"كيف يمكنني البقاء في مجتمع قائم على الكراهية؟"

تم اعتقال الناشطة المصرية المثلية سارة حجازي عام 2017 في القاهرة، لأنها رفعت في حفل غنائي علم ألوان قوس قزح، رمز المثلية وحرية الميول الجنسية. وها هي سارة قد انتحرت في الأراضي الكندية. الصحفي الألماني كريستوفر ريش يتناول هذا الموضوع على موقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Christopher Resch

نادرًا ما أثار في تاريخ مصر الحديثة موتُ شخص ما موجات صدمة واستنكار لدى مجتمع المغتربين أكبر من موتها: في الرابع عشر من حزيران/يونيو 2020، تركت سارة حجازي الحياة، بمحض اختيارها، كعمل نهائي لتقرير المصير في معركتها ضدَّ عالم قاتل. لم يكن بإمكانها أن تكسب معركتها.

سارة حجازي ناشطة مثلية مصرية عمرها ثلاثون سنة. اشتهرت بعدما رفعت علم المثلية في حفل موسيقي غنائي لفرقة إيندي اللبنانية مشروع ليلى في عام 2017 - وتحديدًا في القاهرة. وبحسب ما تم تناقله فقد كانت هذه أوَّل مرة يُرفع فيها رمز المثلية أمام الجمهور في مصر. ولكن هذا لا يمكن أن يكون سبب اعتقالها اللاحق، لأنَّ المثلية الجنسية بحسب القانون المصري لا تعتبر شيئًا غير قانوني.

موجة من الكراهية والرفض

فلماذا وضعوها في السجن، ولماذا عذَّبوها بالصدمات الكهربائية، ولماذا أحضروا نساءً سجينات من أجل إذلالها جنسيًا؟ ولماذا كانت أيضًا مجبرة على ترك وطنها إلى كندا في ظلّ اضطرابات إجهاد ما بعد الصدمة؟

في الأيَّام بعد الحفل الغنائي المشؤوم، كانت وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالصور: سارة حجازي وأحمد علاء، الذي كان عمره حينئذٍ واحدًا وعشرين عامًا فقط، والتي نشراها بنفسيهما. وبالإضافة إلى الاستحسان والدعم فقد انصبَّت عليهما أيضًا موجة من الكراهية والرفض. 

تناولت وسائل الإعلام في مصر -وخاصةً مذيعي البرامج الحوارية الشهيرين المهووسين- هذه "القصة" وباتت تحرِّض الجمهور إلى حدّ هستيري. من المعروف أنَّ المثليين يتعرَّضون في مصر منذ فترة طويلة لاعتداءات؛ ومن أبرز هذه الاعتداءات اعتقالُ اثنين وخمسين مثليًا فيما يعرف بقضية "كايرو 52" كانوا على متن باخرة نيلية اسمها "كوين بوت" في عام 2001.

 

 

ولكن بحسب مجتمع المثليين فإنَّ الأسابيع التي تلت اعتقال سارة حجازي لم تكن مثل أي شيء حدث من قبل في مصر. فقد راقبت السلطات تطبيقات المواعدة للتعرُّف على المثليين المحتملين، واقتحمت الشقق والمنازل، وأغلقت المقاهي الصديقة للمثليين، وفرضت عقوبات بالسجن تصل إلى ست سنين.

ولذلك فلا عجب من أنَّ سارة حجازي لم تعد تريد العيش في هذه البيئة المسمومة جدًا وقد هاجرت إلى تورونتو. كتبت في صحيفة "مدى مصر" الإلكترونية في عام 2018، أي بعد عام من اعتقالها: "كنت خائفة من الجميع".

لم تجد السعادة في كندا. ماتت والدتها بعد وقت قصير من مغادرتها مصر. وكتبت أنَّها بدأت تتلعثم ولم تعد قادرة على النظر إلى أي شخص في عينيه. حاولت مرتين الانتحار، وقامت بالمحاولة الثالثة يوم الأحد في منتصف حزيران/يونيو 2020. تركت سارة حجازي رسالة وداع مكتوبة بالعربية. كتبت فيها: "إلى العالم: كنتَ قاسيًا إلى حدّ عظيم! ولكني أُسامحك".

مجتمع قائم على الكراهية

المجتمع المصري ليس بمثل تلك الرحمة. فعلى الرغم من وجود العديد من التعليقات المفعمة بالتضامن والحبّ والترابط بسبب هذا المصير الحزين، لكن ظهرت مرارًا وتكرارًا منشورات تعتقد أنَّ هذه هي في النهاية مشيئة الله. من المحتمل أنَّ البعض في أجهزة دولة عبد الفتاح السيسي يضحكون ملء أفواههم - فهذا ليس المثال الأوَّل على وجود مثل هذه السخرية.

 

RIP Sara Hegazy



I didn’t know Sara personally, but she was the one that raised the pride flag @ Mashrou Leila’s gig in Egypt. She sought asylum after facing police brutality & sexual assault.



She’s always fought for everyone. She didn’t deserve this. Fuck homophobia. pic.twitter.com/dvsKqHsXN4

— نوح (@sabbathi_) June 14, 2020

 

وذلك لأنَّ سارة حجازي لم تكن تعيش من عدة نواحٍ حياة يعتبرها النظام مُحَبَّذة. في حوار مع مؤسسة دويتشه فيله الإعلامية، لخَّصت وضعها على هذا النحو: "كيف يمكنني البقاء على قيد الحياة في مجتمع قائم على الكراهية ضدّ كلِّ مَنْ ليس ذَكَرًا، أو ليس مغايرًا، أو ليس سنِّيًا أو ليس من مؤيِّدي النظام؟ جميع الآخرين يتعرَّضون للقمع". 

بالإضافة إلى ذلك فقد كانت سارة حجازي عضوةً في أحزاب اشتراكية في مصر وبعد ذلك في كندا أيضًا. قالت في حوارها مع دويتشه فيله إنَّ كشفها عن أنَّها امرأة مثلية قد زاد هيجان المجتمع: "لقد كشفتُ عن نفسي في مجتمع يكره كلَّ شيء يخرج عن القاعدة".

وها هم العديد من أتباع السيسي -والهيئات الرسمية القليلة التي أصدرت بيانات- يشدِّدون على أن الانتحار لا يتوافق مع الإسلام. وهذا صحيح في الواقع بحسب رأي معظم الفقهاء والعلماء المسلمين، تمامًا مثلما هي الحال في المسيحية أيضًا. ولكن مع ذلك فإنَّ التفسير القائل إنَّ الاعتقال والسجن والتعذيب والرفض العام أدَّى إلى جعلها مريضة عقليًا يعتبر تفسيرًا بسيطًا للغاية. 

انتصار الخوف والرعب 

 

 

ردَّ على ذلك حامد سنو، المغنِّي المثلي في فرقة مشروع ليلة في بيان عاطفي على موقع فيسبوك، جاء فيه: "يُسارِع بعضهم إلى الإشارة إلى المرض العقلي والاكتئاب، غير أنَّ المرض النفسي وحده لا يُفسِّر إصابة بعضنا به بينما يسلم منه آخرون. المرض العقلي هو نتيجة للعنف الهيكلي". وأضاف: "تظهر الأقليات معدلات وفاة ’طبيعية‘ أعلى … لدينا معدلات أعلى من مرض السكري وأمراض القلب والفشل التنفسي والسرطان وكلّ شيء. سمِّها ما شئت. هذا ما تفعله الصدمة والكراهية للجسم".

قالت سارة حجازي بعد عام من اعتقالها إنَّ الخوف الشامل أصبح أقوى قوة في حياتها. وبعد ذلك بعامين انتصر الخوف والرعب. لقد كانت الهجمات عليها من قِبَل الدولة والمجتمع وحشية للغاية.

إنَّ سلوك النظام تجاه مواطنيه -مثلما فعل في حالة سارة حجازي- يمكن تفسيره على أنه دليلٌ على الضعف والانحطاط. ومع ذلك فإنَّ حقيقة دعم المجتمع لهذا النظام تقتل أي بصيص من الأمل والتفاؤل.

 

كريستوفر ريش

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de