هل يحل النفط الليبي أزمة الوقود العالمية؟

تمتلك ليبيا تاسع أكبر احتياطي نفطي بالعالم، هل سيكون هناك حل سياسي يؤدي إلى زيادة الإنتاج من هذا الاحتياطي الضخم؟
تمتلك ليبيا تاسع أكبر احتياطي نفطي بالعالم، هل سيكون هناك حل سياسي يؤدي إلى زيادة الإنتاج من هذا الاحتياطي الضخم؟

يرى خبراء أن زيادة إنتاج النفط الليبي يساعد على خفض أسعار وقود العالم بل ويعيد الاستقرار إلى ليبيا التي عانت من الانقسامات بعد سقوط نظام القذافي. فما الدور الفعلي للنفط الليبي؟ استكشاف كاثرين شير.

الكاتبة ، الكاتب: كاثرين شير

مع بدء انخفاض أسعار النفط بشكل طفيف على مستوى العالم بدأت الأنظار تتجه إلى دولة لم تكن مرشحة في السابق لحل أزمة الوقود العالمية، لكن كان يتعين الإشادة بفضلها في إحداث هذا التغيير. فعلى الرغم من مساعي الولايات المتحدة لحث السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم، لضخ المزيد من النفط للتخفيف من أزمة ارتفاع أسعار الوقود العالمية، إلا أن الرياض لم تستجب لهذه المطالب على نحو جدي. وفي ظل ذلك، أشار محللو شؤون الطاقة وخبراؤها إلى أن ليبيا ساعدت في خفض أسعار النفط العالمية إلى أقل من مئة دولار (98 يورو) للبرميل في أوائل أغسطس / آب 2022 بفضل ما تنتجه من النفط.

وقد ارتفع إنتاج النفط الليبي إلى أكثر من مليون برميل يوميا مرة أخرى منذ منتصف يوليو/ تموز بعد انخفاض مضطرب استمر لشهر فيما كان المعدل يبلغ نصف ما كانت تنتجه ليبيا من النفط في السابق فيما يرجع ذلك بشكل كبير إلى حالة عدم الاستقرار السياسي التي لا تزال البلاد تئن تحت وطأتها. وإزاء ذلك، يرى خبراء أن عودة إنتاج النفط في ليبيا إلى معدلاته الطبيعية لن يسهم فقط في عودة التوازن في أسواق النفط العالمية بما في ذلك خفض الأسعار، وإنما أيضا قد يسهم في عودة الاستقرار السياسي إلى البلاد.

الرئيس بايدن وليبيا

في تعليقه على هذا الأمر، قال بن فيشمان، الباحث الأمريكي في الشأن الليبي والزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن الإدارة الأمريكية باتت في حاجة إلى بذل المزيد لتعزيز الاستقرار السياسي في ليبيا والدفع صوب ضخ المزيد من النفط الليبي في الأسواق العالمية.

 

احتجاجات في ليبيا. Protest in Libyen Foto Reuters
الوضع السياسي غير المستقر عرقل عودة إنتاج ليبيا من النفط إلى معدلات ما قبل عام 2011، فهل يستمر هذا الوضع؟ روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تحاول أن تمارس نفوذا في ليبيا إذ يدخل في هذا السياق دول أخرى مثل تركيا والإمارات ومصر وهي دول يُنظر إليها باعتبارها صديقة لموسكو. وفي هذا السياق، طالت الإمارات اتهامات بأنها وراء تغيير قيادة المؤسسة الوطنية للنفط، فيما تدعم "مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية الروسية السيئة الصيت خليفة حفتر، أيضا من خلال تمركز عناصر المجموعة قرب منشآت نفطية في شرق ليبيا.

 

وفي مقال نُشر في يوليو/ تموز 2022 تحت عنوان "ليبيا قد تُنجح أو تُفشل دبلوماسية بايدن النفطية في الشرق الأوسط"، أضاف الباحث أن ليبيا تعد مستثناة من قيود الإنتاج المفروضة على أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

يشار إلى أن بلدان منظمة أوبك وافقت على إنتاج مئة ألف برميل إضافي فقط من إجمالي النفط بشكل يومي استجابة لطلبات واشنطن لزيادة الإنتاج رغم أن الزيادة المقررة تعد طفيفة بشكل نسبي.

وفيما يتعلق بليبيا، فإن إنتاجها من النفط غير مقيد بسقف إنتاج "أوبك"، كذلك يُمكن أن تضيف من نصف مليون إلى مليون برميل نفط إضافي إلى السوق بشكل يومي.

ورغم أن ليبيا لا تزال حبيسة وضع سياسي غير مستقل فضلا عن اقتتال داخلي وأعمال عنف منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في عام 2011، إلا أن إنتاجها من النفط لم يتوقف إذ يرجع ذلك إلى اعتمادها على عائدات النفط حيث تشكل المنتجات النفطية حوالي 94 بالمائة من الصادرات وحوالي 60 بالمائة من الدخل القومي في ليبيا.

مشاكل زيادة الإنتاج النفطي

وربما بسبب الأوضاع السياسية، تباين حجم الدخل النفطي في ليبيا على مدى السنوات القليلة الماضية. وفقا لتقديرات البنك الدولي، فإن إنتاج ليبيا من النفط كان يبلغ في المتوسط​​ 1.3 مليون برميل يوميا قبل انتفاضة عام 2011، لكنه انخفض إلى 400 ألف برميل يوميا عام 2020 جراء الصراع السياسي بين حكومتين إحداهما تتمركز في شرق البلاد والأخرى في غربها.

 

ارتفاع أرباح شركات النفط الكبرى 2022. Infografik Hohe Profite der Ölkonzerne AR Grafik  DW
ارتفاع أرباح شركات النفط الكبرى 2022.

 

وفي عام 2021 عاد إنتاج ليبيا من النفط إلى حوالي 1.2 مليون برميل يوميا في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار منتصف العام السابق. بيد أن الإنتاج أخذ في الانخفاض مرة أخرى منذ ذلك الحين فيما أرجعت وكالة "بلومبرغ" للأنباء ذلك بشكل كبير إلى الحصار العسكري المفروض من قبل مجموعات محلية وقبلية على منشآت النفط ومحطات تصدير وسط احتدام الجدل حول من يجب أن يرأس المؤسسة الوطنية للنفط المملوكة للدولة والوحيدة التي يُسمح لها بتصدير النفط خارج البلاد.

حلفاء وأعداء

وقد انتهى آخر إغلاق لمنشآت النفط الليبية في منتصف يوليو / تموز 2022 في أعقاب موافقة الحكومة الليبية التي تتخذ من غرب ليبيا مقرا لها على تعيين المصرفي البارز فرحات بن قدارة رئيسا جديدا للمؤسسة الوطنية للنفط. ويُنظر إلى بن قدارة باعتباره حليفا لخليفة حفتر، رجل ليبيا القوي في شرق البلاد، الذي تحالفت معه جماعات قبلية كانت تُحاصر منشآت إنتاج النفط.

وفي المقابل، كان يُنظر إلى تعيين بن قدارة باعتباره وسيلة من الحكومة لإرضاء حفتر وإعادة تدفقات النفط بالكامل مرة أخرى. والجدير بالذكر أن وزارة النفط الليبية قد أعلنت في السابق أنها ستسعى لإنتاج ما بين مليوني ومليوني ونصف المليون برميل يوميا خلال السنوات الخمس المقبلة. ومن شأن إنتاج مستدام كهذا أن  يُحدث فرقا كبيرا في أسعار النفط العالمية فيما لا تتوقف أهمية ليبيا على ما تنتجه من نفط، وإنما أيضا بما تذخر به من الغاز ما يؤهلها لأن تصبح موردا للقارة الأوروبية بفضل قربها من إيطاليا التي تحصل على معظم صادرات الغاز الليبية. وعن ذلك، قال السفير الإيطالي لدى ليبيا جوزيبي بوتشينو في أبريل / نيسان 2022 إنه يرى أن زيادة صادرات الغاز الليبي بنسبة 30 بالمائة ستكون ممكنة بضخ استثمارات لا تتجاوز مليار دولار، لكن شريطة وجود سلطة تنفيذية قوية ومشتركة في طرابلس.

التدخل الأجنبي

بدوره، قال طارق مجريسي، الباحث المتخصص في الشأن الليبي والزميل البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن دعم أوروبا في إنهاء حالة عدم الاستقرار السياسي في ليبيا قد يحولها إلى "شريك ذي قيمة". وأضاف الباحث في تقرير نُشر في يوليو / تموز 2022 "إذا ساعد الأوروبيون ليبيا فيمكنهم إضعاف المصالح الرئيسية للسياسة الخارجية الروسية وأيضا تحقيق الاستقرار في ممر رئيسي للطاقة يقع بين شمال إفريقيا وأوروبا".

لكن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تحاول أن تمارس نفوذا في ليبيا إذ يدخل في هذا السياق دول أخرى مثل تركيا والإمارات ومصر وهي دول يُنظر إليها باعتبارها صديقة لموسكو. وفي هذا السياق، طالت الإمارات اتهامات بأنها وراء تغيير قيادة المؤسسة الوطنية للنفط، فيما تدعم "مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية الروسية السيئة الصيت خليفة حفتر، أيضا من خلال تمركز عناصر المجموعة قرب منشآت نفطية في شرق ليبيا.

ماذا عن الداخل الليبي؟

من جانبه، يؤكد عماد الدين بادي، الزميل البارز في برنامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، على ضرورة دعم الأطراف الليبية لعودة استقرار إنتاج النفط والغاز في البلاد. وفي مقابلة مع دويتشه فيله، قال إن هذا الأمر قد يكون خطوة هامة تمهد الطريق أمام حل حقيقي للأزمات السياسية في ليبيا التي تفاقمت عقب تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كان من المقرر إجراؤها معا في 24  ديسمبر /كانون الأول 2021.

 

خليفة حفتر - رجل ليبيا القوي في شرق البلاد.Libyen Chalifa Haftar Foto Getty Images
قوات الجنرال خليفة حفتر تسيطر على شرق ليبيا حيث مناطق النفط، ما هو الثمن السياسي الذي يريده مقابل اتفاق على زيادة الإنتاج؟ انتهى آخر إغلاق لمنشآت النفط الليبية في منتصف يوليو / تموز 2022 في أعقاب موافقة الحكومة الليبية التي تتخذ من غرب ليبيا مقرا لها على تعيين المصرفي البارز فرحات بن قدارة رئيسا جديدا للمؤسسة الوطنية للنفط. ويُنظر إلى بن قدارة باعتباره حليفا لخليفة حفتر، رجل ليبيا القوي في شرق البلاد، الذي تحالفت معه جماعات قبلية كانت تُحاصر منشآت إنتاج النفط.

 

وأشار بادي إلى هذه المعضلة في تقرير عن صناعة النفط الليبية نشرته مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية في يونيو / حزيران 2022 قائلا: "إن معالجة نقاط الضعف في قطاع النفط الليبي يعد أمرا معقدا". ورغم ذلك، قال الباحث إن التحديات التي تواجه قطاع النفط الليبي قد تكون "أكثر قابلية للمعالجة مقارنة ببعض الديناميكيات الرئيسية الأخرى التي تفاقم الوضع الهش في ليبيا."

الحلول البسيطة غير ممكنة

وفي ظل هذه المعطيات، قال بادي إن التفاؤل قد يبدو سيد الموقف، لكنه أضاف "نرى فقط حوارا موسعا بشأن تقاسم الموارد (النفطية) كشرط أساسي لعودة الاستقرار في البلاد على المدى الطويل". وأشار إلى أن "إغلاق ( المنشآت النفطية) يُجرى استخدامه كأداة في الحرب الاقتصادية، فضلا عن أن السماح بحدوث هذه السابقة يعد أمراً سيئا لأي شخص أو جهة تسعى لتحقيق استقرار سياسي واستقرار في قطاع الغاز والنفط في ليبيا على المدى الطويل ".

وفي مقابلة مع دي دبليو، قال جلال حرشاوي، المتخصص في الشأن الليبي والباحث في "المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن"، إن القضية ليست بهذه السهولة فهي "لا تمثل سوى بُعدٍ واحدٍ". وأضاف "بالنظر إلى عام 2019، فقد تصرفت المؤسسة الوطنية للنفط بمسؤولية وكان إنتاج النفط مرتفعا، فيما كانت تتعرض طرابلس للقصف، وكان خليفة حفتر يقود حملة عسكرية خلفت آلاف القتلى والجرحى وأسفرت عن عملية نزوح". وفي هذا السياق قال حرشاوي "إن ما يهم هو السلطة وليس العائدات النفطية أو التوزيع العادل لها"، مضيفا أنه كلما زادت قوة الأطراف الفاعلة على أرض الواقع في ليبيا مثل الأطراف الداعمة لحفتر "سعت إلى الحصول على ما يفوق حصتها العادلة، وهناك أطراف وللأسف قد لا تقبل بذلك أيضا".

 

 

 

كاثرين شير

ترجمة: م ع

حقوق النشر: دويتشه فيله 2022

 

 

 

ar.Qantara.de