تهديد حكومات أوروبية شعبوية للبحث العلمي بإجبار باحثين أجانب على مغادرة مختبراتهم وأوروبا؟

وضع المئات من الناس أيديهم في أيدي بعض ملتفين حول المبنى، وكأنهم يحتضنونه ككنز يريدون حراسته. انتشرت صورة السلسلة البشرية حول الأكاديمية المجرية للعلوم، في بودابست، في شباط/فبراير 2019 حول العالم. 

كان المتظاهرون الذين شكلوا السلسلة يخافون من نهاية البحث العلمي الحر في المجر، وأرادوا الحفاظ على أهم مؤسسة علمية في المجر. ولكن ذهبت هذه الاحتجاجات -التي استمرت عدة أشهر- سدى، حيث أقر البرلمان المجري  -يوم الثلاثاء 02 / 07 / 2019- قانونا لإعادة هيكلة قطاع البحث العلمي. وبموجب هذا القانون سيتم فصل المعاهد العلمية المستقلة عن الأكاديمية المجرية للعلوم، وإخضاعها لهيئة تمتلك فيها الحكومة الأغلبية.

ويخشى المنتقدون أن تكمم الحكومة بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، أفواه الباحثين الذين لايحظون بالرضا من جانب الحكومة. ولكن هناك قلق متزايد، ليس فقط في المجر، بل على مستوى العالم، من إمكانية تهديد التيارات الشعبوية والانفصالية البحث العلمي المستقل، والمشاريع العلمية الدولية.

ناقش باحثون رفيعو المستوى هذا القلق خلال ملتقى هذا العام 2019 للحاصلين على جائزة نوبل، في مدينة لينداو، الواقعة على بحيرة كونستانس، والذي يجمع علماء بارزين بباحثين شبان من جميع أنحاء العالم. ورأى عالم الفيزياء كونستانتين نوفوسيلوف، الحاصل على جائزة نوبل، أن "وضع حدود للعلم هو أكبر خطأ" يمكن أن يرتكبه الإنسان. 

واعتبر نوفوسيلوف، الذي درّس في جامعة مانشستر عدة سنوات، أن القانون الذي اعتمدته الحكومة اليمينية المحافظة في المجر، ليس هو وحده ما يثير القلق على البحث العلمي، بل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أيضا، وقال: "الخروج كارثة، حيث كانت بريطانيا حتى الآن هدفا جذابا للمواهب الشابة، ولكن ذلك يمكن أن يتغير مع خروجها من الاتحاد". 

ويخشى عالم الفيزياء من بيروقراطية أكثر صرامة في منح تأشيرات الدخول، من شأنها أن تمنع الباحثين البارزين، من السفر لبريطانيا من أجل البحث العلمي. تتفهم الباحثة لاكشمي بالاسوبرامانيام هذه المخاوف، وتعترف صراحة: "لن أذهب لبريطانيا في الوقت الحالي". 

تشارك الباحثة الهندية حاليا في أبحاث في فرنسا، وعرفت من خلال التجربة هناك أن مشاكل التأشيرة يمكن أن يكون لها تأثيرات سلبية على جودة الأبحاث العلمية، "فلا نعلم ما يجب أن نركز عليه، البحث العلمي أم التأشيرة". كما تخشى الباحثة، في ضوء تزايد القومية على مستوى العالم، أن يتم إلغاء المخصصات المالية للبحث العلمي بشكل مفاجئ جراء هذا التزايد.

ووجه 29 عالما من الحاصلين على جائزة نوبل، وستة علماء حاصلين على جائزة فيلدز المرموقة للرياضيات، في تشرين أول/أكتوبر من العام الماضي 2018، خطابا لرئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، ورئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، مطالبين بتجنب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون مفاوضات، وبدون توافق بين الطرفين، وذلك لتجنيب البحث العلمي أكبر قدر ممكن من الأضرار.

وقال الموقعون على الخطاب إن التعاون الدولي في البحث العلمي أمر جوهري لتحقيق تحسن في القطاع الصحي وفي جودة الحياة وحماية البيئة، ويحقق الاقتصاد المستدام. ويرى بريان شميت، الحاصل على جائزة نوبل أن على الباحثين، من ناحية المبدأ، أن ينخرطوا بشكل أقوى في التحديات التي تواجه المجتمع، وقال في كلمته في مستهل ملتقى الحاصلين على جائزة نوبل: "نحن نواجه مشاكل كبيرة، ولكنها قابلة للحل، فقط إذا أردتم ذلك"، مضيفا: "نحن الباحثين هم من يجب عليهم أن يواجهوا هذه المشاكل".  رسالة هذا العالِم الواضحة للباحثين هي: اخرجوا من المختبر، خوضوا غمار المجتمع، انخرطوا. 

ولم يُجدِ الاحتجاج، في حالة المجر، حيث ينتظر أن يبدأ سريان مشروع القانون في الأول من أيلول/سبتمبر المقبل 2019. ومن المتوقع عند بدء سريان القانون ألا يغادر الكثير من الباحثين مختبرهم فقط، بل المجر بأكملها. يحذر نوفوسيلوف من أن "البلدان الشعبوية ستطلق النار على قدميها، بنفسها، من خلال هذا التصرف". د ب أ