شبح المجاعة يلاحق سوريين أرهقهم هبوط الليرة الحاد والغلاء الفاحش وارتفاع جنوني لأسعار المواد الغذائية

خلال أكثر من تسع سنوات من الحرب، بقيت أم أحمد وعائلتها بمنأى عن المعارك والقصف، لكنها اليوم تخشى على أطفالها الخمسة من الجوع مع تآكل قدرتها الشرائية جراء الهبوط الحاد في قيمة الليرة السورية.

وتقول أم أحمد (39 عاماً) المقيمة في بلدة بنش في شمال غرب سوريا لوكالة فرانس برس "منذ أن بدأت الحرب، ذقنا كل أنواع الألم والعذاب، وأعتقد أنّ المجاعة هي التي سنذوقها" في الفترة المقبلة.

وشهدت العملة المحلية هبوطاً سريعاً في قيمتها خلال الأيام القليلة الماضية في السوق الموازية، إذ ارتفع سعر صرفها مقابل الدولار بين يومي السبت والإثنين 08 / 06 / 2020 من 2300 إلى أكثر من ثلاثة آلاف، فيما سعر الصرف الرسمي مثبت على 700 ليرة. وتسبّب ذلك بارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية والسلع في أرجاء البلاد كافة ودفع بعض المتاجر إلى إغلاق أبوابها وسط امتعاض واسع في صفوف السكان.

ومع ارتفاع الأسعار، تفكّر أم أحمد بشراء كيس من الطحين وإعداد المؤونة تحسّباً للمرحلة المقبلة. وتقول "إذا استمر انهيار العملة، فنحن أمام مجاعة كبرى ولن يستطيع أحد شراء حاجاته".

وتضيف بأسى "هذه أمور كنا نسمع عنها في التلفاز في بعض دول إفريقيا".

وتتابع أم أحمد، مشيرة الى أن زوجها يعمل بشكل متقطع، "نعيش الآن على بعض المدّخرات.. وقمنا كذلك ببيع أرض ورثناها، لكن لا أعتقد أن المال سيدوم كثيراً في ظل الغلاء الفاحش".

واضطرت بعض المؤسسات في إدلب إلى إقفال أبوابها، وفق ما شاهد مراسل لوكالة فرانس برس، جراء صعوبة الاستمرار بسبب ارتفاع سعر الصرف.

وشهدت إدلب تظاهرات مؤخرا ضد هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) بسبب ارتفاع أسعار الخبز، كونها الجهة التي تحدّد ثمنها.

وتسيطر هيئة تحرير الشام مع فصائل أخرى أقل نفوذاً على نصف مساحة إدلب ومحيطها حيث يقيم ثلاثة ملايين نسمة نصفهم تقريباً نازحون من محافظات أخرى ويعتاشون من المساعدات.

- عوامل الانهيار -

وتشهد سوريا بعد تسع سنوات من الحرب أزمة اقتصادية خانقة فاقمتها مؤخراً تدابير التصدي لوباء كوفيد-19. كما زاد الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور حيث يودع سوريون كثر أموالهم، الوضع سوءاً.

ويشير محللون الى أنّ المخاوف من تداعيات بدء تطبيق قانون قيصر الذي أقرته واشنطن ويفرض عقوبات على دمشق والجهات المتعاونة معها، يعدّ سبباً إضافياً في تراجع قيمة الليرة. ويبدأ تطبيقه منتصف حزيران/يونيو 2020.

كما أنّ لصراع رجل الأعمال البارز رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد وأحد أعمدة نظامه اقتصادياً، مع السلطات، تداعيات سلبية على عامل الثقة.

ويرى الخبير الاقتصادي والباحث لدى "تشاتام هاوس" زكي محشي أنّه "لا يمكن للنظام أن يسمح بمزيد من الارتفاع في الأسعار لأنه يعلم أن هذا سيؤدي إلى... اضطرابات اجتماعية لا يمكن احتواؤها".

غير أنّه يتحدث عن "عوامل عدة تشير إلى أن الليرة السورية ستستمر في التراجع" مقابل الدولار.

وقال رئيس الحكومة السورية عماد خميس الأحد "ما يحدث اليوم على الليرة جزء من الحرب الكبيرة"، محمّلاً "الإجراءات القسرية" والعقوبات الأميركية على سوريا مسؤولية التدهور الحاصل.

وشنّ عدد من أعضاء مجلس الشعب هجوماً لاذعاً على حكومة خميس متهمّين إياها بالتقصير.

وأثار تراجع قيمة الليرة امتعاضاً واسعاً في صفوف التجار. ودفع بالعشرات من سكان مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب سوريا إلى التظاهر منذ الأحد احتجاجاً على الأوضاع المعيشية الصعبة. وأطلقوا هتافات مناوئة للنظام ومطالبة بإسقاطه، وفق مقاطع فيديو نشرتها شبكة أنباء "السويداء 24" المحلية.

ويعيش الجزء الأكبر من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمعدل 133 في المئة منذ أيار/مايو 2019، بحسب برنامج الأغذية العالمي.

وكتب نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية حول سوريا في الأمم المتحدة مارك كاتس في تغريدة الثلاثاء، أنّ "أكثر من تسعة ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في وقت تواصل أسعار المواد الغذائية ارتفاعها وتنخفض قيمة الليرة السورية بمعدّل قياسي".

-"فلْيُساعدْنا الله" -

في دمشق، بدأت لميس الشيخ (52 عاماً) رويداً رويداً الاقتصاد في مشترياتها الغذائية. وتقول "الأسعار نار.. ونشهد كل يوم قائمة أسعار جديدة أكثر ارتفاعاً من اليوم السابق".

وتضيف "نغيّر طعامنا اليومي بحسب الأسعار (...). يقولون إننا ما زلنا في البداية، فليساعدنا الله"، مبدية خشيتها من أن "يأتي يوم أنزلُ فيه إلى السوق وأعود دون أن أشتري شيئاً بسبب الغلاء".

ولا يميّز الغلاء بين منطقة وأخرى بغض النظر عن الجهات المسيطرة.

في القامشلي، أبرز المدن في المنطقة الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية (شمال شرق)، أقفلت بعض المحال وتراجع عدد الزبائن في أسواق اعتادت ان تكتظ شوارعها ومحالها ومقاهيها بالزوّار.

داخل متجره للمواد الغذائية، يدقّق راشد أومري (50 عاماً) في فواتير، مبدياً امتعاضه من وجود "سعر صباحاً وآخر بعد الظهر".

ويضيف "عندما نبيع البضائع نخسر وعندما نشتريها نخسر"، معتبراً أن "كل ما يحصل خسارة بخسارة".

ويطغى الارتفاع السريع والمتواصل لسعر صرف الدولار على أحاديث الناس في الشارع.

في سوق القامشلي، تبحث أم علاء (55 عاماً) عما يمكنها شراؤه بأقل سعر ممكن.

وتقول الأم لثلاثة أولاد، أحدهم لا يزال يعيش معها، إن تكلفة الوجبات باتت مرتفعة جداً، "أليس حراماً أن يصل سعر زجاجة الزيت إلى 3500 ليرة بعدما كان 500 ليرة فقط؟".

وتضيف "هذا الانخفاض (في سعر الصرف) يقتلنا". أ ف ب 10 / 06 / 2020