الترجمة بوابة للتسامح وجسر للتعريف بالآخر

تعد الترجمة الخيط الناظم الذي يربط بين المجتمعات ويدعم نسيج الحضارة الإنسانية والجسر الذي يربط الشعوب المتباينة المتباعدة ويقربها. وانطلاقا من هذا الدور استضافت جامعة النجاح الفلسطينية وبمشاركة ألمانية مؤخرا مؤتمرا دوليا بعنوان "دور الترجمة في حوار الحضارات". مهند حامد يطلعنا على أهم جوانب هذا المؤتمر.

جانب من المؤتمر، الصورة: جامعة النجاح الوطنية
"التفاعل بين الثقافات والحضارات المختلفة يعتمد على الترجمة، ليس باعتبارها ترفاً فكرياً، بل باعتبارها حاجة إنسانية ملحة"

​​ "الترجمة لها مدلولات ومعان إنسانية لتواصل البشرية عبر آلاف السنين، فكلّ دوّن هذا النتاج بلغته وليس من السهل نقل حضارة إلى أخرى إلا بمعرفة الإنسان للغة الإنسان الآخر وخير وسيلة لذلك هي الترجمة"، بهذه الكلمات افتتح رئيس جامعة النجاح الوطنية، رامي حمد الله، المؤتمر الدولي الثاني الذي نظمته الجامعة مؤخرا وبالتعاون مع معهد غوته بعنوان "دور الترجمة في حوار الحضارات" والذي شارك فيه متحدثون وباحثون من فلسطين ودول عربيه وأوربية .‏

وأضاف حمد الله "أن الحوار يهدف إلى تقوية التواصل في فهم الحضارة في إطار من التعاون المبني على الاحترام المتبادل والأمانة والدقة ". وأشار المتحدثون في مداخلاتهم إلى أن الترجمة يجب أن تكون وسيلة لفتح الباب للمزيد من المنافسة المعرفية والاستفادة من تجارب الحضارات في شتى الميادين. وبدوره أشار الدكتور يحيى جبر، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، إلى أن القواسم المشتركة بين الناس أكثر من أوجه الاختلاف، ودعا إلى ضرورة تعاون الحضارات فيما بينها والتحاور بهدوء بعيدا عن أشكال الصدام والأحكام المسبقة والانفتاح على ثقافة الآخر من خلال بوابة الترجمة التي هي نتيجة حتمية لهذا التواصل الكوني. واعتبر أن التفاعل بين الثقافات والحضارات المختلفة يعتمد على الترجمة، ليس باعتبارها ترفاً فكرياً، بل باعتبارها حاجة إنسانية ملحة، أملتها شروط الاختلاف والتعددية القائمة بين الأمم والشعوب.

 

مشاريع ألمانية لدعم حوار الحضارات وكان للتجربة الثقافية الألمانية بالترجمة حضورها في المؤتمر من خلال الأستاذ الدكتور هانس فيرمير، من جامعة يوهانس جوتنبرغ/ماينز في ألمانيا ممثلاً عن المعهد الثقافي الألماني في رام الله "غوته"، الذي أكد على "أن العمل بالأدب والشعر جزء مهم من عمل معهد غوته في الأراضي الفلسطينية".

 

وأشار فيرمير إلى أن هناك عددا من المشاريع التي من شأنها دعم الترجمة وحوار الثقافات، مثلا من خلال إطلاق برامج لدعم الترجمة من خلال الانترنت، وكذلك ترجمة بعض الكتب من الألمانية للعربية. كما أكد على أن بلاده تولي اهتماما بالأدب الفلسطيني من خلال العديد من المشاريع والمبادرات في مجال الأدب والشعر والمسرح.

 

الترجمة تحمل رسالة السلام والتسامح

صورة رمزية، الصورة: د.ب.ا
"الترجمة يجب أن تكون وسيلة لفتح الباب للمزيد من المنافسة المعرفية والاستفادة من تجارب الحضارات"

​​ وأما الأستاذ سلمان الناطور، فقد تحدث عن تجربته الشخصية في ترجمة ونقل الثقافة العبرية إلى العربية من خلال ترجمته خمسة عشر كتاباً، مؤكدا أن ترجمة الثقافة العبرية يندرج في إطار معرفة الآخر التي هي مهمة الترجمة الأولى. وأضاف بأن الترجمة وسيلة لفهم الآخر في زمن السلام والحرب؛ فالترجمة هي الأداة التي يمكننا بها مواكبة الحركة الفكرية والثقافية في العالم.

وكان المؤتمر قد شهد حضورا كبيرا من الباحثين والمهتمين بشؤون الترجمة وحوار الحضارات ، بالإضافة إلى حضور عدد كبير من الطلاب الذي فتحوا باب النقاش والمداخلات التي أثرت المؤتمر وأكدت على ضرورة فهم الآخر وانفتاح الثقافات والشعوب على بعضها بعضا من منطلق تسامحي مبني على احترام الآخر ومراعاة الخصوصية الثقافية لكل بلد، بوصف الترجمة إداة ريادية في إذابه الحواجز المعرفية بين جميع الحضارات. وتحدث إيهاب أحمد، طالب في كلية الشريعة الإسلامية في الجامعة، عن ضرورة ترجمة الكتب الدينية التي تحمل الصورة الصحيحة عن الإسلام المتسامح وتوخي الدقة والأمانة العلمية في الترجمة بعيدا عن كل التشويهات والتحريفات، لتغيرالصوره النمطية عند المجتمعات الغربية عن الإسلام ، التي غذتها ثقافة تلفزيونية مستمده من التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وبالتالي خلق فرصة لاطلاع على الثقافة الإسلامية عند الغرب الذي من شأنه تعزيز التسامح والتقليل من التخوف الديني لدى الغرب من الإسلام.

 

وصايا عديدة للمؤتمر

جانب من فعاليات المؤتمر، الصورة: جامعة النجاح
"الترجمة وسيلة لفهم الآخر في زمن السلام والحرب؛ فالترجمة هي الأداة التي يمكننا بها مواكبة الحركة الفكرية والثقافية في العالم"

​​ وخلص المؤتمر إلى دعوة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى إقامة مركز فلسطيني للترجمة تخصص له الميزانيات ويرفد بالخبراء لإعداد برامج للترجمة وتنفيذها. كما أوصى المؤتمرون بأن يعقد المؤتمر بشكل دوري وأن يركز في كل دوره من دوراته على جانب معين من جوانب الترجمة كالترجمة الأدبية أو نظريات الترجمة أو تدريس الترجمة، وكذلك أن تولي الجهات الرسمية والأكاديمية مزيدا من الاهتمام بالترجمة باعتبارها العامل الأساس لإنجاح حوار الحضارات، كما أنها الوسيلة الأهم لنقل المعرفة وتعميمها، ناهيك عن السعي لشرح القضايا الوطنية للمجتمع الدولي. كما أوصى المؤتمرون بسن قانون حماية الملكية الفكرية وتطبيقه بما يضمن للمترجم والمؤلف حقوقهم، بالإضافة إلى توصية بتخصيص جائزة مالية سخية من قبل السلطة الوطنية وتمنح سنويا لأفضل مترجم وأفضل عمل مترجم داخل فلسطين. كما طالب المشاركون أيضا بالإعلان عن العام الوطني الفلسطيني للترجمة وضرورة تكثيف الجهود لترجمة الكتب المتعلقة بنظرة الآخر إلى المجتمع الإسلامي وأفكاره. مهند حامد حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

حوار مع ياسر حارب: "التبادل الثقافي إكسير الحضارة الإنسانية"

يري ياسر حارب، نائب المدير التنفيذي لقطاع الثقافة في مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، أن التواصل الثقافي يلعب دورا محوريا في التقريب بين الشعوب والثقافات بصورة عامة، وتوثيق العلاقات بين العالمين العربي والغربي بصورة خاصة. لؤي المدهون حاور ياسر حارب في فرانكفورت حول آفاق وأهداف مشاريع مؤسسة آل مكتوم الثقافية الطموحة. رابطة الحوار الثقافي عبر المتوسط "يورينت eurient": الترجمة جسر ثقافي ووعاء للفكر الإنساني

 

يشكل مشروع رابطة الحوار الثقافي عبر المتوسط "يورينت eurient" لتبادل الخبرات في الترجمة بين الألمانية والعربية دفعة قوية لديمومة الحوار الثقافي بين ألمانيا والعالم العربي ومنصة مهمة لإعادة تشكيل الوعي الثقافي بالآخر ومنطلقا مهما لـتأسيس قواعد حوار ثقافي جدي ورصين. منى صالح تعرفنا بهذا المشروع الثقافي. غياب التنسيق وعدم احترام الملكية الفكرية والرقابة: الترجمة في مجتمع بلا معرفة

تشير الإحصاءات في العالم العربي الى تراجع الكتاب المقروء وإلى وتراجع مستويات الترجمة. في المقال التالي يتناول الكاتب والناشر خالد المعالي المبادرات العربية للترجمة والصعوبات التي يواجهها المترجمين ودور النشر المهتمة بنشر كتب مترجمة إلى العربية.