لهذا أصبح تنظيم القاعدة أقوى من السابق

حين يُتَحَدَّث عن الإرهاب بات يتبادر إلى الأذهان تنظيم داعش أكثر من تنظيم القاعدة. لكن تنظيم القاعدة صار أقوى من ذي قبل ولم يغيِّر سوى أهدافه، كما يرى الباحث بهنام تيمو سعيد في حواره مع يِنس كريستيان رابه.

الكاتبة ، الكاتب: Jens-Christian Rabe

السيِّد سعيد، عندما نُفكِّر اليوم في تنظيم القاعدة الإرهابي - وعلى أبعد تقدير منذ وفاة زعيمه أسامة بن لادن وصعود ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية - فإنَّنا نميل إلى اعتباره شيئًا من الماضي. فلماذا قمتَ مع ذلك بتكريس كتاب كامل لهذا التنظيم؟

بهنام تيمو سعيد: في الحقيقة، تنظيم القاعدة لا يُركِّز حاليًا على أوروبا أو الولايات المتَّحدة الأمريكية، وهو بالتالي ليس ظاهرًا على رادار اهتمامنا. غير أنَّ لهذا التنظيم تأثيرًا كبيرًا للغاية على الحركات المحلية المنتفضة في الشرق الأدنى والشرق والأوسط وفي أجزاء من إفريقيا وآسيا. حتى أنَّني أذهب إلى حدِّ القول إنَّ تنظيم القاعدة بات في هذا الصدد أقوى بكثير اليوم مما كان عليه قبل عشر سنين أو حتى عشرين سنة، عندما كان يُعتبر من وجهة نظر الغرب في ذروة قوَّته.

إلى أي مدى يجب تصوُّر تنظيم القاعدة كتنظيم منظَّم بشكل مُحكَم؟

الغلاف الألماني لكتاب الباحث في العلوم الإسلامية بهنام تيمو سعيد: "تاريخ تنظيم القاعدة - بن لادن، 11 سبتمبر وألف جبهة للإرهاب اليوم".  Verlag C.H. Beck
Der Hamburger Islamwissenschaftler Behnam Timo Said arbeitet seit Kurzem für die Justizbehörde der Hansestadt. Mit der "Geschichte Al-Qaidas" hat er ein nüchtern-kundiges wie beunruhigendes Buch über die "tausend Fronten des Terrors heute" geschrieben. 2015 legte er mit "Islamischer Staat" das erste deutschsprachige Buch über den IS vor, ein Jahr später folgte mit "Hymnen des Jihads" ein weiteres, viel beachtetes Werk über die Literatur der islamistischen Mobilisierung.

بهنام تيمو سعيد: هذا يختلف اختلافًا كبيرًا. في اليمن، تسيطر القاعدة على مناطق كاملة سيطرةً شبه حكومية. أمَّا في ليبيا فهي غير نشطة بشكل مباشر، ولكن لديها اتِّصالات مع كلّ ميليشيا من الميليشيات هناك. وعلى الرغم من أنَّ هذا التنظيم لم يعد موجودًا في الواقع، إلَّا أنَّ روحه لا تزال حيّة. فتنظيم القاعدة لا يزال موجودًا هناك في الظلّ.

{"تنظيم القاعدة لم يكن يسعى مطلقًا إلى غزو أمريكا أو أوروبا أو إخضاعهما. بل كان ذلك إستراتيجية لطرد الغرب من الدول الإسلامية. وأسامة بن لادن كان يهتم شخصيًا بطرد الغرب من بلدين بشكل خاص: من اليمن وطن والده، ومن المملكة العربية السعودية، البلد الذي نشأ فيه، والذي يوجد فيه أيضًا الحرمان الشريفان - أي الكعبة في مكة ومسجد النبي وقبره في المدينة."}

ا هي الفكرة المُوحِّدة لتنظيم القاعدة اليوم، طالما أنَّ هذا التنظيم بات يعمل من ناحية في الظلِّ ويُعتبر من ناحية أخرى أقوى بكثير من ذي قبل؟

بهنام تيمو سعيد: تنظيم القاعدة يعتمد على الحنين والتطلعات القديمة إلى القوة في العالم العربي، ولهذا السبب من المفيد تتبُّع التاريخ إلى عشرينيات القرن العشرين. حيث باتت فكرة الإمبراطورية الإسلامية المُوَحَّدة، أي دولة الخلافة التي لا تزال تُمثِّل حتى يومنا هذا بالنسبة لكثير من المسلمين جوهر الإسلام القوي، شيئًا من الماضي. وإلى ذلك يعود تنظيم القاعدة مرارًا وتكرارًا. وبطبيعة الحال لقد كانت على وجه التحديد اللحظة المُوحِّدة - على أبعد تقدير - منذ مطلع التسعينيات هي المعركة ضدّ الولايات المتَّحدة الأمريكية، وهنا بدأ أيضًا صعود تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن.

لكن هذه المعركة لم تعد محور الاهتمام؟

بهنام تيمو سعيد: لا، وذلك لأنَّها لم تعد في هذه الأثناء مهمة جدًا بالنسبة لأهداف تنظيم القاعدة. نحن الغربيون نميل إلى المبالغة في تقدير أهمية الغرب بالنسبة لتنظيم القاعدة. وما نزال نفعل ذلك.

لكن مع ذلك فإنَّ الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 بدا وكأنَّه إشارة واضحة جدًا للغرب…

بهنام تيمو سعيد: بكلِّ تأكيد، ومع ذلك فقد كان بالنسبة لتنظيم القاعدة وسيلة لتحقيق هدف. إذ إنَّ تنظيم القاعدة لم يكن يسعى مطلقًا إلى غزو أمريكا أو أوروبا أو إخضاعهما. بل كان ذلك إستراتيجية لطرد الغرب من الدول الإسلامية. وأسامة بن لادن كان يهتم شخصيًا بطرد الغرب من بلدين بشكل خاص: من اليمن وطن والده، ومن المملكة العربية السعودية، البلد الذي نشأ فيه، والذي يوجد فيه أيضًا الحرمان الشريفان - أي الكعبة في مكة ومسجد النبي وقبره في المدينة.

إذًا لقد نجح أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة في توحيد الإسلامويين من خلال إقناعهم بواجب محاربتهم أمريكا إذا أرادوا تغيير الأوضاع في العالم الإسلامي لصالحهم؟

بهنام تيمو سعيد: أجل، من وجهة نظر تنظيم القاعدة فإنَّ الأنظمة القديمة ذات الميول العلمانية، وعلى أية حال غير الإسلامية - نحن نتحدَّث الآن حول حقبة التسعينيات - كانت جميعها مدعومة إلى حدّ كبير من قِبَل الولايات المتَّحدة الأمريكية، أي من قِبَل "رأس الأفعى"، الذي يجب قطعه في البدء قبل التمكُّن من هزيمتها.

كيف يبدو الوضع اليوم؟

بهنام تيمو سعيد: يبدو مختلفًا تمامًا. بعد الربيع العربي في عام 2011، تزعزع الاستقرار في المنطقة، وباتت توجد أنظمة ضعيفة وحركات ثورية وكميات كبيرة من الأسلحة - وكان بوسع المرء أن يرى أين يكمن التركيز الحقيقي للحركة. وأقول حركة لأنَّ القاعدة لم تعد تنظيمًا منذ فترة طويلة، بل حركة. وكحركة فهي لم تعد بحاجة للولايات المتَّحدة الأمريكية وأوروبا، بل أصبح بإمكانها أن تُركِّز أخيرًا على الاستيلاء على السلطة في البلدان الإسلامية نفسها، أي أن تصبح جزءًا من الحركات الثورية المحلية وأن تفرض عليها أجندة تنظيم القاعدة. 

واليوم يجري تنفيذ هذا المشروع بشكل مكثَّف وبنجاح أكبر من قبل على العديد من الجبهات المحلية. حتى وإن لم يكن يجري دائمًا مثلما يرغب تنظيم القاعدة - ولنُفَكِّر فقط في النجاحات التي حقَّقها في هذه الأثناء منافسه تنظيم الدولة "داعش" في سوريا والعراق.

{"القاعدة لم تعد تنظيمًا منذ فترة طويلة، بل حركة. وكحركة فهي لم تعد بحاجة للولايات المتَّحدة الأمريكية وأوروبا، بل أصبح بإمكانها أن تُركِّز أخيرًا على الاستيلاء على السلطة في البلدان الإسلامية نفسها، أي أن تصبح جزءًا من الحركات الثورية المحلية وأن تفرض عليها أجندة تنظيم القاعدة."}

 

يبدو أنَّ الجهاديين يفهمون كيفية زعزعة الاستقرار والاستيلاء على السلطة أكثر من فهمهم للحكم على أرض الواقع…

بهنام تيمو سعيد: هذا صحيح، لكن لا ينبغي لنا على أية حال أن نُقلِّل من أهمية فكرة الإمبراطورية الإسلامية القائمة على الشريعة الإسلامية، لا سيما وأنَّ خطر الإرهاب المنبثق حاليًا عن القاعدة يعتبر منخفضًا بالنسبة للغرب. بينما يعتبر الخطر المنبثق عن هذه الحركة بالنسبة للعالم العربي أكبر بكثير من ذي قبل.

 



حاوره: يِنس كريستيان رابه

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ / موقع قنطرة 2018

ar.Qantara.de