توثيق جرائم حرب أوكرانيا بخبرات من حرب سوريا

رجل يحمل طفلًا أثناء فراره من بلدة إيربين الواقعة غربي كييف - أوكرانيا.
رجل يحمل طفلًا أثناء فراره من بلدة إيربين الواقعة غربي كييف - أوكرانيا.

نظرا لتشابه الحربين السورية والأوكرانية استخدم الباحثون خبرتهم من حرب سوريا لكشف جرائم الحرب في أوكرانيا مستعينين بـ"المصادر المفتوحة المصدر". تقرير كاثرين شير.

الكاتبة ، الكاتب: Cathrin Schaer

يتشابه الصراع في سوريا مع الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا خاصة من حيث تورط روسيا في الحرب في البلدين وفي اتباع موسكو لتكتيكات حربية تكاد تكون متشابهة، ففي كلا البلدين استهدفت القنابل الروسية بنية تحتية مدنية ومدارس ودور رعاية الأطفال ومستشفيات وأسواق في أعمال قصف ترتقي لأن تكون جرائم حرب بموجب القانون الإنساني والقانون الدولي.

وفي الحربين في سوريا وأوكرانيا، يستعين الباحثون بالمصادر المفتوحة المصدر للكشف عن الجرائم المرتكبة خاصة المعلومات المتوفرة عبر الإنترنت بالمجان ووسائل التواصل الاجتماعي وهو السبب وراء تسميتها "مصادر مفتوحة المصدر".

يقوم الباحثون بجمع الأدلة والتحقق منها على نطاق واسع بما يشمل ذلك هوية القوات المهاجمة وتمركزها وعدد الضحايا وحجم الضرر الذي لحق بالبنية التحتية فضلا عن المعلومات عن المعدات العسكرية والأسلحة المستخدمة في شن الهجمات.

ومع بدء التوغل العسكري الروسي في أوكرانيا، شرع المحققون في الاستعانة بالمصادر المفتوحة المصدر مثل المقاطع المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر استخدام هجمات صاروخية.

 

Bellingcat has been logging incidents that appear to depict civilian impact or harm since the beginning of the conflict in Ukraine.



We have now visualised this data in a TimeMap feature that allows users to explore what we have found https://t.co/rUBG22X4SV

— Bellingcat (@bellingcat) March 17, 2022

 

وفي هذا الصدد، يقوم المحققون بإحصاء الدبابات التي تم تدميرها وأسماء القتلى من العسكريين والجنود فيما ينقسم الفريق بين محققين يعملون داخل الأراضي الأوكرانية وآخرين يعملون في دول أخرى في تكرار للسيناريو السوري.

البداية من سوريا

ومع بداية استخدام مجال التحقيق مفتوح المصدر في الصراع السوري، بدأ تطور هذه الوسائل ، لكن الأمر نضج أكثر في الحرب في أوكرانيا.

وفي ذلك، قال إليوت هيغينز، مؤسس موقع "بيلينغكات" المتخصص والرائد في مجال التحقيقات الاستقصائية، "لقد وضع ما حدث في سوريا وأوكرانيا بين عامي 2014 و 2017، الأسس لما يحدث اليوم."

وأضاف "كانت التحقيقات التي أجريناها في الصراع السوري الأساس لكل العمليات التي نستخدمها الآن في أوكرانيا. كذلك شكل الصراع السوري بداية علاقتنا الحالية مع مجتمع التكنولوجيا ومنظمات المحاسبة الدولية وصانعي القرار السياسي وغيرهم".

 

مؤسس موقع "بيلينغكات" المتخصص والرائد في مجال التحقيقات الاستقصائية إليوت هيغينز (يسار) خلال حديث للإعلام (أرشيف). UK Eliot Higgins Bellingcat Foto Getty Images
مؤسس موقع "بيلينغكات" المتخصص والرائد في مجال التحقيقات الاستقصائية إليوت هيغينز (يسار) خلال حديث للإعلام (أرشيف).

 

ولعبت منظمة "منِمونيك" أو Mnemonic غير الربحية ومقرها برلين، دورا رئيسيا في جهود التحقيق في جرائم ارتكبت في الصراع السوري عبر مشروعها "الأرشيف السوري" للحفاظ على الأدلة الرقمية عن وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان خاصة وأنها مهددة بالاختفاء.

وخرج مشروع "الأرشيف السوري" إلى النور عام 2014 على يد الصحافي السوري والخبير في مجال الرقمنة هادي الخطيب بعد أن لاحظ ضياع أدلة محتملة على جرائم حرب إذ لم يكن نشطاء حقوق الإنسان يمتلكون في ذاك الوقت تقنيات لتخزين المقاطع المصورة وغيرها من مواد قاموا بنشرها وتسجيلها عن الصراع السوري.

ولم يتوقف عمل الخطيب على الصراع السوري بل امتد إلى اليمن والسودان ليبدأ مؤخرا في تدشين "الأرشيف الأوكراني" لحفظ المواد من مقاطع مصورة وصور يعتبرها موقع بيلينغكات ذات أهمية.

وفي ذلك، يقول الخطيب "لم يستغرق الأمر سوى بضعة أيام حتى استطعنا إنشاء الأرشيف الأوكراني. نملك المعرفة والخبرة في إنشاء مثل هذا الأرشيف، إذ نعلم أن هناك معايير وبروتوكولات معينة يجب وضعها للحفاظ على هذه المواد".

وفي حالة رغبة المنظمة في استخدام هذه الأدلة الرقمية في ساحات المحاكم، يتعين عليها الكشف عن المصادر والتأكيد بأنها لم تتعرض للتلاعب. وفي هذا السياق، قال الخطيب "لقد تعلمنا كل شيء خلال عملنا في الصراع السوري، فقد استغرق الأمر سنوات حتى نصل إلى هذه المرحلة فيما يتعلق بالمواد الخاصة بسوريا."

وأضاف أن منظمة "منِمونيك" تعمل على تدريب نشطاء أوكرانيين على كيفية التعامل مع المواد الخام من صور وفيديوهات وغيرها، وهو الأمر الذي لم يحظَ به النشطاء السوريون إلا مؤخرا.

خبرة في تحديد جرائم الحرب

 

إنقاذ الأطفال من تحت الأنقاض في حلب ، سوريا. Rescuing babies from the rubble in Aleppo, Syria (photo: Getty Images/AFP)
الخطيب: "ما حدث في حلب عام 2016، يحدث الآن في أوكرانيا": خرج مشروع "الأرشيف السوري" إلى النور عام 2014 على يد الصحافي السوري والخبير في مجال الرقمنة هادي الخطيب بعد أن لاحظ ضياع أدلة محتملة على جرائم حرب إذ لم يكن نشطاء حقوق الإنسان يمتلكون في ذاك الوقت تقنيات لتخزين المقاطع المصورة وغيرها من مواد قاموا بنشرها وتسجيلها عن الصراع السوري. ولم يتوقف عمل الخطيب على الصراع السوري بل امتد إلى اليمن والسودان ليبدأ مؤخرا في تدشين "الأرشيف الأوكراني" لحفظ المواد من مقاطع مصورة وصور يعتبرها موقع بيلينغكات ذات أهمية.

 

وأشار الخطيب إلى أن الخبرة التي اكتسبها الباحثون العاملون في مجال التحقيق عبر المصادر المفتوحة، لم تكن بالسهلة.

وفي مقابلة مع دويتشه فيله، أضاف "أدركنا استخدام ذخائر عنقودية في أوكرانيا بمجرد رؤيتها وهو الأمر الذي تعلمناه من سوريا. لقد عرفنا كيف يمكن استخدامها وما ينجم عنها من انفجارات صغيرة مختلفة تقع في الوقت نفسه على نحو عشوائي".

وعلى وقع الهجمات الروسية التي استهدفت مناطق مدنية ومستشفيات ومزارع في سوريا، أسست منظمة "منِمونيك" ما أطلق عليه الخطيب اسم "تحليل أفضل للأنماط".

وفي هذا السياق، قال الخطيب إن هناك مؤشرات معينة تخلص إلى القول بأن استهداف مستشفى للولادة في في  ماريوبول بصاروخ لم يكن بالخطأ.

 

"Our city center is being erased." That's what one witness to the war in Kharkiv, Ukraine's 2nd city, told @hrw. We mapped the homes of the people we spoke to to videos of their neighborhoods, schools, churches, shops destroyed in 1st 11 days. Explore here https://t.co/HDbnjCeIAO pic.twitter.com/FZ85VWtt8i

— Sam Dubberley (@samdubberley) March 18, 2022

 

 

 

وقال الخطيب "يتعين علينا إثبات أن هناك نية متعمدة ولدينا منظومة عمل واضحة في هذا الإطار إذ نفهم كيفية القيام بذلك في الوقت الحالي بسبب أن ما تتعرض له ماريوبول وخاركيف  تعرضت له مدينة حلب  عام 2016."

بدوره، قال سام دوبيرلي، الذي يرأس مختبر التحقيقات الرقمية في منظمة هيومن رايتس ووتش، إن التكنولوجيا المستخدمة في التحقيقات المفتوحة المصدر قد طرأ عليها الكثير من التغيرات، موضحا أن كاميرات الهواتف المحمولة باتت أفضل في الوقت الحالي كما هو الحال فيما يتعلق بسرعة الاتصال بالإنترنت.

ووفقا لبيانات البنك الدولي، فإن أكثر من 70 بالمائة من سكان أوكرانيا كان لديهم إمكانية الاتصال بالإنترنت قبل بدء الحرب فيما شدد دوبيرلي على أن التحقيقات المفتوحة المصدر يُنظر إليها الآن باعتبارها ذات مصداقية وضرورية.

وأضاف "عندما اندلعت الثورة السورية عام 2011، كنا نفكر في معنى هذا العمل وكيف يتم استخدام ما نقوم به، لكن اليوم لدينا محادثات متطورة ولا يتحتم علينا الدخول في إقناع أي شخص بأهمية العمل الذي ننجزه."

ويعد مجال التحقيق باستخدام المصادر المفتوحة ليست بالجديد، إذ يعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية والذي كان يُطلق عليه في حينه "معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر"، إذ شرعت وكالات الاستخبارات في ذاك الوقت في مراقبة وسائل الإعلام الأجنبية.

بيد أن اليوم وبفضل الكم الهائل من الموارد المتاحة عبر الإنترنت، يستخدم الباحثون في مجال التحقيقات مفتوحة المصدر كل شيء بداية من الصور والمقاطع المصورة المنشورة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي وحتى المواقع الخاصة برصد حركة الطيران والسفن مرورا بصور الأقمار الصناعية والتطبيقات الخاصة بالتنصت على المحادثات غير الآمنة عبر أجهزة الراديو أو الهواتف.

نحو تحقيق العدالة

ورغم التطور الكبير الذي طرأ على التحقيقات المفتوحة المصدر، إلا أن دوبيرلي يؤكد على أن نتائج مثل هذه التحقيقات ليست كافية لوحدها لرفع دعاوى قانونية ضد مجرمي حرب مشتبه بهم إذ هناك حاجة إلى مواد إضافية مثل إجراء مقابلات مع شهود العيان.

من جانبه، يشدد الخطيب على ضرورة وجود إرادة سياسية للبدء في تحقيقات انتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم الحرب، مضيفا "هناك العديد من الدول والمنظمات الأوروبية تقوم بالتحقيق حيال ما يحدث في أوكرانيا" خلافا للأزمة السورية.

 

وقفة في كوبلنس بألمانيا للمطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب في سوريا خلال محاكمة متهمين (فيما بعد مدانين) بارتكاب جرائم حرب. Deutschland Prozess um Verbechen im syrischen Bürgerkrieg in Koblenz Foto Getty Images
وقفة في كوبلنس بألمانيا للمطالبة بمحاكمة مجرمي الحرب في سوريا خلال محاكمة متهمين (فيما بعد مدانين) بارتكاب جرائم حرب.

 

وفي هذا السياق، أوضح الخطيب "في سوريا انخرطنا في صراع كبير، لذا أعتقد أنه ينبغي على هذه الدول والمنظمات التفكير فيما فعلته روسيا في سوريا. إنه لأمر مهم للغاية بالنسبة لنا حيث ارتكبت (نفس الجرائم) لكن في بلدين مختلفتين."

ورغم وجود أوجه تشابه بين التكتيكات العسكرية الروسية، إلا أن العديد من الباحثين في مجال التحقيقات المفتوحة المصدر لديهم رغبة في عدم تكرار السيناريو السوري في أوكرانيا، وفقا لما أشار إليه إليوت هيغينز، مؤسس موقع "بيلينغكات".

وقال "الكثير من الأشخاص ممن يقومون بهذه التحقيقات أنفسهم شاهدوا روسيا وهي تفلت من (المساءلة) حيال ما وقع في سوريا. هناك بعض الإحباط والغضب، لكن هذا يعد محفزا للكثيرين إذ يرون أن (الصراع في أوكرانيا) فرصة لتحقيق العدالة".

 

 

كاثرين شير

ترجمة: م ع

حقوق النشر: دويتشه فيله 2022

 

 

ar.Qantara.de