"دون عقوبات غربية حقيقية لن يتغير سلوك السعودية"

يرى الإعلامي ليون ويليمس أنه لا يجوز للغرب ترك السعوديين المسؤولين عن مقتل خاشقجي دون عقاب، لأن إدانة انتهاكات حقوق الإنسان دون تطبيق عقوبات حقيقية لن يغير سلوك المملكة العربية السعودية.

الكاتبة ، الكاتب: Leon Willems

التفاصيل المتعلقة بجريمة القتل الوحشية المتعمدة التي راح ضحيتها الصحافي السعودي جمال خاشقجي مذهلة. بادئ ذي بدء، هناك موقع ارتكاب الجريمة: لم يكن الموقع زقاقا مظلما بل كان داخل قنصلية بلاده في إسطنبول. ثانيا، هناك الجناة المزعومون: فريق مكون من 15 عضوا، ويضم طبيبا شرعيا كان يعمل سابقا في أستراليا وهو الذي أحضر منشار العظام، وبديل ارتدى ملابس خاشقجي ــ على الأرجح عندما كانت لا تزال دافئة ــ وانسل خارجا من الباب الخلفي ببساطة.

لكن ربما يكون الكشف الأكثر ترويعا أن السعوديون كانوا يعلمون أنهم يستطيعون أن يفلتوا من جريمة القتل بلا عقاب.

تشير الأرقام الأخيرة التي نشرتها منظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وهي المنظمة المكلفة جزئيا بتعزيز سلامة الصحافيين في مختلف أنحاء العالَم، إلى أنه في تسع من كل عشر حالات، لا يُعاقَب الجناة أبدا على قتل صحافي، ولأن الإفلات من العقاب هو القاعدة، فقد راهنت السلطات السعودية على أن العواقب ستكون ثانوية حتى لو انكشفت جريمة القتل. وكانت على حق: فرغم أن مدعي العموم في المملكة العربية السعودية يسعون إلى توقيع عقوبة الإعدام على خمسة من المشتبه بهم فإن الاستجابة الدولية كانت وديعة وخانعة حتى الآن.

أسبقية للمصالح الاقتصادية وحداد على الحريات المدنية

على الرغم من الاهتمام العالمي الذي حظيت به جريمة القتل، فإن أغلب القادة وعدوا فقط "بالنظر" في فرض عقوبات على المملكة العربية السعودية؛ ورفض آخرون الفكرة بشكل قاطع صريح. على سبيل المثال، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بأنه لا يعتزم الرد عن طريق الحد من مبيعات الأسلحة أو التجارة، على الرغم من كون التفسير السعودي الرسمي غير مرضٍ. كما أعرب قادة فرنسا وإسبانيا عن مشاعر مماثلة.

{اليونيسكو: "في تسع من كل عشر حالات، لا يُعاقَب الجناة أبدا على قتل الصحافيين" - الإفلات من العقاب هو القاعدة.}

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ينظر إلى الرئيس الأمريكي ترامب في قمة العشرين 2018 في بوينوس آيريس في الأرجنتين. (photo: picture alliance/AP Photo/R. Mazalan)
حداد على الحريات المدنية المتآكلة: "رغم الاهتمام العالمي الذي حظيت به جريمة قتل حاشقجي فإن أغلب القادة وعدوا فقط "بالنظر" في فرض عقوبات على المملكة العربية السعودية؛ رفض آخرون الفكرة بشكل قاطع صريح...يوضح هذا القدر من الفظاظة في التعامل مع هذه الواقعة المروعة أن الأسبقية تكون دوما للمصالح الاقتصادية إذا استدعى الأمر المفاضلة بينها وحقوق الإنسان. وهنا لا يجوز أن يكون الحداد على حياة الصحافي المهدرة فحسب، بل وأيضا على الحريات المدنية المتآكلة وحرية التعبير ــ وخاصة في الشرق الأوسط"، كما يكتب الإعلامي ليون ويليمس.

{الأسبقية تكون دوما للمصالح الاقتصادية إذا استدعى الأمر المفاضلة بينها وحقوق الإنسان. وهنا لا يجوز أن يكون الحداد على حياة الصحافي خاشقجي المهدرة فحسب، بل وأيضا على الحريات المدنية المتآكلة وحرية التعبير.}

وضح هذا القدر من الفظاظة في التعامل مع هذه الواقعة المروعة أن الأسبقية تكون دوما للمصالح الاقتصادية إذا استدعى الأمر المفاضلة بينها وحقوق الإنسان. وهنا لا يجوز أن يكون الحداد على حياة الصحافي المهدرة فحسب، بل وأيضا على الحريات المدنية المتآكلة وحرية التعبير ــ وخاصة في الشرق الأوسط.

كما أفادت لجنة حماية الصحافيين في تقريرها الصادر في الشهر الفائت، فإن ثلاث من أقرب الدول الحليفة للمملكة العربية السعودية في المنطقة ــ الإمارات العربية المتحدة، ومِصر، والبحرين ــ أصدرت بيانات تدعم استجابة المملكة لمقتل خاشقجي. وسارت وسائل الإعلام المحلية والعربية المملوكة للسعودية على نفس الخط أيضا، في حين سارع إلى العمل جيش من المجندين على الإنترنت للدفاع عن حكام المملكة وتشويه سمعة منتقديها.

مهمشون غير مستفيدين من علاقة السعودية الاستراتيجية مع الغرب

لا يقتصر هذا النوع من التمويه والتبرئة على قضية خاشقجي؛ ومن الأصعب حتى أن نجد انتقادا جديا في وسائل الإعلام العربية للحرب التي تقودها السعودية في اليمن. فعلى الرغم من مقتل عشرات الآلاف والمجاعة المدمرة التي تهدد بقتل ملايين، تكاد تكون المنافذ الإخبارية في المنطقة صامتة بشأن الدور الذي يلعبه ولي عهد المملكة المولع بالتدخل محمد بن سلمان.

إذا كان المجتمع الدولي حريصا حقا على الدفاع عن حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والقيم الديمقراطية، فيتعين عليه أن يدين وحشية المملكة العربية السعودية. فالمملكة واحدة من أقوى الدول في الشرق الأوسط وهي مسؤولة بشكل مباشر عن الموت والدمار والبؤس على نطاق واسع. ومع ذلك فإن الدول الغربية لا تتغاضى عن هذه الأنشطة فحسب؛ بل إنها في بعض الحالات تعمل بقوة على تسهيلها من خلال تزويد المملكة بالأسلحة.

ولكن: أي طرف قد تتحقق مصالحه حقا عندما تكون المملكة العربية السعودية حليفا استراتيجيا للغرب؟ من المؤكد أن المستفيدين ليسوا المهمشين من البشر في اليمن والبحرين وسوريا، ولا تصب هذه العلاقة بطبيعة الحال في مصلحة أي شخص مهتم بحقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، وقيم أخرى عديدة يزعم قادة الغرب أنهم يتمسكون بها.

لن نبالغ، مهما قلنا، في التأكيد على أهمية الصحافيين من أمثال خاشقجي لبلد مثل المملكة العربية السعودية. ففي غياب من يقدمون الحقيقة، لن يجد الفساد المؤسسي والسياسي من يتصدى له أبدا. ولهذا السبب، لا يجوز لنا أن نترك قتل المسؤولين السعوديين للصحافيين خارج سلطة القضاء يمر دون عقاب؛ ويتعين على الحكومات أن تعيد النظر بشكل عاجل في تحالفها مع المملكة. أما إدانة انتهاكات حقوق الإنسان ببساطة دون تطبيق عقوبات حقيقية فلن يغير من سلوكها.

تونسيون محتجون على زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تونس 2018.  (photo: Reuters/Z. Souissi)
"البشر المهمشون في اليمن والبحرين وسوريا غير مستفيدين من كون السعودية حليفا استراتيجيا للغرب": يرى الإعلامي ليون ويليمس أن "المجتمع الدولي إذا كان حريصا حقا على الدفاع عن حقوق الإنسان، وسيادة القانون، والقيم الديمقراطية، فيتعين عليه أن يدين وحشية المملكة العربية السعودية. فالمملكة واحدة من أقوى الدول في الشرق الأوسط وهي مسؤولة بشكل مباشر عن الموت والدمار والبؤس على نطاق واسع. ومع ذلك فإن الدول الغربية لا تتغاضى عن هذه الأنشطة فحسب؛ بل إنها في بعض الحالات تعمل بقوة على تسهيلها من خلال تزويد المملكة بالأسلحة".

{للصحافيين من أمثال خاشقجي أهمية لبلد مثل السعودية. ففي غياب من يقدمون الحقيقة، لن يجد الفساد المؤسسي والسياسي من يتصدى له أبدا.}

فضلا عن ذلك، يتعين على المجتمع الدولي أن يكف عن تفويض المسؤولية عن التحقيق والملاحقة القضائية في حالات قتل الصحافيين للحكومات التي أرادت موتهم في المقام الأول. في أغلب الحالات، تكون سيادة القانون ضعيفة للغاية، والأشخاص الذين يتولون المسؤولية هم أنفسهم الذين أصدروا أحكام الإعدام.

قد لا تأخذ العدالة مجراها أبدا في قضية خاشقجي، لكن مقتله لا ينبغي أبدا أن يمر عبثا. ويتعين على الحكومات التي تثمن الشفافية وحرية التعبير أن تعمل معا من أجل إنشاء محكمة دولية للنظر في قضايا الصحافيين المقتولين في الدول غير القادرة على ــ أو غير الراغبة في ــ القيام بذلك من تلقاء ذاتها. ومن الواضح أن البديل ــ السماح لمبدأ الإفلات من العقاب بالشيوع ــ من شأنه أن يمنح المجرمين الفرصة للهروب من طائلة القانون ويتسبب في تآكل القيم التي يفترض أن تدافع الصحافة عنها.

 

 

ليون ويليمس 

ترجمة: إبراهيم محمد علي          

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2018



ar.Qantara.de

الناشط الإعلامي ليون ويليمس هو مدير منظمة "صحافة حرة بلا حدود" Free Press Unlimited.