحد، أو ملاحظة مرتجلة أو سلوك عام لموظف كفيلاً بالكشف عما يجري داخل النظام. وتماماً كما في المبنى، يتسبّب الشق الذي يتطوّر بتداعي العنصر الداعم.

حميد أبازاري، مستشار قائد الحرس الثوري، هو أحد أعمدة نظام الظلم الإيراني. وُلِد قبل 62 عاماً في منطقة الخليج الفارسية، وأصبح من عناصر الحرس الثوري حين كان مراهقاً. وسرعان ما ارتقى في صفوف قوات البحرية المؤسّسة حديثاً آنذاك ضمن الحرس الثوري. وفي السنوات الأولى، كان يقيم في مسقط رأسه في منطقة الخليج الفارسية ذات الأهمية الاستراتيجية. وكانت تلك سنوات الحرب مع العراق، وكان مضيق هرمز يُعتبر أهم باب لإمدادات الطاقة العالمية.

ومنذ ذلك الحين، شغل أبازاري العديد من المناصب، وكان آخرها نائب قائد جامعة الإمام الحسين. والجامعة الحربية من أهم مؤسسات القائد الثوري علي خامنئي. ففيها يتدرّب قادة وضباط الحرس الثوري. يراقب خامنئي أعضاء هيئة التدريس بكل دقة؛ يحضر حفل التخرج في كل عام ويلقي الخطب. وملحق بالكلية جامعة تدرّس العلوم والتكنولوجيا العسكرية.

 

 

المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي. Revolutionsgardisten mit Ali Khamenei; Foto: khamenei.ir
الحرس الثوري ركيزة أساسية للنظام الإيراني: أشار ضابط الحرس العميد حميد أبازاري خلال خطاب متلفز حول الاحتجاجات إلى أنه لم يعد الجميع يسير على خط النظام. قال: "أعرف قادة عظماء وجدوا أنفسهم غير راغبين وغير قادرين على الاستمرار. قادة الحرب الأساسيين هؤلاء يضعفون ويخالفون قيمنا". تشير كلماته إلى تصدّعات في نظام الحكم في البلاد، كما يكتب علي صدر زاده في تحليله.

 

وكان محسن فخري زاده، عالم فيزياء نووية ربما قُتِل على يد المخابرات الإسرائيلية في عام 2020، أبرز أستاذ في هذه الجامعة. ويُعتبر أبو البرنامج النووي الإيراني. صنّفته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية بوصفه واحدا من أقوى خمسمائة شخص في العالم. والعوائق التي تحول دون القبول في الجامعة كثيرة للغاية. ولكي تُعيّن قائداً مثل أبازاري، ينبغي أن تكون مقرباً من علي خامنئي.

صخب على وسائل التواصل الاجتماعي

في 27 كانون الأول/ديسمبر 2022، ظهر العميد أبازاري بشكل لافت للنظر على التلفزيون الرسمي في محافظة مازندران. تحدّث عن المقاومة والمثابرة وضرورة محاربة "مثيري الشغب ومعادي الثورة". كما أنه تحدّث مطوّلاً عن التحديات النفسية لهذا الصراع. قال حرفياً: "حتى أنا كقائد لا أعرف ماذا سيحدث غداً. أعرف قادة عظماء وجدوا أنفسهم غير قادرين وغير راغبين بالاستمرار. وقادة الحرب الأساسيين هؤلاء هم الذين يضعفون ويخالفون قيمنا".

وقد انتشر الفيديو على الفور. وكان على الحرس الثوري التصرّف، فلا طائل من التزام الصمت، إذ أنّ الرسالة كانت واضحة للغاية وموثّقة على الإنترنت بشكل جيد. في البداية، كانوا يأملون في وضع حدّ للتكهنات حول حدوث خلاف في القيادة. قالوا إنّ ذاك لم يكن موقفهم وإنه لا يتوافق مع الواقع، بل كان رأي العميد أبازاري الشخصي.

في اليوم التالي، انتقد القائد السابق لقوات الباسيج، غلام حسين غيبارفار، "بعض النخب" بسبب التزامها الصمت حيال الاضطرابات، كما لو أنها قد تخلّت بالفعل عن الثورة الإسلامية. وقال الضابط في الحرس الثوري: "لا ننكر وجود مشاكل اقتصادية وارتفاع أسعار وبطالة وغيرها، لكن يجب ألا نتزعزع أو نظهر أي ضعف في هذا الوضع".

في وقت سابق من كانون الأول/ديسمبر 2022، نشرت مجموعة القرصنة "Black Reward/بلاك ريوارد" ملفات تحتوي على نشرات أمنية حصرية مخصّصة لحسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري. وقالت إحدى الوثائق إنّ خامنئي اشتكى لغلام علي حداد عادل من أنّ قطاعات كبيرة من النخب في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التزمت الصمت حيال الاضطرابات. وحداد عادل والد زوجة نجل خامنئي المفضّل، مجتبى، الذي سيخلف والده في منصب المرشد الأعلى.

محاط بالأكثر تطرفاً

وبالنخبة الصامتة، يقصد خامنئي أيضاً رجال الدين المؤثرين في قم، مركز الحوزة الدينية الشيعية، الذين دافعوا دون قيد أو شرط عن حكم خامنئي على مدار الثلاثين عاماً الماضية. ولفترة طويلة، وافق آيات الله، مكارم شيرازي ونوري حمداني وأمولي، على كل ما أمر به خامنئي وكانوا حاضرين باستمرار في وسائل الإعلام، لكن لم يعد الأمر كذلك.

 

اعتقالات في طهران – إيران. Verhaftungen in Teheran; Foto: SalamPix/Abaca/picture-alliance
علي خامنئي يعتمد على القمع: فصلت القيادة الإيرانية رئيس شرطة طهران، حسين أشتري، ووضعت مكانه أحمد رضا رادان، الذي يُعتبر أكثر وحشية. وقد كان رادان، البالغ من العمر 60 عاماً، قائد الشرطة في البلاد في عام 2009، في ذروة الاحتجاجات الجماهيرية. وفظائعه العديدة من ذلك الوقت، بما فيها التعذيب والقتل، موثّقة بشكل جيد. ويقول علي صدر زادة، إنّ رادان، المدرج على قائمة العقوبات الدولية، يعتبر أيضاً مهندس "گشت ارشاد" أو شرطة الأخلاق، ويدعو إلى التقيد الصارم بقانون الحجاب. ومن المرجح مع رادان، عاجلاً أم آجلاً، أن ينتهي التخفيف المسموح به لشرط الحجاب، الذي لوحِظَ في شوارع طهران مؤخراً.

 

والآن خامنئي محاط بأكثر المؤيدين تطرّفاً فحسب. وفي 7 كانون الثاني/يناير 2023، حين أُعدِم اثنان من المتظاهرين، أقال أيضاً قائد الشرطة، حسين أشتري، على الأرجح بسبب افتقاره إلى الوحشية. وحلّ مكانه أحمد رضا رادان. ورادان، البالغ من العمر 60 عاماً، كان قائد الشرطة في البلاد في عام 2009، في ذروة الاحتجاجات الجماهيرية. وفظائعه العديدة في ذلك الوقت، بما فيها التعذيب والقتل، موثّقة بشكل جيد.

كما يُعتبَر رادان، المُدرج على قائمة العقوبات الدولية، مهندس "گشت ارشاد"، ما يُسمى بشرطة الأخلاق، ويدعم التقيّد الصارم بقانون الحجاب. ومع رادان، من المرجح، عاجلاً أم آجلاً، أن ينتهي التخفيف المسموح به لشرط الحجاب، والذي شوهد في شوارع طهران مؤخراً.

وللعنف المكثّف ملامح غير منطقية أيضاً. فمؤخرا، على سبيل المثال، اعتُقِل رجل لنشره وصفة للهامبرغر على الانستغرام. فقد صادف يوم النشر ذكرى اغتيال الأمريكيين للجنرال قاسم سليماني. إذ أنّ إحدى النوادر الشائعة المتداولة هي أنّ دونالد ترامب قد صنع لحماً مفروماً من سليماني.

 

 

علي صدر زاده

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de