وباء كورونا - فرصة مثالية لاستعادة الوحدة العربية

نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية في العالم العربي وصل بالفعل إلى نقطة الانهيار بانتهاء عام 2019، فلم تعد الولايات المتحدة الحَكَم الوحيد هناك في حين لا تملك روسيا والاتحاد الأوروبي والقوى الإقليمية موارد ملء الفراغ الناتج عن انحسار الدور الأمريكي، في حين تشكل جائحة كوفيد 19 تهديداً خطيراً للعالم بأكمله. لكن تأثير الوباء الأكبر سيكون في العالم العربي مع انهيار أسعار النفط وارتفاع تكاليف الصحة العامة، وهي مناسبة مأساوية على العرب استغلالها لصياغة نظام إقليمي تعاوني جديد. تحليل الخبيرين باسم عوض الله وَ عادل مالك.

الكاتبة ، الكاتب: Bassem Awadallah & Adeel Malik

تسببت جائحة كوفيد 19 في حدوث حالة طوارئ للصحة العامة العالمية، وانخفاض حاد في أسعار النفط نتيجة لتراجع الطلب. تزامُن صدمة الصحة وصدمة النفط يمثل عاصفة مثالية وكاملة في الشرق الأوسط، حيث يعتمد كل شيء من الرواتب إلى الإعانات على عائدات النفط.

وكما كان الحال في الماضي، فإن صدمة أسعار النفط ستمتد في تأثيرها أيضًا إلى الدول العربية غير النفطية، من خلال انخفاض المساعدات وتحويلات العمالة المغتربة، وهو ما سيؤدّي للمزيد من التآكل في الغطاء المالي اللازم لاحتواء كوفيد 19 وتداعياته.

والأسوأ من ذلك أن الوباء أصاب المنطقة في وقت كانت تعاني فيه بالفعل من أزمات متعددة، حيث تدور رحى حربين أهليتين في ليبيا واليمن، وتستمر المأساة السورية الكارثية، مع تجدد المظاهرات في الشوارع العربية. من الجزائر والسودان إلى العراق ولبنان، يتحدث المتظاهرون بصوت واحد ضد نموذج التنمية الذي لم ينتج عنه سوى الفساد وعدم الاستقرار الاجتماعي.

تصورات الجمهور حول منطقة الشرق الأوسط غير خاطئة. على الرغم من أنها تعد منطقة متوسطة الدخل، إلا أنها شهدت ارتفاعًا مقلقًا في الفقر والتفاوت في مستوى الدخل في السنوات الأخيرة.

 

رسم جداري في غزة يطلب من الناس البقاء في المنازل في ظل جائحة كورونا.  Foto: picture-alliance/dpa/M.Ajjour
Die Krise als Chance begreifen: Obwohl der Ruf nach globalen Anstrengungen zur Bewältigung der Corona-Pandemie immer lauter wird, braucht der Nahe Osten als erstes eine gezielte regionale Strategie. Die arabische Welt sollte ein neues Entwicklungsmodell auf den Weg bringen, um ihre zunehmend miteinander verflochtenen sozioökonomischen Herausforderungen zu bewältigen.

 

يُظهر تقرير حديث للبنك الدولي أن النسبة المئوية للأشخاص الذين يعيشون على مقربة من النزاع قد ارتفعت من 6% إلى 20% في الشرق الأوسط خلال الفترة (2010-2017)، بينما المتوسط العالمي هو 3% فقط.

كما أن 40% من النازحين في العالم يتحدّرون من منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني أيضاً من أعلى معدلات للبطالة بين الشباب في العالم.

يعاني القطاع العام المتضخم في المنطقة من صعوبة الاستمرارية أكثر من أي وقتٍ مضى. هنالك تساؤلات حول قدرة العراق على دفع رواتب موظفي الحكومة في الشهر التالي. وهو ليس الدولة الوحيدة التي تعاني من ذلك.

الآن وبعد تفشي جائحة كوفيد 19، يواجه الشرق الأوسط تحديًا غير عادي، ويتطلب احتوائه استجابة استثنائية وغير تقليدية. على الرغم من الدعوات المتزايدة لبذل جهود عالمية للتعامل مع الوباء، إلا أن أول شيء يحتاج إليه الشرق الأوسط اليوم هو استراتيجية إقليمية فعالة وموجهة.

حان وقت تبني مصير مشترك

يجب الاعتراف بالأزمة كفرصة لبناء نظام سياسي إقليمي جديد. حان الوقت للعالم العربي للعمل من أجل إيجاد حلول مشتركة، وتبني مصير مشترك، وإطلاق نموذج تنموي جديد لمعالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المترابطة بشكل متزايد.

لقد وصل النظام الإقليمي، الذي أسس بعد الحرب العالمية الثانية، بالفعل إلى نقطة الانهيار بحلول نهاية عام 2019. ولم تعد الولايات المتحدة الحكم الوحيد في شؤون الشرق الأوسط، بسبب تراجع اعتمادها على واردات النفط وإرهاقها المتزايد من الاشتباكات العسكرية الخارجية.

وبينما أبدت روسيا والاتحاد الأوروبي والقوى الإقليمية استعدادًا متزايدًا للتدخل في المنطقة، إلا أن أيا منها لا يملك الموارد أو الرغبة في ملء الفراغ الناتج عن انحسار الدور الأمريكي.

ونتيجة لذلك، لم تعد الدول العربية قادرة على الاعتماد كليًا على القوى العالمية للمساعدة في مواجهة التحديات الوجودية التي تواجهها.

بينما تجري بعض دول الشرق الأوسط محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية طارئة، فإن معظم الحكومات تفتقر إلى القدرة السياسية اللازمة لتطبيق وصفات الصندوق. حتى لو خفَّف صندوق النقد الدولي من متطلباته بشأن الضبط المالي المحكم، فلن يكون هذا سوى علاج آنيّ للمساعدة في تمويل شبكات الحماية الاجتماعية. فور انتهاء الأزمة، سيكون على عاتق صانعي السياسة في المنطقة وضع نموذج تنمية أكثر استدامة.

في الواقع، لا يمكن لأي حكومة أن تقوم بهذه المهمة، حتى وإن حظيت بدعم الجهات المانحة الدولية، لأن المشاكل الاقتصادية في المنطقة مترابطة للغاية، ولا يمكن معالجتها إلا بطريقة متكاملة.

من بين القضايا الأكثر إلحاحًا، الصحة العامة وستظل على رأس جدول الأعمال في المستقبل. لكن الشرق الأوسط يحتاج أيضًا إلى توفير المياه والغاز والنفط والنقل، فضلاً عن تعزيز الحماية البيئية.

إن توفير هذه الاحتياجات والمتطلبات يشكل تحدياً مترابطاً لا يمكن معالجته إلا من خلال إطار عمل إقليمي جديد. وبالمثل، لإحياء النمو الاقتصادي، تحتاج دول الشرق الأوسط إلى تعزيز التكامل الإقليمي في السياحة والتجارة والخدمات والبنية التحتية والقطاعات الرئيسية الأخرى.

كلام خطابي بلا أثر أو جدوى

لا يمكن تحقيق استراتيجية نمو شاملة من خلال الأطر السياسية الحالية للتعاون الإقليمي. النموذج التقليدي للتعاون العربي وصل إلى طريق مسدود، والقمم العادية للجامعة العربية تبدو وبشكل متزايد على أنها لقاءات غير مجدية، وكلها كلام خطابي، بلا أثر أو جدوى.

كما أصبحت المؤسسات الإقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي، بدون فعالية خاصة في مواجهة الخلافات الداخلية بين دول الخليج. في حين أن مثل هذه الانقسامات ستؤدي بالتأكيد إلى إضعاف فرص إنشاء إطار تعاون إقليمي جديد ومتعدد الأطراف، فإن السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه هو: هل هناك أمل للشرق الأوسط بدونه؟

 

صورة رمزية - صدمة سوق النفط العالمية.  Foto: Reuters
Ölpreis-Schock an den Börsen: Der Erdölpreis war in den vergangenen Wochen wegen der Coronavirus-Pandemie drastisch abgerutscht. Die Nachfrage nach dem Rohstoff hat in der Corona-Krise deutlich nachgelassen. Die Pandemie hat weltweit zu einer drastischen Abnahme der globalen wirtschaftlichen Aktivitäten sowie des Straßen- und Luftverkehrs geführt, weshalb weniger Öl gebraucht wird.

 

كما هو الحال، فإن الدول العربية المتناحرة تخوض حرب استنزاف لم تسفر عن انتصارات فردية، بل تحصدُ وتراكم خسائر جماعية. لم يسبق أن كانت هناك حاجة أكبر للجهود الجماعية من وقت كورونا.

بينما يتفشى الوباء وتتكشف خطوط التصدّع في المنطقة، يحتاج القادة العرب إلى إدراك أن الفراغ لا يزال خاوياً: فإما أن يبذلوا جهودًا منسقة لملء هذا الفراغ، أو يتركوا الفرصة للقوى العالمية والإقليمية لتعبئة الفراغ وخلق المزيد من الصراع وعدم الاستقرار.

بينما يكافح العالم من أجل خفض منحنى الفيروس التاجي، تواجه الدول العربية تحدياً إضافياً لخفض منحنى الصراع. الفشل في ذلك يعني عدم ضمان الصحة والحياة الكريمة في المنطقة.

لإنهاء الصراعات ورسم نهج جديد وموحد للمنطقة، يجب على القادة العرب التخلي عن الافتراضات القديمة ومواجهة الحقائق الجديدة. يوفر الوباء العالمي فرصة لتخيل مستقبل مختلف.

من الأسهل حتماً إقامة شراكة فعّالة وسريعة في أوقات الأزمات. حان الوقت الآن للعمل معًا والتوافق على البدء بصياغة الحد الأدنى من جدول الأعمال المقبول، مع التركيز على الشواغل الإنسانية الأساسية: وقف الأعمال العدائية، ودعم اللاجئين، وإعادة الإعمار بعد الصراع، والوصول إلى الأسواق للشركات المتضررة من أحدث موجة من الاضطرابات.

بعد فترة طويلة من انتهاء أزمة كوفيد 19، سينشغل العالم بمخاوف أخرى. فقط من خلال مساعدة بعضهم البعض يمكن للعرب أن يساعدوا أنفسهم. يجب أن يبدأ قادتهم الآن.

 

باسم عوض الله / عادل مالك

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2020

 

 

 

ar.Qantara.de