سجون تونس تحولت إلى بؤر للتطرف خلال حكم بن علي

فشلت الدولة في تونس في تقديم إجابة لأزمات الشباب التونسي الروحية: "نشأ جيل ’اللامستقبل‘. وجيل ’اللامستقبل‘ هذا اختار عنف ’اللامستقبل‘ - ووقع في العدمية، في أعمال عنف ضدَّ المجتمع والدولة"، مثلما يقول الخبير التونسي حمزة المؤدّب.

حمزة المؤدّب: من أجل فهم هذه ظاهرة الجهاديين، يجب علينا أن ننظر قليلاً إلى الماضي في العقد الأوَّل ابتداءً من عام 2000، أي العقد الأخير من حكم زين العابدين بن علي. في تلك الفترة حدث تطوُّران مهمان. أولاً: لقد وقعت سلسلة من الأحداث، التي أفضت إلى تسييس الشباب التونسي: الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2002 والحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني في عام 2006 وكذلك حرب غزة في عام 2008 - مع كلِّ الأهمية التي تمثِّلها فلسطين في معاداة الإمبريالية في المنطقة. وكذلك قد كان غزو العراق لحظة مهمة، لأنَّ عدة مئات من الجهاديين التونسيين قد ذهبوا في تلك الأيَّام إلى العراق، على الرغم من القمع وحضور الشرطة القوي لدى نظام زين العابدين بن علي.

وهذه الدينامية الأولى رافقتها دينامية ثانية، يجب ألَّا ننساها: فهذا العقد كان عقد الأزمة الاجتماعية الكبيرة مع ارتفاع معدَّلات البطالة، خاصة بين خرّيجي الجامعات. وكان كذلك عقد الاحتجاجات الاجتماعية، التي تجاوز انتشارها المعارضة السياسية التقليدية، وذلك لأنَّ النظام لم يكن قادرًا على منح الشباب آفاقًا مستقبلية.

وبالتالي فقد كان هذا عقد الأزمة الاجتماعية الكبيرة. وقد رَدَّ النظام على هذه الأزمة بالقمع. وتمت مكافحة السلفية المتنامية بين الشباب بقانون مكافحة الإرهاب من سنة 2003: فقد تمت إدانة ألفي شخص على الأقل ومكثوا في السجن. وتحوَّلت السجون إلى بؤر التطرُّف. وهناك كان يتم تجنيد جهاديين جدد، بينما كان يزيد تطرُّف الآخرين أكثر. وهكذا فقد تحوَّلت السجون إلى نقطة التقاء لمختلف الأجيال، الذين لم يكونوا يعرفون بعضهم قبل ذلك قطّ وربما لم يكونوا سيتعرَّفون ببعضهم في الأحوال العادية مطلقًا.

وبعد الثورة في عام 2011، تم الإفراج بموجب عفو عام عن آلاف الجهاديين. وفي الوقت نفسه بدأت النزاعات في ليبيا وفي سوريا. وبالإضافة إلى ذلك يجب علينا ألاَّ ننسى أنَّ الدولة قد فقدت شرعيتها وسيطرتها على المساجد من خلال الثورة في نهاية عام 2010 وبداية عام 2011.

وبناءً على ذلك فإنَّ الدولة ليست قادرة على تقديم إجابة لأزمات الشباب التونسي الروحية. فعجلة الرقي الاجتماعي لم تعد تدور. والناس يدرسون ليصبحوا عاطلين عن العمل. وهم عاطلون عن العمل لأنَّهم غير قادرين على العمل، وذلك بسبب عدم وجود توافق مطلق بين سوق العمل والجامعات. لم يعد يوجد أي شيء يحرِّك الشباب ويمنحهم الأمل. أظهر وهنا نشأ جيل "اللامستقبل". وجيل "اللامستقبل" هذا اختار عنف "اللامستقبل" وفقاً لعبارة أوليفييه روا - ووقع في العدمية، في أعمال عنف ضدَّ المجتمع والدولة.

 

لمتابعة الحوار مع الخبير السياسي التونسي حمزة المؤدّب...