من يستطيع وقف الحرب ونزع فتيل الأزمة في اليمن؟

"الإدارة الذاتية في عدن"، هل بات اليمن على وشك الدخول في صراع عسكري جديد؟
"الإدارة الذاتية في عدن"، هل بات اليمن على وشك الدخول في صراع عسكري جديد؟

تدخل حرب اليمن عامها السادس وسط تصدع وتغير حسابات التحالف العربي، الذي تقوده السعودية وانهيار اتفاق الرياض، الذي توصل بموجبه الأطراف إلى اتفاق سلام في نوفمبر 2019. ورغم توجه الدول الإقليمية الى تقليص مشاركتها المباشرة وتهيئة حلفاء لها لخوض الحرب بالنيابة عنها، إلا أنه لا يمكن إنهاء إسالة الدماء بدون محادثات سلام برعاية الامم المتحدة وفق تحليل أمين سيكال.

الكاتبة ، الكاتب: Amin Saikal

رغم أن التدخل العسكري في اليمن دام لأكثر من خمس سنوات، إلا أن حملة التحالف بقيادة السعودية قد أخفقت في إنقاذ البلاد من التفكك، فبفضل دعم الإمارات العربية المتحدة، يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي، الآن، على أهم ميناء في عدن. وما أثار استياء المملكة العربية السعودية، هو أنه أعلن الحكم الذاتي في جنوب البلاد، ولكن هذا التقسيم الفعلي قد لا يقلل، في نهاية المطاف، من عدم الاستقرار في اليمن وفي المنطقة.

وفي الواقع، اليمن مقسم فعلاً إلى ثلاث كيانات إقليمية، فحكومة الرئيس المنفي عبده ربه منصور هادي، التي تحظى بالشرعية الدولية والمدعومة من السعودية، تسيطر على واحد منها، ويسيطر المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على الاثنين الآخرين. وقد أدى ذلك إلى إطالة أمد القتال، الذي يوصف بأنه "حرب أهلية داخل حرب أهلية"، والذي خلف آثاراً جيوستراتيجية عميقة.

لقد استمر الصراع منذ مطلع عام 2015، عندما شن التحالف العربي، الذي يضم المملكة العربية السعودية وثمان دول أخرى، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، تدخلاً عسكريًا كثيفاً.

وكان المهندس الرئيسي لهذا التدخل هو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي أصبح الآن الحاكم الفعلي للمملكة. وكان أحد الداعمين الأساسيين هو محمد بن زايد، ولي عهد إمارة أبوظبي، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

 

وكان هدف الأمير محمد بن سلمان ذي شقين، الأول تعزيز مكانته داخل الأسرة المالكة لخلافة والده، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذي كان يتقدم في العمر. بينما كان الآخر استعادة حكم هادي، الذي انتهى في سبتمبر/أيلول 2014، عندما استولى مقاتلون من الأقلية الزيدية الشيعية الحوثية على العاصمة اليمنية صنعاء، وطردوه من البلاد.

قوة مضادة للتوسع الإيراني 

وأراد الأمير بن سلمان، أيضًا، أن يثبت لإيران الشيعية أن المملكة العربية السعودية السنية- حاضنة الحرمين الشريفين- لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التوسع في النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة عندما يصل إلى الحدود مع السعودية.

وكان لهدف ولي العهد، محمد بن سلمان، المناهض لإيران، صدى لدى محمد بن زايد، وحلفاء آخرين، شكلوا ثقلا موازنا للجمهورية الإسلامية، إذ كانت إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في طور التفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني، الذي تم التوقيع عليه في يوليو/تموز 2015. ورغم أن المحادثات جعلت أوباما مترددًا بشأن التدخل بقيادة السعودية، فاز التحالف التقليدي لأمريكا مع المملكة، ودعمت الولايات المتحدة التحالف.

 

الرئيس اليمني، الذي يتمتع بالشرعية، عبده ربه منصور هادي  وسط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي العد الماراتي محمد بن زايد قبيل الاتفاق على خطة السلام في الرياض. (Foto: Reuters/Saudi Press Agency)
بدأ ولي العهد السعودي الحالي محمد بن سلمان كوزير دفاع جديد في 2015 حرب اليمن بهدف منع تسلم الحوثيين السلطة ووقف التوسع الإيراني في جنوب شبه الجزيرة العربية. غير أنه لم يحقق هذا الهدف بالرغم من تحالف عسكري دولي تشارك فيه أيضا دول غربية أيضا. هذا التحالف يعاني بعد أكثر من خمس سنوات من الحرب من التصدع.

 

وكانت السعودية تتوقع أن يؤدي التدخل المسلح، والقصف الجوي، إلى هزيمة الحوثيين واستعادة حكم هادي في صنعاء، في غضون أسابيع. ولكنها استهانت بالتعقيد الاجتماعي والسياسي لبلد لم يُجمع شمله إلا في عام 1990، عندما انضم الجنوب الشيوعي إلى الشمال المدعوم من السعودية.

واضطلع رئيس شمال اليمن، علي عبد الله صالح، بدور رئيسي في إعادة توحيد البلاد، وقاد اليمن الموحد بقبضة حديدية حتى عام 2012، عندما أجبرته انتفاضة شعبية على تسليم السلطة إلى هادي. ولكن زوال صالح السياسي سرعان ما أدى إلى تفكك سياسي، واجتماعي، وطائفي، حيث ملأت مجموعات من الحوثيين ومن القاعدة فراغ السلطة.

 

اقرأ/ي أيضًا: مقالات تحليلية من موقع قنطرة حول الحرب في اليمن

لهذا ما زالت رحى حرب اليمن دائرة وسط مخاوف الشعب من تفشي كورونا

 تحليل أحمد ناجي من مؤسسة كارنيغي البحثية

هل من صراع إماراتي سعودي في اليمن؟

الحكومة اليمنية في مواجهة الإمارات إثر مقتل العشرات من الجيش الحكومي اليمني بغارات جوية إماراتية

فرقاء الصراع في اليمن ـ من يحارب من.. ولماذا؟

كتاب بشرى المقطري "ماذا تركت وراءك؟ أصوات من بلاد الحرب المنسية"

 

تكلفة باهظة للحرب

لقد خلف التدخل بقيادة السعودية خسائر بشرية واقتصادية تَكبدها جميع الأطراف. وعلى الرغم من عدم الإعلان عن أي أرقام رسمية، فإن تكلفة الحرب حتى عام 2018، تُقدر بأكثر من 100 مليار دولار، مع خسائر كبيرة في القوات والمعدات العسكرية.

إن الأضرار التي ألحقها النزاع بالشعب اليمني كانت جسيمة. وحسب بيانات للأمم المتحدة، فقد قُتل حوالي 112000 شخص، من بينهم 12000 مدني، قتل منهم ما يقرب من 70٪ من المدنيين بسبب الغارات الجوية للتحالف. وفضلا عن ذلك، يحتاج 80٪ من مواطني اليمن- 24 مليون نسمة- إلى مساعدات إنسانية. وقد أفادت الأمم المتحدة في عام 2019، أن ما يقرب من عشرة ملايين مواطن كانوا "على شفا المجاعة". وفضلا عن ذلك أحدث التدخل دمارا ماديا واسع النطاق.

ودفعت الخسائر البشرية المتزايدة، والأزمة الإنسانية، أوباما إلى انتقاد عمليات التحالف العربي. ففي ديسمبر/كانون الأول، 2016، أوقف بيع بعض الأسلحة للسعودية. لكن خلف أوباما، دونالد ترامب، عكس المسار، فقدم للسعوديين الأسلحة، وأعطاهم الضوء الأخضر للتصرف في اليمن.

ومع ذلك، فإن إيران، التي يستهدفها ترامب، لديها أسباب للشعور بالمرونة الاستراتيجية، لأن الحوثيين يسيطرون الآن على جزء كبير من اليمن على طول الحدود السعودية، وقد أضعف المجلس الانتقالي الجنوبي الجنوب، بينما تحتفظ قوات هادي بمناطق أصغر، الأمر الذي من المؤكد أنه يزعج، ليس فقط محمد بن سلمان، ولكن أيضًا ترامب، الذي يعتبر أن إيران هي مصدر جميع المشاكل في المنطقة، ويجب احتواؤها بأي ثمن.

 

قوات تابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" سيطرت في شهر أغسطس من العام الماضي على قصر الرئاسة في العاصمة اليمنية المؤقت عدنFoto: Picture-Alliance/ AP Photo
لوّحت الحكومة اليمنية بمعركة ضد المجلس الانتقالي الجنوبي وقالت إن قوات الحكومة ستواجه ”التمرد المسلح“ للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي أعلن الإدارة الذاتية في جنوب البلاد. وأعلن المجلس يوم 25 أبريل / نيسان الإدارة الذاتية في محافظات الجنوب وهدد بإشعال الصراع مرة أخرى مع الحكومة المدعومة من السعودية في الحرب المتعددة الأطراف باليمن.

 

"توجه الدول الإقليمية الى تقليص مشاركتها المباشرة وتهيئة حلفاء لها لخوض الحرب بالنيابة عنها"

وخلال الجزء الأكبر من الحرب، كان محمد بن سلمان يحاول تعزيز سلطته في الداخل. وعلى الرغم من الانتقادات الدولية المتزايدة للحملة العسكرية، والانقسامات داخل الائتلاف العربي- خاصة بين المملكة والإمارات- لم يكن محمد بن سلمان راغبا في الاعتراف بعدم جدوى المشروع.

وكان هذا الرفض يساير تصميمه على تجاوز كل الانتقادات الأخرى، بما في ذلك تفويضه المزعوم بقتل الصحافي المعروف جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول، 2018، في اسطنبول، واعتقال المعارضين المحتملين داخل العائلة المالكة السعودية.

وقد تكون الحرب اليمنية قد دخلت مرحلة جديدة. فبينما يفضل السعوديون إنهاء سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على الجنوب، هناك دلائل تشير إلى تراجعهم، بعد انتهاك لاتفاق وقف إطلاق النار، وانهيار اتفاق الرياض، الذي توصل بموجبه الأطراف إلى اتفاق سلام بوساطة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

ولن يتوانى حلفاء المملكة وأعداؤها في سعيهم إلى السيادة في كل من الشمال والجنوب، حتى مع انتشار جائحة كوفيد-19 في البلاد.

ومن غير المرجح أن يخدم التقسيم الاستقرار والأمن في اليمن. ولكنه فرصة لـمحمد بن سلمان وترامب لتقييم سياساتهما، التي فاقمت عدم اليقين في الخليج. ولا توجد إصلاحات سهلة.

ولكن، فقط من خلال دعم محادثات السلام، التي تقودها الأمم المتحدة بين الأطراف المتحاربة، يمكن تحقيق تسوية سياسية، تُجنب المنطقة المزيد من التنافس على السلطة- والمزيد من إراقة الدماء.

 

ترجمة: نعيمة أبروش

حقوق النشر:  بروجيكت سنديكيت 2020

أمين سيكال أستاذ في العلوم السياسية بالجامعة الوطنية الأسترالية ومدير مركز الدراسات العربية والإسلامية بكلية الفنون و العلوم الاجتماعية. صدرت له عدة كتب حول إيران وسياساتها الإقليمية.