غداة تلويح ترامب بـ"عقاب قاسٍ"، السعودية تتوعد بالرد على أي عقوبات عليها بسبب قضية خاشقجي

رفضت السعودية يوم الأحد 14 / 10 / 2018 تهديدها بعقوبات بسبب قضية اختفاء الصحافي جمال خاشقجي إثر مراجعته لقنصليتها في اسطنبول قبل حوالى أسبوعين، مؤكّدة أنّها ستردّ على أي خطوة تتّخذ ضدها "بإجراء أكبر"، وذلك غداة تلويح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "بعقاب قاسٍ".

ووسط التطورات السياسية المتلاحقة على خلفية هذه القضية، هبط مؤشر البورصة السعودية 7% في تعاملات الأحد، فاقداً مكتسبات عام 2018، قبل أن يعوّض بعض خسائره ويغلق منخفضا بـ 3,5 بالمئة. 

ويأتي ذلك قبل أسبوع من مؤتمر اقتصادي مهم في الرياض يطلق عليه اسم "دافوس في الصحراء" تيّمناً بالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. وأعلنت شركات عالمية ومؤسسات اعلامية ومستثمرون كبار انسحابهم من المؤتمر بسبب قضية خاشقجي، بينما أقدم رجال أعمال آخرون على إيقاف تعاونهم الاقتصادي مع المملكة.

واعتبر ترامب السبت أنّ الرياض يمكن أن تكون وراء اختفاء الصحافي، متوعّداً إيّاها بـ"عقاب قاسٍ" إذا صحّ ذلك، رغم العلاقات الوطيدة التي تجمع إدارة الرئيس الجمهوري بالقيادة السعودية وفي مقدمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وأكّد مستشار ترامب للشؤون الاقتصادية لاري كودلوو في مقابلة مع شبكة "فوكس" أنّ الرئيس الأميركي "جادّ" في تحذيراته.

لكن المملكة، وهي أكبر مصدّر للنفط في العالم، تعهّدت الأحد بالرد على أي إجراء يتّخذ ضدها. ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر مسؤول أن الرياض تؤكد "رفضها التام لأي تهديدات ومحاولات للنيل منها سواءً عبر التلويح بفرض عقوبات اقتصادية، أو استخدام الضغوط السياسية".

وأكد المسؤول أن السعودية "إذا تلقّت أي إجراء فسوف ترد عليه بإجراء أكبر". وفي هذا السياق، كتبت قناة "العربية" السعودية على موقعها إنّ ردّ الرياض على أي عقوبات قد يشمل مشتريات الأسلحة، والنفط، وتبادل المعلومات الأمنية مع واشنطن، وقد يؤدي حتى إلى التقرب من إيران، خصمها الأكبر في المنطقة، وتحويل حركة حماس وحزب الله اللبناني إلى "صديقين".

وتابعت أن السعودية تدرس "أكثر من ثلاثين إجراء (...) مضاداً". والأحد أكدت كل من الإمارات والبحرين "التضامن" مع الرياض. ومساء الأحد أعلنت الرئاسة التركية أنّ الرئيس رجب طيّب إردوغان بحث خلال اتّصال هاتفي مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز قضية خاشقجي.

وقال مصدر في الرئاسة التركيّة طالباً عدم نشر اسمه إنّ الرئيس التركي والملك السعودي بحثا في "مسألة جلاء ملابسات قضية جمال خاشقجي" وأكّدا أيضاً على "أهمّية إنشاء مجموعة عمل مشتركة في إطار التحقيق".

وأتى إعلان المصدر الرئاسي التركي بعيد تغريدة لوزارة الخارجية السعودية أعلنت فيها أن الملك سلمان اتّصل هاتفياً بإردوغان وأكّد له على "صلابة" العلاقة بين البلدين. وقالت الوزارة إنّ الملك سلمان أكّد لإردوغان "حرص المملكة على علاقاتها بشقيقتها تركيا بقدر حرص جمهورية تركيا الشقيقة على ذلك، وأنّه لن ينال أحد من صلابة هذه العلاقة".

كما شكر العاهل السعودي الرئيس التركي "على ترحيبه بمقترح المملكة بتشكيل فريق عمل مشترك لبحث موضوع اختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي".

وفُقد أثر خاشقجي بعد دخوله قنصلية بلاده في اسطنبول في 2 تشرين الأول/أكتوبر الحالي 2018. والصحافي الذي يعتبر ناقداً لسياسات الأمير محمد بن سلمان منذ تسلمه منصب ولي العهد في حزيران/يونيو 2017، كان يفترض أن يحتفل بعيد ميلاده الستين يوم السبت.

وأعلن مسؤولون أتراك لوسائل إعلام محلية أن خاشقجي قُتل داخل مبنى القنصلية. لكنّ الرياض وصفت على الفور هذه المزاعم بأنّها "لا أساس لها" من الصحّة.

وأوفدت الرياض إلى أنقرة فريق عمل وصل الجمعة ويفترض أن يجري محادثات مع مسؤولين أتراك، لكن أنقرة اتّهمت الرياض السبت بعدم التعاون في التحقيق.

وتصرّ الرياض على أن خاشقجي غادر مبنى القنصلية، لكنها لم تقدّم دليلا على ذلك، وقالت إن كاميرات المراقبة لم تكن تسجّل يوم اختفاء الصحافي الذي يكتب مقالات في "واشنطن بوست".

والأحد أصدرت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بياناً مشتركاً يطالب السلطات السعودية بكشف ملابسات اختفاء خاشقجي وأفاد البيان المشترك لوزراء خارجية ألمانيا هايكو ماس وفرنسا جان-إيف لودريان وبريطانيا جيريمي هانت أنّه "يجب أن يسلّط الضوء على اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي". وطالب الوزراء بإجراء "تحقيق يحظى بالمصداقية" وذلك "ليتمّ تحديد المسؤولين" و"ضمان محاسبتهم".

وبعد صدور البيان دعا هانت في مؤتمر صحافي الرياضَ لتوضيح ما حصل لخاشقجي، وقال إن "البلد القادر على مساعدتنا في كشف ما حصل هو السعودية".

وتابع وزير الخارجية البريطاني "إن لم تحصل هذه الجريمة الرهيبة كما يقولون إذاً أين جمال خاشقجي؟"، مضيفا "إن لم يكن لديهم ما يخفونه فعليهم أن يتعاونوا".

وخسر مؤشر السوق المالية السعودية "تداول" بسرعة أكثر من 500 نقطة في أول ساعتين منذ بدء التداول في أول يوم من الأسبوع، إثر حالة هلع مشابهة للأيام التي تلت الأزمة المالية العالمية عام 2008.

خاشقجي وهو يدخل القنصلية السعودية في اسطنبول

ولكنه تعافى جزئيا في منتصف النهار ليصل إلى 5%، في أسوأ هبوط في يوم واحد منذ نحو ثلاث سنوات، قبل أن يقفل منخفضا بـ 3.5 بالمئة.

وكان المؤشر هبط الخميس 3% إثر الاضطرابات التي شهدتها الأسواق العالمية على خلفية قرار الاحتياطي الفدرالي الأمريكي المفاجئ رفع أسعار الفائدة.

وتقدّر خسائر السوق المالية السعودية، وهي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بنحو 50 مليار دولار خلال جلستي الخميس والأحد.

وقال محمد زيدان، من شركة "ثينك ماركتس" ومقرها دبي، إن هبوط مؤشر السوق السعودية يأتي بسبب "حالة هلع" في البيع لأسباب سياسية واقتصادية.

وأكد لفرانس برس "هناك حالة من عدم اليقين مما يحدث بسبب اختفاء الكاتب جمال خاشقجي"، مؤكدا أن "انسحاب كبار المشاركين من مؤتمر الاستثمار في الرياض أثر بشكل سلبي أيضا على نفسية المتعاملين".

وكانت وكالة "بلومبرغ" وصحيفتا "فايننشال تايمز" و"نيويورك تايمز" قررت الانسحاب من مهمة رعاية المؤتمر وسط التساؤلات عن مصير الصحافي السعودي.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة "أوبر" لخدمات النقل دارا خوسروشاهي إنّه لن يشارك في المؤتمر "إلاّ بعد أن تظهر مجموعة مختلفة تماماً من الحقائق"، مؤكداً أنّه "منزعج للغاية من التقارير". 

كما أعلن رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون، مؤسّس مجموعة فيرجين، أنّه علّق اتصالات ترتبط بمشاريع سياحية في منطقة البحر الأحمر بالسعودية بسبب اختفاء خاشقجي.

وفي موازاة ذلك، أعلن الممثل الاسكتلندي الشهير جيرارد باتلر إلغاء زيارة الى المملكة لحضور العرض الأول لفيلمه الجديد "هانتر كيلر" بسبب قضية خاشقجي، حسبما أبلغ قناة "سي إن إن" السبت، علما بأن السلطات السعودية قالت الأسبوع الماضي إن زيارته تأجّلت "لأسباب عائلية". 

غير أن مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد أعلنت أنها ستشارك في مؤتمر الرياض وكذلك وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين. أ ف ب