طموحات إردوغانية لتعزيز مكانة تركيا الإقليمية

بإعادة التحالف بين الأتراك والأكراد وإنهاء الصراع بينهم، وَضَعَ إردوغان خطة تؤمِّن لتركيا الاستفادة من تغير الخريطة الإقليمية في الشرق الأوسط، وتضمن لتركيا أمن الطاقة في المنطقة ولإردوغان السيطرة السياسية داخلياً، رغم المعارضة الأمريكية للاتفاقية الاقتصادية بين تركيا وإقليم كردستان العراق، كما يرى سنان أولغن الباحث في الدراسات الاقتصادية والسياسية.

الكاتبة ، الكاتب: Sinan Ulgen

إن الصراع في الشرق الأوسط لا يهدد أمن العديد من دوله فحسب، بل وأيضاً قدرتها على البقاء. فقد أحكم الاقتتال الطائفي قبضته الآن على سوريا والعراق ولبنان وغيرها، فأصبحت عُرضة لخطر التمزق إلى دويلات عرقية، وهو ما من شأنه أن يحول هيئة المنطقة التي رُسِمَت جغرافيتها السياسية قبل ما يقرب من قرن من الزمان.

بعد التدقيق في المشهد الإقليمي، خرج رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بتصور لخطة جريئة لتعزيز مكانة تركيا الإقليمية وبسط هيمنته السياسية في الداخل. وفي مواجهة نهاية فترات الولاية الثلاث التي فرضها على نفسه كحد أقصى لمنصب رئيس الوزراء، فهو عازم الآن على تغيير الدستور التركي لإدخال النظام الرئاسي ــ ووضع نفسه على القمة بوصفه أول رئيس يمارس قدراً موسعاً من السلطة.

إنهاء الصراع مع الأكراد

ولكن خطة إردوغان تتوقف على إنهاء ثلاثين عاماً من الصراع بين تركيا وسكانها الأكراد. ونتيجة لهذا، فقد قررت حكومة إردوغان التفاوض مع عبد الله أوجلان، الزعيم السجين لحزب العمال الكردستاني، حركة المقاومة الكردية المسلحة.

والأمل هنا معقود على التوصل إلى اتفاق على دستور جديد أكثر ليبرالية، يعزز حقوق الأقلية العرقية الأكبر في تركيا ويتضمن نقل قدر كبير من السلطة للحكومات الإقليمية. وفي المقابل، يُنتَظَر من حزب العمال الكردستاني أن ينهي ثلاثة عقود من الكفاح ضد الدولة التركية.

مقاتلون من حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. غيتي إميجيس
نهاية لعقود من الصراع: بدأ مقاتلو حزب العمال الكردستاني، المحظور ، في 8 مايو/ أيار 2013 بالانسحاب من تركيا، في خطوة نحو مسار حل سلمي تدريجي.

​​

وفي الحادي والعشرين من مارس/آذار، في إطار مسيرة حاشدة شارك فيها مليون شخص تقريباً في مدينة ديار بكر في جنوب شرق تركيا، ألقى أوجلان رسالة سلام من معتقله، فدعا إلى إنهاء الكفاح المسلح، ووجه الدعوة إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني بمغادرة البلاد.

دور تاريخي؟

كان الرهان عالياً للغاية بالنسبة لإردوغان الذي يقضي تصوره بطرح التعديلات الدستورية وشروط السلام للاستفتاء العام، وهي الصلة الكفيلة بتحويل السياسة التركية. فإذا نجحت المفاوضات، فسوف يتذكره الناس لدوره التاريخي في جلب السلام، ومن المرجح أن تكون فرصته أفضل في تحقيق طموحاته الرئاسية، بعد حصوله على الدعم البرلماني لتعديل الدستور من حزب السلام والديمقراطية الكردي.

أما إذا فشلت المفاوضات فسوف يتم تحميل إردوغان المسؤولية عن أي تدهور في البيئة الأمنية نتيجة لهذا الفشل. وتسلط رواية مسربة مؤخراً لاستراتيجية أوجلان الضوء على المخاطر المحدقة، فهي تزعم أن زعيم حزب العمال الكردستاني يهدد الحكومة بحرب شاملة.

مسار اقتصادي

ومن ناحية أخرى، تسلك الحكومة التركية مساراً منفصلاً للمفاوضات، من خلال التقارب مع سلطة كردية أخرى ــ حكومة إقليم كردستان في شمال العراق. ويتلخص التصور الأساسي هنا في دمج كردستان العراقية في الاقتصاد التركي.

والواقع أن تركيا تورِّد بالفعل أغلب واردات اقتصاد حكومة إقليم كردستان، والتي تشكل نحو 70% من صادرات تركيا إلى العراق في العام الماضي 2012، والتي بلغت 11 مليار دولار أميركي. ولكن اتفاق الطاقة الأوليّ بين تركيا وحكومة إقليم كردستان هو الذي من المقرر أن يرسي الأساس لتحالف استراتيجي حقيقي.

بئر نفط في كركوك. د ب أ
تقارب سياسي وحسابات سياسية: تخطط الحكومة التركية لاتفاقية شاملة للطاقة مع منطقة الحكم الذاتي لكردستان العراق، والتي ستشكل أساساً لتحالف استراتيجي حقيقي في المنطقة.

​​

ويعتقد أن هذا الاتفاق الذي لم يتم الكشف عنه يمنح تركيا تنازلات كبيرة للتنقيب في حقول النفط والغاز الجديد في شمال العراق، فضلاً عن أسعار تفضيلية للصادرات من الطاقة إلى تركيا. وفي المقابل، تساعد تركيا حكومة إقليم كردستان في إنشاء البنية الأساسية لخط الأنابيب الذي سيسمح بتصدير النفط والغاز إلى تركيا من دون الاعتماد على خط أنابيب العراق الوطني، الذي تسيطر عليه الحكومة المركزية في بغداد.

فرصة هائلة

وداخل الحكومة التركية، يُنظَر إلى هذه الانفراجة باعتبارها فرصة هائلة لتقليل اعتماد تركيا الثقيل على واردات الطاقة. وبالإضافة إلى تأمين إمدادات الطاقة، فإن الاتفاق من شأنه أن يساعد تركيا في التغلب على عجز الحساب التجاري المزمن: نحو 70% من عجز تركيا التجاري الذي يبلغ 84 مليار دولار أميركي يرجع إلى فاتورة الواردات من إمدادات الطاقة.

وبالنسبة لحكومة إقليم كردستان، فإن الصفقة تؤمّن ثروة المنطقة الاقتصادية في المستقبل من دون جعلها رهينة لحكومة عراقية غير متعاطفة بشكل متزايد. فبموجب الدستور العراقي، يحق للمنطقة الكردية الحصول على 17% من عائدات البلاد من النفط والغاز. ولكن توزيع العائدات من النفط والغاز لا يجري بانتظام، في حين تراكمت على الحكومة المركزية متأخرات كبيرة. وتأمل حكومة إقليم كردستان أن يَسمَح لها الاتفاق مع تركيا بالحصول على عائدات أكثر انتظاماً من النفط والغاز.

معارضة أمريكية

بيد أن الولايات المتحدة تظل معارضة بإصرار لإبرام هذه الصفقة بين تركيا وحكومة إقليم كردستان، بزعم أنها من شأنها أن تقوض استقرار العراق وتغذي الميول الانفصالية في الشمال. وفي أواخر فبراير/ شباط أثناء الرحلة التي قام بها إلى الخارج، والتي شملت التوقف في أنقرة، أكّد وزير الخارجية الأميركي جون كيري على هذه المخاوف في محادثاته مع نظرائه الأتراك.

جون كيري. وزير الخارجية الأمريكي. غيتي إميجيس
اعتراض أمريكي: تعترض الولايات المتحدة على الاتفاقية الاقتصادية بين تركيا وإقليم كردستان العراق وترى أن ذلك من شأنه أن يهدد استقرار العراق.

​​

لا تشارك دوائر الحكومة التركية الولايات المتحدة مخاوفها، بل إنها ترى في الصفقات بين شركات النفط الأميركية العملاقة، مثل إكسون وشيفرون، وحكومة إقليم كردستان، دليلاً على أن أميركا أكثر قلقاً بشأن حصتها من الكعكة في شمال العراق وليس التهديدات المزعومة لاستقرار العراق. ومن غير المستغرب أن تقرر حكومة إردوغان عدم الالتفات كثيراً إلى مخاوف الحكومة الأميركية.

إن التوترات الطائفية التي تمزق المجتمعات الآن في مختلف أنحاء الشرق الأوسط من المرجح أن تغير الخريطة الإقليمية. والآن وضع إردوغان الخطة التي تؤمن الاستفادة من هذا التطور، وتضمن لبلاده السيطرة السياسية وأمن الطاقة. وهو يتصور نظاماً إقليمياً جديداً بزعامة تركيا، ويستند إلى إعادة ترتيب التحالفات بين الأتراك والأكراد على النحو الذي يدعم شراكة استراتيجية لاستغلال آخر موارد الطاقة غير المستغلة في المنطقة.

 

ترجمة: إبراهيم محمد علي
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2013

سنان أولغن، رئيس مجلس إدارة مركز الدراسات الاقتصادية والسياسية الخارجية (EDAM) في اسطنبول وباحث زائر في منظمة كارنيجي-أوروبا.