وباء كورونا في اليمن - بلد على حافة كارثة كبرى

حرب وفقر، وكوليرا وحمى ضنك وغيرهما من الأوبئة، وها هو فيروس كورونا في انتشار مهددا بانهيار اليمن انهيارا تاما وفق منظمات إغاثية. فقد حذرت اليونيسف من كارثة كبرى يمنية وذكرت الأمم المتحدة أن "اختبارات الفيروس والإبلاغ عنه لا يزالان محدودين ومن المحتمل أن يكون معظم اليمن قد تأثر بالفعل بوباء كوفيد-19، إن لم يكن كل البلد". الصحفية ديانا هودالي تنقل ما تقوله شابة يمنية مطَّلعة على الأحوال في اليمن.

الكاتبة ، الكاتب: Diana Hodali

"الموت تحول إلى شيء عادي"، تقول أمل منصور، مضيفةً: "لكن فيروس كورونا يخيفني". أمل منصور تعيش في العاصمة صنعاء في اليمن. والمرأة الشابة قلقة، لأن فيروس كورونا وصل منذ منتصف أبريل/ نيسان 2020 رسميا إلى البلاد التي يعاني سكانها من وباء الكوليرا وخمس سنوات من الحرب. وإلى نهاية مايو / أيار 2020 سجلت جامعة جون هوبكينز 244 إصابة ونحو 50 من الوفيات. لكن لا أحد في اليمن يثق في هذه الأعداد. "ليس لدينا في اليمن إمكانية إجراء تجارب. ولا نعرف في الحقيقة عدد المصابين"، كما تقول أمل البالغة من العمر 28 عاما.

نظام صحة متهالك

أمل منصور كانت لديها آمال كبيرة ـ كان ذلك الوقت الذي شهد الانتفاضات العربية في عام 2011 وعندما تم طرد الحكومة السابقة. "كنت أرغب على كل حال في البقاء في بلدي ومعايشة كيف يتطور". لكن كل شيء تطور بشيء مختلف. ففي عام 2015 اندلعت الحرب، "والآن لدينا فيروس كورونا في البلاد. ووطني ليس على استعداد لمواجهة وباء"، تقول الشابة اليمنية.

وكصحفية حرة تعمل لصالح وسائل إعلام دولية تتابع أمل منصور بدقة الأوضاع في البلاد. المستشفيات القليلة التي ما زالت موجودة رفضت استقبال مصابين، تقول أمل، لأن طاقم الموظفين ليس بمقدوره حماية نفسه.

 

اليمن - هل من تستر على انتشار كورونا في صنعاء؟ وازدياد الوفيات في عدن مؤشر على التفشي.
اليمن - هل من تستر على انتشار كورونا في صنعاء؟ وازدياد الوفيات في عدن مؤشر على التفشي: اتهمت الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية خصومها الحوثيين بالتستر على انتشار فيروس كورونا على نطاق واسع في المناطق الخاضعة لسيطرتهم وحذرت الأمم المتحدة من احتمال أن تواجه البلاد وضعا "كارثيا" فيما يتعلق بالأمن الغذائي بسبب الجائحة. كما دعت الحكومة التي تعمل انطلاقا من عدن إلى تقديم مساعدات عالمية عاجلة لمساعدة قطاع الصحة في اليمن على التصدي للفيروس. وتقول منظمة الصحة العالمية إن الفيروس ينتشر في غياب عمليات الرصد بين سكان البلد المقسم بين الحكومة في الشطر الجنوبي وجماعة الحوثي المتحالفة مع إيران في الشطر الشمالي. وقد تسبب الصراع الدائر بين التحالف الذي تقوده السعودية والحوثيين فيما تصفه الأمم المتحدة بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم إذ يعتمد نحو 80 في المئة من سكان اليمن على المساعدات ويواجه الملايين الجوع.

 

ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية يذكر في تقرير شهادة ممرضة في مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء تؤكد هذا الأمر: "أرغب في تقديم المساعدة للناس"، كما قالت إرينه فيرسوزا مضيفة: "لكن كيف بوسعي فعل ذلك عندما لا يتوفر لدي لباس وقائي؟". وتفيد أمل منصور أن الكثير من اليمنيين لا يجرؤون على التوجه إلى المستشفيات، لأن المرء يغامر هناك بالتعرض للعدوى". وعايش الناس في اليمن أشياء أكثر فظاعة، لكن كورونا قد يعني النهاية.

حرب معقدة بالوكالة

منذ خمس سنوات تسود حرب معقدة بالوكالة في اليمن حيث يتصارع المتمردون الحوثيون والحكومة. فحكومة الرئيس المعترف به دوليا عبد ربه منصور هادي يدعمها تحالف عسكري تقوده العربية السعودية. وترى السعودية السنية في الحوثيين حليفا لعدوها اللدود إيران الشيعية.

وانطلاقا من 2014 بسط الحوثيون هيمنتهم على أجزاء كبيرة في اليمن، بينها العاصمة صنعاء. والرئيس هادي تم طرده من قبل الحوثيين من صنعاء وهو موجود مع رئيس الوزراء في السعودية. وظلت مدينة عدن الساحلية في الجنوب اليمني المقر الحكومي المؤقت. لكن قبل أسابيع قليلة تولى انفصاليون موالون للإمارات السيطرة هناك. وبسبب الوباء أعلن التحالف العسكري الذي تقوده السعودية (والإمارات عضو رسمي فيه) وقفا لإطلاق النار تم تمديده حتى نهاية مايو/ أيار 2020. وهذا من شأنه منح مزيد من الوقت للأمم المتحدة للتوسط بين الحوثيين والحكومة.

مركز علاج واحد لكوفيد 19

" في عدن الوضع معقد جدا"، تحكي أمل منصور. هناك ترمي قوى مختلفة بدلوها. "وفي ظل هذه المأساة نسمي أحيانا صنعاء باريس اليمن"، تقول أمل التي تشدد على أن الوضع ليس سهلا في العاصمة أيضا. ولا تريد إضافة المزيد عن الوضع السياسي في البلاد.

 

عدن - اليمن - مناشدة لتقديم دعم دولي مالي عاجل إلى اليمن.
مناشدة لتقديم دعم دولي مالي عاجل إلى اليمن: ناشد مسؤولون كبار من عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة الخميس 28 / 05 / 2020 المجتمع الدوليّ تقديم دعم مالي دولي عاجل إلى اليمن مع تفشي فيروس كورونا المستجد في هذا البلد الذي تمزقه الحرب. وقال مسؤولون من إدارة الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة واليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية في بيان مشترك "إننا نشعر بالقلق على نحو متزايد بشأن الوضع في اليمن". وتابعوا "الوقت ينفد منا". وتقول الأمم المتحدة إن فيروس كوفيد-19 انتشر على الأرجح في معظم أنحاء اليمن الغارق في أسوأ أزمة إنسانية في العالم بسبب حرب لا بوادر على انتهائها. وأوضح مسؤولو الأمم المتحدة إن لديهم حاليا ما يكفي من "المهارات والموظفين والقدرات". وتابعوا "ما ينقصنا هو المال. نطلب من المانحين التعهد بسخاء ودفع التعهدات على الفور"، مشيرين إلى مؤتمر للمانحين تنظمه السعودية والأمم المتحدة في 2 حزيران/يونيو 2020. وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك إنه يتعين جمع 2,4 مليار دولار بحلول نهاية عام 2020 لليمن، بما فيها 180 مليون دولار لمكافحة وباء كوفيد 19.

 



لكن أخبار كورونا الوافدة من عدن تقلقها، إذ يموت في الأثناء على ما يبدو عشرات الناس يوميا. وتروج صور موتى على قارعة الطرق وهناك تقارير عمن يموتون في البيوت، ولاسيما في الأحياء الفقيرة، وهذا ما تؤكده أيضا منظمة أطباء بلا حدود التي تدير مركز العلاج الوحيد لكوفيد-19 في عدن.

"ما نراه هناك هو فقط قمة جبل الجليد فيما يتعلق بعدد المصابين والموتى في المدينة"، تقول كارولين سيغان التي تشرف على مشاريع أطباء بلا حدود في اليمن، وتضيف: "الناس يأتون متأخرين إلينا لإنقاذهم، ونحن ندرك أن كثيرا من الناس لا يأتون: فهم يموتون ببساطة في البيت. إنه وضع مؤلم للغاية".

80 من الموتى يوميا في عدن

ويموت عدد كبير من الناس في البيوت، بحسب ما تكشفه إحصائيات الحكومة حول عمليات الدفن منذ منتصف مايو/ أيار 2020. هذه الإحصائيات تفيد بوفاة 80 شخصا يوميا في المدينة، في الوقت الذي كان عدد الموتى يصل قبل زمن كورونا إلى عشرة في اليوم الواحد.

كما أن أطباء بلا حدود تتحدث عن عدد كبير من الممرضين والمساعدين المصابين. ولا يمكن توقع صدور إحصاء عن عدد المصابين والموتى الناتج عن كوفيد-19. كما لا توجد إلا إمكانيات قليلة لإجراء تجارب.

ويوجد فقط 500 جهاز تنفس في البلاد حيث يعيش 29 مليون نسمة. وفي بعض الأحياء لا يوجد طبيب واحد.

16 مليون شخص قد يتعرضون للإصاب

 

صنعاء - اليمن -  تحذير من "كارثة كبرى".
تحذير من "كارثة كبرى": قال مهند هادي من برنامج الغذاء العالمي إنّ "اليمن في حاجة ماسة للمساعدة" بينما حذرت مديرة اليونيسف هنرييت فور من "كارثة كبرى". وقالت إن أكثر من 12 مليون طفل في اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية. وقبل تفشي الوباء، كان مليونا طفل يفتقرون إلى المدارس. وقالت إن خمسة ملايين آخرين أُرغموا مذاك على ترك فصولهم الدراسية. رسميا، توفي 50 شخصا جراء فيروس كورونا في اليمن، وتم تسجيل إصابات في عشرة من محافظات البلاد الـ 22. وقالت الأمم المتحدة "لكن الاختبار والإبلاغ لا يزالان محدودين ومن المحتمل أن تكون معظم مناطق البلاد تأثرت بالفعل، إن لم يكن كلها". وتسبّب النزاع على السلطة في اليمن بمقتل عشرات الآلاف، بينهم عدد كبير من المدنيين، بحسب منظمات إنسانية، خصوصا منذ بدء عمليات التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، في آذار/مارس 2015.

 

أصاب وباء الكوليرا في اليمن إلى حد الآن 2.3 مليون شخص وتوفي 4000 يمني به. وفيما يخص كورونا تخشى الأمم المتحدة وقوع 40.000 على الأقل من الموتى.

ويمكن لـ 16 من 29 مليون يمني أن يصابوا بالفيروس. وتنطلق هيئة إغاثة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من أن الكثير من اليمنيين قد يُصابوا بعوارض قوية لوبا كورونا المستجد بسبب النقص في الغذاء.

وحتى أمل منصور تعتبر أن الوضع الكارثي في البلاد قلما يجد اهتماما. "ربما الرأي العام العالمي متعب من سماع نفس الأخبار الفظيعة الآتية من البلاد"، تقول أمل. وبسبب وباء كورونا انزلق اليمن في مزيد من النسيان، لأن جميع بلدان العالم منشغلة حاليا بنفسها.

أموال مساعدات قليلة لليمن

 

 

لكن ليس هذا فقط، بل إن العديد من منظمات الإغاثة المحلية أُجبرت على إغلاق أبوابها بسبب نقص الأموال من الخارج. وحتى هيئة إغاثة اللاجئين لا يتوفر لديها إلا قليل من المال، وهذا له عواقب وخيمة على اللاجئين في الداخل الذين نزحوا بسبب الحرب ولا يمكن أن يتلقوا ما يكفي من الدعم. والأمل يقع الآن على مؤتمر للمانحين متوقع في الثاني من يونيو/ حزيران 2020 في الرياض بالسعودية.

أمل منصور تقول إنها تنتمي إلى اليمنيين المحظوظين، وهي تعيش مع والدتها وخالتين في شقة وسط صنعاء، وبإمكانها المساهمة في ضمان قوت العائلة اليومي. والعائلة تلتزم بقواعد الحجر الصحي وهي تغادر البيت فقط لجلب ما هو ضروري وتشتغل من البيت.

وهذا لا يتوفر لدى الكثير من اليمنيين الذين يعول 80 في المائة منهم على المساعدات الإنسانية. وتكسب الغالبية في العادة زرقها بالعمل اليومي ولا يمكن لهم البقاء في البيت ، لأن الذي لا يشتغل يموت جوعا.

 

 

ديانا هودالي

ترجمة: م.أ.م

حقوق النشر: دويتشه فيله 2020

 

ar.Qantara.de

 

[embed:render:embedded:node:40155]