أفنيري...من بطل قومي إلى رجل مكروه في إسرائيل

عمل داعية السلام الإسرائيلي أوري أفنيري طيلة عقود على إحلال سلام إسرائيلي فلسطيني. لكن رغبته هذه لم تتحقق خلال حياته. فقد توفي الإثنين 20 / 08 / 2018 عن 94 عاما. كريستيان فولف يرثي أوري أفنيري.

الكاتبة ، الكاتب: Christian Wolf

كان أوري أفنيري لا يعرف طعم الراحة. فقبل عام واحد فقط - في عمر الثالثة والتسعين - كان ناشط السلام الإسرائيلي مفعمًا بالحيوية والطاقة. وفي حوار معه قال: "نحن بحاجة إلى قوة سياسية جديدة وأنا مستعد تمامًا للمشاركة". وأضاف: يجب أخيرًا أن يكون "واجبنا الرئيسي" هو طرد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو و"زمرته بأكملها". حينها كان لا يزال أوري أفنيري مقاتلًا لا يكل ولا يمل، ولا يخاف من الأقوياء.

لم يعد أوري أفنيري قادرًا على تنفيذ خطته. فقد توفي الإثنين 20 / 08 / 2018  في مستشفى في تل أبيب عن عمر ناهز الرابعة والتسعين عامًا، مثلما أكَّد ناطق باسم المستشفى لوكالة الأنباء الألمانية. أصيب أوري أفنيري في بداية شهر (آب/أغسطس 2018) بسكتة دماغية، ومنذ ذلك الحين دخل في غيبوبة. ولكن حتى وإن كان هذا الهدف الأخير لم يتحقَّق، فقد ترك أوري أفنيري بصماته على تاريخ بلاده - وفجوةً من الصعب جدًا ملؤها.

شارك أوري أفنيري في العمل السياسي نحو سبعين عامًا. وكان يدعو طيلة خمسة عقود إلى التسوية مع الفلسطينيين. وكان طيلة عشر سنين نائبًا في الكنيست الإسرائيلي. وهو ظاهرة استثنائية - مثلما كانت قد وصفته صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" بمناسبة عيد ميلاده التسعين.

هروبه من النظام النازي

بدأت حياة أوري أفنيري الحافلة بالأحداث في عام 1923 في مدينة بيكوم الألمانية الصغيرة الواقعة في ولاية شمال الراين ويستفاليا. حمل اسم هيلموت أوسترمان، وقد نشأ هناك في أسرة علمانية ليبرالية من الطبقة الوسطى. وبعد تولي أدولف هتلر زمام الحكم، هاجرت أسرته إلى فلسطين في عام 1933. لقد وصف ذلك وهو يتذكَّر تلك الأحداث بأنَّه "بداية حياة ثانية" و"خلاص".

داعية السلام أوري أفنيري التقى عدة مرات ياسر عرفات مثلا هنا في رام الله عام 2004. Foto: picture-alliance/ dpa
Ein Leben für Versöhnung und friedliches Zusammenleben: Uri Avnery setzte sich ein Leben lang für die Realisierung der Zwei-Staaten-Lösung in Nahost ein, gründete daher 1993 die Menschenrechtsgruppe Gusch Schalom ("Friedensblock"). Zuletzt hatte Avnery gegen das kürzlich verabschiedete Nationalitätengesetz protestiert. Für seine Friedensarbeit wurde er mit dem Alternativen Nobelpreis ausgezeichnet.

تحوَّل هيلموت أوسترمان إلى أوري أفنيري. وفي سنّ مبكِّرة انضم إلى منظمة "أرغون" السرية الإرهابية القومية المتطرِّفة، التي كانت تقوم بتنفيذ هجمات على سلطة الانتداب البريطاني. لم يندم على هذه الخطوة حتى بعد عقود من الزمن. وقد قال في هذا الصدد: "في ذلك الوقت كان هذا هو أفضل شيء يمكنني فعله. (...) كنت أعتقد أنَّ من واجبي أن أقاتل من أجل تحرير البلد". وربَّما لهذا السبب أيضًا اشترك أوري أفنيري في حرب "الاستقلال" الإسرائيلية عام 1948، التي أصيب فيها بجرح كبير.

من بطل قومي إلى "أكثر رجل مكروه في إسرائيل"

وبعد ذلك حدث في حياته تحوُّل مثير. كتب أوري أفنيري كتابًا وطنيًا حول تجاربه وقد أصبح بمثابة بطل قومي. ولكن بعد إصدار كتابه الثاني حول الجوانب المظلمة للحرب وكذلك بسبب عمله لمجلة "هاعولام هازيه" الناقدة للحكومة، انخفض حماس بعض شرائح المواطنين الإسرائيليين لهذا الكاتب. وحتى أنَّ بعض المراقبين يقولون إنَّه كان في بعض الأحيان "أكثر رجل مكروه في إسرائيل".

 

في عمله الصحفي وكذلك في سنواته كنائب في الكنيست، كان أوري أفنيري يدافع عن مشروع عظيم: "السلام مع الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية". ومن أجل ذلك سعى للاتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية وكان في عام 1982 أوَّل إسرائيلي يجتمع بزعيم منظمة التحرير ياسر عرفات. لم يسمح أوري أفنيري للانتقادات بأن تثنيه عن ذلك، بل حدثت (بينهما) أيضا اجتماعات أخرى وصدر له كتاب بعنوان "صديقي، العدو".

أسَّس أوري أفنيري حركة السلام "جوش شالوم"، وقد عادت عليه الجهود التي بذلها طيلة عقود من الزمن من أجل المصالحة باعتراف دولي وبمنحه جوائز - من بينها جائزة آخن للسلام وجائزة نوبل البديلة للسلام. وبالتوازي مع ذلك كله، عمل أوري أفنيري سنوات كثيرة بشكل وثيق مع زوجته راخيل، حتى وفاتها في عام 2011.

حتى وإن كان يتم التشهير به من قبل اليمينيين الإسرائيليين أحيانًا كـ"يساري متطرِّف" أو "عدو للدولة"، فإنَّ أوري أفنيري كان يواصل عمله. بقي في الداخل والخارج حتى وقت قريب شريكًا في حوارات (حول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني). على سبيل المثال، قال في حوار أجرته معه قناة دويتشه فيله قبل نحو ثلاثة أعوام: "من الجيِّد دائمًا عندما يجلس الإسرائيليون والفلسطينيون مع بعضهم ويتفاوضون". أمَّا هو نفسه فقد كان يفضِّل دور المراقب المستقل، الذي كان يدعو إلى تقديم تنازلات من قِبَل جميع الأطراف. وقد مكَّنه هذا الدور من انتقاد "نظام الاحتلال" الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية وانتقاد العنف ضدَّ إسرائيل في الوقت نفسه.

ناشط لا يعرف التشاؤم

غير أنَّ أوري أفنيري لم يكن يرى أي حلفاء في الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو. وحول الحكومة الإسرائيلية، قال لقناة دويتشه فيله: "يمكنكم بالفعل حذف كلمة حلِّ الدولتين. فهذه الحكومة لا تريد حلَّ الدولتين". 

ومع ذلك فإنَّ هذا أيضًا لم يكن يمثِّل أي سبب للاستسلام بالنسبة لهذا الناشط الذي كان يدعو من دون كلل أو ملل للسلام. "أنا لا أعرف مصطلح التشاؤم، ولم أكن متشائمًا قطّ". ربما بهذه الطريقة وحدها كان بإمكان أوري أفنيري أن يكفاح طيلة عقود من أجل إحلال سلام يبدو أنَّه بات يبتعد باستمرار.

 

 

 

كريستيان فولف

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: دويتشه فيله/  موقع قنطرة 2018

 

ar.Qantara.de