المواسم الدينية في زمن كورونا تبرز الانقسامات الخليجية

الخطاب الديني في خدمة القوة الناعمة: بينما قلبت جائحة فيروس كورونا حياة الناس اليومية في جميع أنحاء الشرق الأوسط رأسا على عقب، فإن مجيئها خلال شهر رمضان، قد أدى إلى بروز السياسات المختلفة بين دول مجلس التعاون الخليجي. بدر السيف يسلط الضوء على أوجه الاختلافات التي عكست حالة دول الخليج العربي.

الكاتبة ، الكاتب: Bader Al-Saif

لعبت الانقسامات ـ التي أبرزته الأزمة بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي منذ يونيو 2017 - دورا أساسيا في تشكيل الطرق المتعارضة التي اعتمدتها دول المنطقة في توصيل رسائلها السياسية، وحتى في مجال إدارتها للصحة العامة في هذه الفترة المشهودة.

فقد أثرت جائحة فيروس كورونا بشكل واضح على شهر رمضان والأحداث الدينية الأخرى في جميع أنحاء العالم.

وبينما قلبت الجائحة حياة الناس اليومية في جميع أنحاء الشرق الأوسط رأسا على عقب، فإن مجيئها خلال شهر رمضان، قد أدى إلى بروز السياسات المختلفة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، وهو ما دفع باتجاه تفاقم الانقسام في الاتجاهات الثلاثة المرافقة للخلاف الذي بدأ في صيف عام 2017، فقد أصبحت السياسة الدينية هي الساحة الأخيرة التي حرصت عبرها دول مجلس التعاون الخليجي على تأكيد انتماءاتها مرة أخرى، كان يمكن لشهر رمضان الكريم ولظهور الجائحة أن يوفرا فرصا عديدة للمصالحة، إلا ان ايا منهما لم يؤد إلى تقارب بين أطراف الصراع الذي يدخل الآن عامه الرابع.

لقد تم التعامل مع رمضان كفرصة مناسبة لكل من البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لتوظيف الخطاب الديني والإجراءات الدينية المتخذة لتعزيز قواهم الناعمة.

توظيف البعد الديني

الإمارات وحدها، من بين الدول الثلاث، أبقت مساجدها مغلقة خلال الشهر الكريم، ولكن استعرض مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي الذي يبلغ عمره عامين عضلاته بإصدار خمس فتاوى، تراوحت بين إعفاء العاملين في القطاع الصحي من الصيام، إلى الدعوة للصلاة في المنازل، كذلك حرصت الإمارات على ربط سياستها الخاصة بالتعامل مع الجائحة في رمضان بتركيزها مؤخرا على التسامح والحوار بين الأديان.

 

In response to COVID-19, the Higher Committee of @HumanFraternity marked May 14 as a Global Day of Prayer, calling on people of all faiths across the world to join together to pray for an end to this health crisis. #PrayForHumanity @mckduae pic.twitter.com/ZXgC9eiPLh

— UAE Embassy US (@UAEEmbassyUS) May 12, 2020

 

فقد استعادت حدث أول زيارة تاريخية قام بها بابا الفاتيكان إلى أبوظبي والمنطقة في فبراير 2019 الماضي، لتقرر عبر اللجنة العليا للاخوة الإنسانية، المكلفة بمتابعة الزيارة، دعوة العالم للصلاة يوم 14 مايو من أجل الإنسانية.

وقد أيد هذا الحدث وحضره البابا فرنسيس وممثلون عن العديد من المنظمات الدولية، مسجلا حضورا بارزا للإمارات من خلال تأكيد تواجدها الديني على مستوى العالم.

كما ربطت الإمارات الأحداث التي جمعت بين الجائحة ورمضان بسياساتها الإنسانية وسياسات السعادة التي تعتمدها في البلاد، فقد أطلقت الشيخة فاطمة، «أم الإمارات»، حملة تفاؤل على الإنترنت في رمضان، لدعم المتضررين من الجائحة، وقد أعلن نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة عن حملة تهدف إلى تقديم 10 ملايين وجبة غذائية للمحتاجين، محققا داخل الدولة مثالا للديبلوماسية الإنسانية التي تسوقها الإمارات.

كذلك أوقفت الإمارات برامجها الرمضانية التي اثارت جدلا، مثل برنامج المفكر السوري الراحل د.محمد شحرور.

في المقابل، بدت المملكة العربية السعودية متبعة لهذه الاستراتيجية من خلال الدفع بشخصية دينية أقل إثارة للجدل، تمثلت في الشيخ د.محمد العيسى الذي تم تعيينه في عام 2016 أمينا لرابطة العالم الإسلامي، إلى جانب إعادة تعيينه في هيئة كبار العلماء، فقامت ببث برنامج العيسى اليومي «بالتي هي أحسن» على قناة MBC السعودية، ليبعث برسالة دينية تجديدية من المملكة العربية السعودية، فقد تحدث في برنامجه عن الأخوة بين السنة والشيعة، وعن ضرورة الانفتاح على الديانات الأخرى، وهي تعبر عن عزم القيادة السعودية على دفع هذه الرسائل إلى الأمام حتى خلال الظروف الصعبة التي تجمع بين الجائحة والركود الاقتصادي.

كما زادت المملكة العربية السعودية ميزانيتها السنوية لتمويل وجبات الإفطار لمليون مسلم في 18 دولة، وكانت السعودية قد فرضت في البداية إغلاق المساجد، كما فعلت الإمارات، ولكن بعد بضعة أيام غيَّر الملك سلمان المسار، معلنا أن حرمي مكة والمدينة سيظلان مفتوحين رسميا لأداء صلاة التراويح في رمضان، وإن كان بحضور رمزي، ويشير هذا التغيير في السياسة الدينية إلى اهتمام المملكة الشديد بخدمة الحرمين الشريفين وإبراز صورتها كأفضل من يرعى الحرمين.

تميزت البحرين هذا العام بكونها أول دولة عربية تعلن عن فتح مسجدها الفاتح في رمضان لصلاة التراويح، وصلاة الجمعة، مع الحفاظ على مسافات التباعد الاجتماعي والحد من التجمع للعبادة بحد اقصى لخمسة أشخاص في الوقت الواحد.

وكان استمرار الصلوات في المسجد الرسمي للدولة أمرا يسمح لمملكة البحرين بتعزيز طابعها السني الرسمي.

هذه استراتيجية آمنة ويسهل تطبيقها، لأن الشيعة لا يؤدون صلاة التراويح، وبالتالي لن تصدر انتقادات حول فتح مسجد سني دون فتح مساجد شيعية في المقابل، حيث تحولت المساجد الشيعية إلى العالم الافتراضي لممارسة شعائر رمضان.

ولأن البحرين كانت من بين دول المنطقة الأكثر تضررا من الجائحة، فقد خففت قيودها على تجارة التجزئة والصناعة خلال شهر رمضان وعيد الفطر، على أمل تسريع انتعاشها الاقتصادي.

وبالمثل، خففت السلطات السعودية والإماراتية ساعات حظر التجوال وسمحت بإعادة فتح بعض المتاجر المنتقاة خلال شهر رمضان، حتى مع ارتفاع معدلات الإصابة.

 

[embed:render:embedded:node:39528]

 

......

طالع أيضا:

جائحة كورونا عززت استمرار حالة الطوارئ في السلطويات العربية

في عين الجائحة: هكذا أثرت كورونا في المجتمعات الخليجية

.....

 

أما عمان والكويت، وهما دولتان محايدتان في الخلاف الخليجي، فقد انتهجتا نهجا أشد حذرا تجاه الوباء طوال شهر رمضان مما فعلته البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وقد أبقتا المساجد مغلقة ورفضتا تخفيف حظر التجوال طوال شهر رمضان الكريم، بل زادتا من القيود، فقد ابتكرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت تطبيقا مجانيا للهواتف المحمولة (رمضان في بيتك) وذلك لضمان انخراط الناس بالعبادة، حتى في ظل حظر التجوال.

كما واصلت عمان برامجها الدينية عبر منافذها الإعلامية التقليدية.

أما قطر، الدولة التي تقع في قلب الخلاف الخليجي، والتي تختزل مشكلاتها مع جيرانها في أوجه التشابه بينهما، ولقطر استراتيجيتها الخاصة لوضع نفسها على الخريطة العالمية، تماما كما فعلت في رمضان خلال الجائحة، وهي استراتيجية تجمع بين عناصر من استراتيجية الكويت وعمان مع عناصر من استراتيجية دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

فمثل البحرين، أبقت قطر مسجدها الرسمي مفتوحا أمام صلاة عدد محدود من الأشخاص، كما فعلت مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وذلك بإطلاق مؤسسة قطر الخيرية حملة رمضانية بقيمة 3 ملايين دولار تقريبا تستهدف أكثر من مليوني شخص، داخل قطر وخارجها.

إلا ان القوة الدينية الناعمة لدولة قطر لم تكن قادرة على التنافس مع قوة جيرانها خلال شهر رمضان، خاصة مع تقاعد الشيخ يوسف القرضاوي بسبب الشيخوخة وانحسار دور الباحث الإسلامي الذي ترعاه قطر، طارق رمضان، وسط العديد من الاتهامات المثيرة للجدل.

ومثل الكويت وعمان، لم تلجأ قطر في شهر رمضان لفتح اقتصادها للتجارة مع الخارج، لكنها استغلت هذه اللحظة للاحتفال بالذكرى السنوية الثالثة للانقسام الخليجي وإبراز صمودها.

وواصلت الدول في المعسكرين الحرب الكلامية، فقد واصل القطريون تأجيج المشاعر المعادية للسعودية على قناة «الجزيرة» بعد وفاة الأكاديمي المسجون عبدالله الحامد، كما واصلت أصوات مهادنة للمملكة العربية السعودية رعاية حملة تروج لوجود انقلاب في قطر.

لطالما كانت الأزمات والأحداث الدينية منصة تغتنمها دول مجلس التعاون الخليجي في أمرين مهمين هما: تعزيز مصالحها وترويج حملاتها للعلاقات العامة.

لذا فقد كان الجمع بين مناسبة شهر رمضان الكريم وحدث مجيء جائحة كورونا يمثل مناسبة لتحسين الصورة العامة لهذه الدول، وفي الوقت ذاته، يبرز أوجه الاختلافات التي عكست حالة دول الخليج العربي.

 

بدر السيف

بدر موسى السيف، زميل غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. تتركّز أبحاثه على دول الخليج وشبه الجزيرة العربية.

تم نشر هذا المقال في صحيفة الأنباء وموقع كارنيجي في الشرق الاوسط

 

 

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة

أزمة وباء كورونا كذريعة لقمع الانتفاضة الشعبية العراقية؟

دول عربية وشرق أوسطية تسابق الزمن لكبح جماح جائحة كورونا

هل يصبح فيروس كورونا كارثة في سوريا خصوصا في معتقلات النظام؟

فرق بين تعامل مصر وتونس مع فيروس كورونا

كورونا في المغرب.... إجراءات العزل صعبة التطبيق في الأحياء الفقيرة والمكتظة

درس جائحة كورونا - التضامن هو الأنانية الجديدة

العنف خلال الحجر الصحي ينذر بتحويل حياة النساء والأطفال إلى كابوس