صراع سوريا وَسَّع الفجوة بين سُنَّة باكستان وشيعتها

إثر ثورة إيران عملت السعودية على وقف تصدير الثورة الخمينية والنتيجة جماعات طائفية مسلحة وتوتر بين متطرفي السنة والشيعة ما يلبث أن يهدأ حتى يتجدد اشتعاله، حتى في باكستان التي تخشى سلطاتها تجدد العنف ببكاستان نتيجة تورط مسلحين باكستانيين سنة وشيعة في صراع سوريا. محمد لقمان والخلفيات لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Mohammad Luqman

يشكّل الهزارة في باكستان أقلية عرقية صغيرة غير معروفة بالنسبة لمعظم من يعيشون خارج حدود هذا البلد. والهزارة يشكلون في أفغانستان المجاورة ثالث أكبر مجموعة عرقية في الأراضي الأفغانية. وقد هاجر قسم منهم إلى منطقة باكستان الحالية في أواخر القرن التاسع عشر نتيجة الملاحقة البالغة الشدة التي تعرضوا لها على يد الأمير الأفغاني عبد الرحمن خان.

ولجأ آنذاك طلبًا للحماية الكثير من الهزارة إلى الهند أيام الاستعمار البريطاني، مشكلين منذ ذلك الحين نسبة كبيرة من سكان مدينة كويتا الباكستانية [كانت باكستان أساسًا قسمًا من الهند تسكنه غالبية مسلمة، وقد أعلنت استقلالها عنها في 14 آب/أغسطس 1947 قبل يوم واحد من إعلان استقلال الهند عن بريطانيا].

ونظرا لانتماء الهزارة إلى مذهب الشيعة الاثني عشرية ولاتسام وجوههم بملامح المنحدرين من آسيا الوسطى أن جعلهم عرضة للتمييز في منطقة شمال إقليم بلوشستان ذات الأغلبية السنية الكاسحة، ما سهّل استهدافهم من قبل جماعات إرهابية سُنيّة. وقد تصاعدت حدة اعتداءات التنظيمات الإرهابية التي ارتُكبت بحق الهزارة منذ عام 2012، ومن بين هذه التنظيمات الإرهابية تنظيم لشكر جهنكوي (جيش جهنكوي).

الهزارة في مرمى نيران إرهابيين سُنَّة

 

الحاكم العسكري [الباكستاني] ضياء الحق (1977 - 1988). Foto: AFP/Getty Images
باكستان الغارقة في دوامة التناحر السعودي-الإيراني: من أسباب ملاحقة إثنية الهزارة الشيعة في باكستان السياسات التي اتبعها الحاكم العسكري [الباكستاني] ضياء الحق (1977 - 1988). فبعد انتهاء الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وبمساعدة من المملكة العربية السعودية، قام ضياء الحق بدعم انتشار مذاهب فكرية سنية راديكالية في باكستان عبر الترويج لما سمي "أسلمة باكستان"، وكان المراد من هذه السياسات صَدّ التأثير المتزايد للأفكار الثورية الإيرانية على الشيعة الباكستانيين الذين يشكلون أكثر من 20% من السكان. وقد ساقت هذه السياسات إلى ظهور جماعات مناهضة للشيعة، مثل تنظيم جيش الصحابة أو جيش جهنكوي، هدفها المعلن هو محاربة الشيعة وغيرهم من "المرتدين". وشهدت باكستان ابتداءً من منتصف الثمانينيات أسوأ أعمال عنف طائفي في تاريخها، وظهرت نتيجة لذلك بعض الجماعات الباكستانية الشيعية المسلحة، وجرى الحديث عن صلات وثيقة تربطها بإيران. وبذلك انزلقت باكستان في مستنقع المواجهة السعودية-الإيرانية، وأسفرت الهجمات والاعتداءات عن سقوط مئات القتلى من الجانبين.

 

ووفقًا لتقديرات وزارة الداخلية البريطانية الصادرة في عام 2019، فقد قُتل أكثر من ألفي شخص من الهزارة نتيجة هجمات إرهابية في باكستان منذ عام 1999، وقد وقع أحدثها في أوائل كانون الثاني/يناير 2021، عندما أعدم إرهابيون 11 من عمال المناجم الهزارة.

وقد قام أهالي الضحايا على إثر ذلك بقطع إحدى الطرق الرئيسة لعدة أيام احتجاجًا [على التقصير الأمني]، ورفضوا السماح بدفن موتاهم ما لم يضمن لهم رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان شخصيًا مزيدًا من الأمن. وكان رئيس الوزراء قد قوبل بوابل من الانتقادات الشديدة في جميع أنحاء البلاد بسبب تعامله غير الحساس في البداية مع ذوي الضحايا.

وفي نهاية المطاف، التقى رئيس الوزراء بممثلي أهالي الضحايا بعد مرور أسبوع، ووعدهم بتقديم الدعم الحكومي وبتحقيق مزيد من الأمن لهم. أما عن نوعية هذه الوعود، فالمستقبل كفيل بأن يخبرنا إن كانت مجرد وعود جوفاء، كما كانت الحال مع الحكومات السابقة، أم أنّ شيئًا ما سيتغير بالفعل.

ومن أسباب ملاحقة الهزارة في باكستان السياسات التي اتبعها الحاكم العسكري [الباكستاني] ضياء الحق (1977 - 1988). فبعد انتهاء الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وبمساعدة من المملكة العربية السعودية، قام ضياء الحق بدعم انتشار مذاهب فكرية سنية راديكالية في باكستان عبر الترويج لما سمي "أسلمة باكستان"، وكان المراد من هذه السياسات صَدّ التأثير المتزايد للأفكار الثورية الإيرانية على الشيعة الباكستانيين الذين يشكلون أكثر من 20% من السكان.

باكستان الغارقة في دوامة التناحر السعودي-الإيراني

وقد ساقت هذه السياسات إلى ظهور جماعات مناهضة للشيعة، مثل تنظيم جيش الصحابة أو جيش جهنكوي، هدفها المعلن هو محاربة الشيعة وغيرهم من "المرتدين". وشهدت باكستان ابتداءً من منتصف الثمانينيات أسوأ أعمال عنف طائفي في تاريخها، وظهرت نتيجة لذلك بعض الجماعات الباكستانية الشيعية المسلحة، وجرى الحديث عن صلات وثيقة تربطها بإيران. وبذلك انزلقت باكستان في مستنقع المواجهة السعودية-الإيرانية، وأسفرت الهجمات والاعتداءات عن سقوط مئات القتلى من الجانبين.

ولم يبدأ العنف في الانحسار نسبيًا إلا في منتصف التسعينيات، وقد قام الحاكم العسكري برويز مشرف ابتداءً من عام 2001 باتخاذ إجراءات تستهدف الجماعات المتطرفة في البلاد لأول مرة، وقد بقي مشرف في السلطة حتى عام 2008، وتم حظر تنظيم جيش الصحابة السني والعديد من المنظمات الشيعية المتشددة مثل تنظيمي جيش محمد وأنصار الحسين منذ ذلك الحين.

 

 

 

الصراع في سوريا يؤجج الانقسامات الطائفية في باكستان

ويبدو أن الجماعات المعادية للشيعة قد عادت إلى النشاط مرة أخرى بعد فترة من الهدوء النسبي، والسبب الرئيس هذه المرة هو الصراع في سوريا. فإلى جانب تورط متطرفين باكستانيين سنّة، هناك أدلة على تورط مجموعات من شيعة باكستان في القتال الدائر في سوريا منذ عام 2013، وقد تم تنظيمهم بشكل منفرد فيما يسمى "لواء الزينبيون" في عام 2015، حيث تم نشرهم من قبل الحرس الثوري الإيراني في جبهات القتال المختلفة في سوريا بعد تلقيهم تدريبا عسكريا أساسيا.

ولعلَّ المسيرات الجماهيرية المناهضة للشيعة التي نُظمت في كراتشي وإسلام أباد في أيلول/سبتمبر 2020 قد جاءت بمثابة مفاجأة لكثير من الباكستانيين، إلا أنها كانت في حقيقة الأمر تعبيرًا عن هذا الصراع المحتدم، وكان من بين المتظاهرين أعضاء من جماعة جيش الصحابة المحظورة وغيرها من منظمات سنية متشددة متعاطفة مع جماعات إرهابية سنية في سوريا.

يستشري لدى السلطات الباكستانية خوف كبير من احتمال تعرض مدينة كراتشي لموجة جديدة من العنف الطائفي، حيث تتخذ قوى الأمن إجراءات متزايدة ضد الجماعات المسلحة في هذه المدينة المليونية، وقد تم اعتقال عدة عناصر من لواء زينبيون في أواخر عام 2020 خلال إحدى العمليات الأمنية.

غير أن النجاح المستدام في مكافحة التطرف لن يرى النور ما لم يتم تعزيز جو من التسامح في المجتمع برمته، وهو أمر لا تزال باكستان بعيدة عنه كل البعد.

 

محمد لقمان

ترجمة: حسام الحسون

حقوق النشر: موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

 

دَرَس محمد لقمان دراسات العالم الإسلامي في مركز دراسات الشرق الأدنى والأوسط في جامعة ماربورغ الألمانية مع التركيز بصورة خاصة على الإسلام في جنوب آسيا، ويُعِدُّ حاليًا أطروحة الدكتوراه عن العلاقة بين الدين والنزعة القومية في باكستان.

 

...................

طالع أيضا

العلاقة بين المسلمين السنة والشيعة

التصالح السني الشيعي...مفتاح للاستقرار العالمي


...................


 

 

[embed:render:embedded:node:31067]