تجديد تربة الأرض وروح الإنسان

حياة جديدة للاجئين أفغان في البرتغال - مبادرة زراعية مستدامة تركز على البيئة والعدالة الاجتماعية والتضامن.
حياة جديدة للاجئين أفغان في البرتغال - مبادرة زراعية مستدامة تركز على البيئة والعدالة الاجتماعية والتضامن.

نشطاء حقوقيون فروا إلى البرتغال -بعد سيطرة طالبان على أفغانستان- ليتمتعوا بفرصة بدء حياة جديدة، بفضل مبادرة زراعية مستدامة تركز على البيئة والعدالة الاجتماعية والتضامن. استخبار مارتا فيدال لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Marta Vidal

في صباح شتاء مشمس تملأ شابتان أيديهما بأغصان شجرة الفراولة، وهي من فصائل البحر الأبيض المتوسط ذات جذع ملتوٍ. تزرعان الشتلات بلطف على أمل أن تنمو جذورها في حقل خارج منطقة مارتله، وهي بلدة صغيرة من بيوت بيضاء وشوارع مرصوفة بالحصى في جنوب البرتغال. فرّت الشابتان من أفغانستان في عام 2021، بعد سقوط كابول. في العام الماضي 2022، كانتا تجمعان البذور، وتعتنيان بالشتلات، وتزرعان وتحصدان منطقة محاطة بتلال مشجّرة قرب ضفاف نهر يانة في منطقة ألينتخو شبه القاحلة.

تقول نورينا، الأصغر بينهما، "من الجيد أن أكون مع الطبيعة". وقبل أن تستولي حركة طالبان على مسقط رأسها، كانت ناشطة في مجال حقوق النساء وتدرس لتصبح صحفية. وبينما تضع الشتلات في قاع الأرض تشرح أنّه حتى أصغر الأغصان يمكن أن تنمو إلى أشجار طويلة وقوية.

تيرّا دي أبريغو أو "أرض الملجأ"

نورينا هي واحدة من ثمانية أفغان أُجبِروا على الفرار من كابول بسبب نشاطهم في مجال حقوق الإنسان. انتقلوا إلى البرتغال كجزء من مشروع "Terra de Abrigo/أرض الملجأ" الذي يستضيف لاجئين ويدرجهم في جهود تجديد الأراضي.

أما يونيس نيفيس فتقول: "يقوم برنامجنا على فكرةِ أَنّ الاهتمام بالناس والاهتمام بالكوكب ينبغي أن يكونا دائماً مرتبطين". ويونيس هي مهندسة مناظر طبيعية ومصممة زراعة مستدامة تنسّق الشراكة بين "أرض الملجأ" و بين تيرّا سينتروبيكا، وهي جمعية محلية تهتم بالزراعة الإيكولوجية وتجديد الأراضي، ومع "الزراعة المستدامة من أجل اللاجئين" (Premaculture For Refugees)، وهي منظمة دولية. وتتابع: "لكي يكون لدينا عالم مستدام حقاً، نحتاج إلى أشخاص يعملون مع الطبيعة معاً، وإلى توزيع عادل ومنصف للموارد".

 

حياة جديدة للاجئين أفغان في البرتغال - مبادرة زراعية مستدامة تركز على البيئة والعدالة الاجتماعية والتضامن. Terra de Abrigo meeting in Mertola, Portugal (image: Marta Vidal)
تقول يونيس نيفيس: "يقوم برنامجنا على فكرة أنّ الاهتمام بالناس والاهتمام بالكوكب ينبغي أن يكونا دائماً مرتبطين". ويونيس هي مهندسة مناظر طبيعية ومصممة زراعة مستدامة تنسّق الشراكة بين "أرض الملجأ" وتيرّا سينتروبيكا، وهي جمعية محلية تهتم بالزراعة الإيكولوجية وتجديد الأراضي، ومع الزراعة المستدامة للاجئين، وهي منظمة دولية. وتتابع: "لكي يكون لدينا عالم مستدام حقاً، نحتاج إلى أشخاص يعملون مع الطبيعة معاً، وإلى توزيع عادل ومنصف للموارد". وبالنسبة لمحمد علي، الذي اضطّر إلى الفرار من أفغانستان بسبب عمله في الدفاع عن حقوق الإنسان، هناك العديد من الروابط بين الأرض والتجديد الاجتماعي. يقول: "حين نستخدم المواد الكيميائية فإننا نزرع العنف في الأرض. حين ندمّر الغابات فهذا عنف أيضاً".

 

ظهرت فكرة المبادرة حين كانت نيفيس تعمل بالزراعة المستدامة، وهي نهج لإدارة الأراضي يستند على النظم البيئية الطبيعية ويسعى لإصلاح الضرر الناجم عن النشاط البشري. وجدت مكاناً آمناً بهدف مساعدة مجموعة من الأفغان الذين تلقّوا تدريباً في الزراعة المستدامة وكانوا بحاجة إلى الهروب. والزراعة المستدامة، بوصفها شكلًا من أشكال الزراعة التجديدية، ألهمت نيفيس لتصميم نموذج لاستضافة اللاجئين يربط بين البيئة والزراعة الحراجية والعدالة الاجتماعية والتضامن.

وبالنسبة لمحمد علي، وهو خريج قانون وعلوم سياسية اضطّر إلى الفرار من أفغانستان بسبب عمله في الدفاع عن حقوق الإنسان، وهناك العديد من الروابط بين الأرض والتجديد الاجتماعي. يقول: "حين نستخدم المواد الكيميائية فإننا نُلحِقُ الأذى بالأرض. حين ندمّر الغابات فهذا عنف وأذى أيضاً". هو يحلم بعالم من دون عنف تجاه الناس أو تجاه البيئة.

تقول نيفيس: "لا يجدّد العمل مع الطبيعة التربة فحسب، لكن الروح أيضاً". وبالنسبة لمحمد، وهو طيار من كابول اضطر إلى الفرار من طالبان، فقد منحه التفاعل مع النباتات الراحة والسلوان. يقول: "إنها نعمة أن تتواجد بالقرب من الأرض وتعمل معها".

يقول رحيم، وهو طالب زراعة اعتاد على تجربة تقنيات الزراعة المستدامة في جامعة كابول، "وجدنا الأمان والسلام والهدوء هنا". ويتحدث بفخر عن قناته على اليوتيوب، حيث ينشر مقاطع فيديو باللغة الدارية حول الزراعة المتجددة والحراجة الزراعية. يقول: "أريد مشاركة هذه المعرفة مع الآخرين".

والمشاركة هي كلمة أساسية في البرنامج. تقول لورا ماركيز، التي انضمّت إلى المشروع بوصفها منسّقة، "نتشارك في العديد من الوجبات معاً، وننظّم أحداثاً اجتماعية وثقافية". كما تقول: "نريد خلق شعور بالانتماء للمجتمع يجعل المجموعة تشعر بالأمان والدعم". ومثل الزراعة المستدامة، التي تعمل من خلال إطار شامل يدمج الأرض والموارد والناس والبيئة، تنظر أرض الملجأ إلى الرفاهية بشكل متكامل. وتضيف ماركيز: "لا يتعلق الأمر بالمسكن فحسب، بل يتعلق أيضاً بالرفاهية المالية والاجتماعية والبيئية".

طرق جديدة لاستضافة اللاجئين

ترحب البرتغال بشكل عام باللاجئين. ويحق لهم الحصول على سكن مجاني لمدة 18 شهراً، وراتب شهري قدره 150 يورو ودروس لغة مقدّمة من منظمات المجتمع المدني. ولكن ما أن تنتهي هذه الفترة، من المتوقع أن يعتمد اللاجئون على أنفسهم. بالنسبة للبعض، الدعم المقدّم غير كافٍ. وينتهي الأمر بحوالي نصف اللاجئين في البرتغال بالمغادرة إلى دول أوروبية أخرى سعياً وراء فرص أفضل في الحصول على وظائف وسكن لائق، أو للانضمام إلى أفراد الأسرة ومجتمعات أكثر رسوخاً.

تقول ماركيز: "لا تكفي سنة واحدة لتعلم لغة جديدة. كما يتطلّب الاندماج وقتاً". وبتمويل من منظمات دولية وجهات مانحة خاصة متنوعة، والتي استُكمِلت لاحقاً بدعم الدولة، تمكّنت أرض الملجأ من توفير ظروف أفضل للمجموعة الأفغانية. لمدة عام ونصف، دُفِعت جميع نفقات المجموعة، كما حصلوا على معاشات أعلى وأكثر إنصافاً عن عملهم بدوام جزئي في الزراعة وتجديد الأرض. وتضيف ماركيز: "مارتله مكان جيد لتطوير مبادرات جديدة ولتجربة طرق جديدة لاستضافة اللاجئين. حشدت المدينة جهودها بأكملها للترحيب بالمجموعة الأفغانية".

 

حياة جديدة للاجئين أفغان في البرتغال - مبادرة زراعية مستدامة تركز على البيئة والعدالة الاجتماعية والتضامن. Mertola, a small town in southern Portugal famous for its Islamic heritage (image: Marta Vidal)
برامج استضافة اللاجئين حل لتناقص عدد سكان الريف؟ " تقول منسقة الشروع، لورا ماركيز: "ليست الفكرة في أنه ينبغي عليهم البقاء لأن البلدة تحتاج إلى شباب. الفكرة أن هذا المكان يمتلك الظروف المناسبة من أجل مرحلة انتقالية، ومن أجل وصول، شفاء وتجديد. وخلال هذه الفترة من الاستضافة في مكان هادئ وساكن، يملكون بعض الوقت للتفكير فيما يرغبون بفعله ويقررون إن كانوا يرغبون بالبقاء أو الانتقال إلى المدن من أجل العمل والدراسة".

 

خلال العصور القديمة، كانت مارتله ميناءً نهرياً مهماً بسبب موقعها الاستراتيجي على تلة فوق نهر يانة. وتشتهر البلدة بقلعتها التي تعود إلى العصور الوسطى وكنيسة كانت فيما مضى مسجداً وبآثارها الإسلامية. وتبرّع مركز حقل مارتله الأثري بالأرض المستخدمة في الممارسات التجديدية.

كان عالم الآثار البارز في البلدة، كلاوديو توريس، فيما مضى لاجئاً هارباً من الديكتاتورية البرتغالية والحرب الاستعمارية في ستينيات القرن الماضي. حين عاد إلى البرتغال بعد ثورة القرنفل، التي أطاحت بالنظام الديكتاتوري في عام 1974، تخصّص في علم الآثار الإسلامية للمساعدة على الكشف عن الماضي الإسلامي المنسي في البرتغال.

إقامة "علاقات منفعة متبادلة"

ولكن مثل الكثير من مناطق البرتغال الريفية الداخلية، عانت مارتله من التصحّر وانخفاض عدد السكان مع انتقال العديد منهم من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية في العقود الأخيرة.

وتقول نيفيس: "يمكن لبرامج استضافة اللاجئين المتّصلة بالزراعة وتجديد الأرض أن تشكّل طريقة لمعالجة مشاكلنا في المناطق الريفية التي يتناقص عدد سكانها. ويتمثّل الهدف في تطوير علاقات منفعة متبادلة بين المُستَضِيفين والمُستَضَافين".

وتقول: "تقدّم المناطق الريفية السلام والهدوء اللذين يمكن أن يستفيد منهما العديد من الناس. لذلك نحاول التفكير في المناطق الريفية الداخلية بوصفها مكاناً للراحة والتجديد. يمكن أيضاً للقرى والمدن الصغيرة أن تؤدي إلى تفاعل أعمق مع المجتمعات المحلية". لكن ذلك لا يعني أنّ على اللاجئين الاستقرار في هذه المناطق.

تقول ماركيز: "ليست الفكرة في أنه ينبغي عليهم البقاء، لأن البلدة تحتاج إلى شباب. الفكرة أن هذا المكان يمتلك الظروف المناسبة من أجل مرحلة انتقالية، ومن أجل وصول، شفاء وتجديد. وخلال هذه الفترة من الاستضافة في مكان هادئ وساكن، يملكون بعض الوقت للتفكير فيما يرغبون بفعله ويقررون ما إن كانوا يرغبون بالبقاء أو الانتقال إلى المدن من أجل العمل والدراسة".

"حاولوا دفننا. نسوا أننا بذور"

لسنوات عديدة، كانت منظمة الزراعة المستدامة للاجئين (P4R)، شريكة تيرّا دي أبريغو (أرض الملجأ)، تدعم اللاجئين في تحويل الأماكن التي يعيشون فيها. وتعتبر المبادرةُ البستنةَ بوصفها أداة مهمة للاستجابة لأزمات اللاجئين وتعلّم النازحين الزراعة المستدامة التي يمكن استخدامها في مخيمات اللاجئين وكذلك في البلدان المُستقبِلة. تصف المؤسِّسةُ، روزماري مورو، منظمة الزراعة المستدامة بوصفها شبكة من الموارد والمعلومات المشتركة. تقول: "يتمحور الأمرُ حول التعاون وليس المنافسة، وحول العمل على الهوامش، والعمل حيث يكون الأمر مهماً".

 

حياة جديدة للاجئين أفغان في البرتغال - مبادرة زراعية مستدامة تركز على البيئة والعدالة الاجتماعية والتضامن. Sentence painted on the wall of PREC in Portugese: "They tried to bury us. They forgot we were seeds!" (image: Marta Vidal)
تؤكد تجربة البستنة في أوقات الحرب والصراع والنزوح على المثابرة وإمكانية الشفاء والتجديد: أثبتت تجربة روزماري مورو، مُؤسِّسة الزراعة المستدامة من أجل اللاجئين، في العمل في أجزاء مختلفة من العالم، أنها يمكن أن تكون عملية تحويلية، تمكّن النازحين من خلال صِلاتِهم بالأرض وتعزز الأمل والتعاون الاجتماعي وإعادة تأهيل الأراضي. "إنها تمنح الناس شيئًا مهمًا ليفعلوه، وتوفر لهم بعض الطعام، وتساعدهم على التواصل مع جيرانهم وتغير أوضاعهم".

 

والبستنة في أوقات الحرب والنزاع والنزوح هي عبارة عن أسلوب لتأكيد المثابرة وإمكانية الشفاء والتجدّد. وخبرة مورو، في العمل في أجزاء مختلفة من العالم في تدريس الزراعة المستدامة، أوضحت لها أنها يمكن أن تكون عملية تحويلية، تمكِّن النازحين بربطهم بالأرض وتعزيز الأمل والتعاون الاجتماعي وإعادة تأهيل الأراضي. وتقول: "إنها تقدّم للناس شيئاً مهماً للقيام به، وهذا يوّفر لهم بعض الطعام ويساعدهم على التواصل مع جيرانهم ويغيّر وضعهم. يمكن لأي شخص القيام بذلك".

في مارتله، تُستخدم المنتجات الطازجة من قطعة أرض تيرّا سينتروبيكا في إعداد وجبات طعام نباتية تقدّم في مطعم ومقهى ومتجر بقالة باسم PREC، (Regenerative Process in Progress) أي عملية التجديد الجارية، وهدف المكان تشجيع السيادةَ الغذائية والاستهلاك والإنتاج المسؤولَيْن. في وقت الغداء، يمتلئ PREC بأصوات الضحكات والمحادثات المفعمة بالأمل بعدة لغات. وبينما تشارك المجموعة الأفغانية قصصها وخططها للمستقبل، يُمرَّر الغيتار من يد ليد.

تزيّن جملة واحدة الجدار الأبيض: "لقد حاولوا دفننا. نسوا أننا بذور".

 

 

مارتا فيدال

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de