توظيف الحفريات الأثرية لتبرير نشاطات إسرائيل الاستيطانية

من الطريق المؤدي إلى قرية خربة سوسية الفلسطينية، منظر للكنيس القديم الذي تم تحويله فيما بعد إلى مسجد.
من الطريق المؤدي إلى قرية خربة سوسية الفلسطينية، منظر للكنيس القديم الذي تم تحويله فيما بعد إلى مسجد.

سوسية قرية فلسطينية صغيرة تقع في الضفة الغربية. وفي أعقاب العثور على بقايا كنيس يهودي في القرية عام 1986، تم إعلان موقع الكنيس متنزهاً وطنياً ومصادرة أراضي القرية. كما تم إعادة توطين سكان القرية فوق الأراضي الزراعية المجاورة. وفي مارس/ آذار 2015، سعت الحكومة الإسرائيلية لاستصدار تصريح من المحكمة العليا لهدم القرية وإعادة توطين سكانها مرة أخرى، بحجة أنها بحاجة إلى الأرض لإجراء المزيد من أعمال التنقيب الأثرية. إيلينيا غوستولي زارت القرية وتخبر موقع قنطرة بالمزيد حولها.

الكاتبة ، الكاتب: Ylenia Gostoli

في الطريق إلى قرية سوسية الفلسطينية الواقعة في تلال جنوب مدينة الخليل، يوجد المسار غير المعبد المؤدي إلى القرية عبر تلال تتناثر فيها الصخور. وعلى قمة التلة يمكن تمييز مبنى وحيد يقف هناك، ألا وهو كنيس يهودي أثري تم تحويله في ما بعد إلى مسجد. ويقول عبد نواجعة، البالغ من العمر 29 عاماً: "كانت هذه في السابق قريتنا. لقد وُلدت هناك".

تقع قطعة الأرض التي يشير إليها نواجعة خلف سلك شائك وتحرسها قاعدة عسكرية. أما الحجارة القديمة المتناثرة فهي من بقايا قرية سوسية القديمة. ففي عام 1986، تمت مصادرة أراضي القرية، التي أسست نحو عام 1830، من أجل إفساح المجال أمام إقامة متنزه أثري، وتم إعادة توطين سكان القرية في أراضيهم الزراعية التي لا تبعد أكثر من كيلومتر واحد عن القرية. كما أن الفلسطينيين، ومن بينهم سكان سوسية، لا يُسمح لهم بدخول المتنزه.

وفي نهاية مارس من العام 2015، أوردت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريراً حول سعي الحكومة للحصول على تصريح من محكمة العدل العليا من أجل هدم قرية سوسية وإعادة توطين سكانها في بلدة يطا القريبة، مشيرة – في رد على عريضة تم تقديمها بالنيابة عن القرية – إلى أنه "لا توجد قرية فلسطينية تاريخية على أرض الموقع، وأن القرية تتكون فقط من بعض المنازل الموسمية لبعض العائلات، وأن الأرض ضرورية لاستمرار أعمال التنقيب الأثرية".

The settlement of Susiya viewed from Khirbet Susiya (photo: Ylenia Gostoli)
The settlement of Susiya (in the background) was founded in 1983. Its residents and the right-wing NGO Regavim have petitioned the High Court of Justice to demolish Khirbet Susiya

أما السكان، فقد قالوا لموقع قنطرة إن الحكومة تنوي توسيع المرافق السياحية في المتنزه الأثري لتمتد إلى القرية. كما صرح الناطق باسم منسق الحكومة الإسرائيلية لشؤون الأراضي لموقع قنطرة بأنه "كجزء من الجهود الرامية إلى تطوير الموقع الأثري في سوسية، فإن العمل جارٍ من أجل تحضير المسارات وترميم القطع الأثرية التي تم اكتشافها في الموقع والحفاظ عليه وتحضيره لاستقبال الزوار".

تاريخ من الخسارة

من جانبه، يؤكد محمد أحمد نواجعة، والد عبد، أن سكان القرية "كانوا مزارعين وهم مزارعون الآن". وُلد محمد خلف الخط الأخضر، ولكنه وعائلته نزحوا إلى سوسية عام 1948، ومنذ ذلك الوقت امتلكوا في القرية أراضيَ يحصدون محاصيلها خلال الصيف.

وللوهلة الأولى، يبدو وكأن الوقت لا يمر في خربة سوسية، التي يعيش فيها نحو 350 شخصاً، يعملون في قطف الزيتون ورعي الأغنام وزراعة المحاصيل وحفظ النحل. لكن الوقت أيضاً جلب حزاماً من المستوطنات القومية والدينية إلى تلال الخليل، ومعها حوادث مستمرة من التحرش والهجمات العنيفة على الفلسطينيين ومحاصيلهم ومنازلهم وأشجار الزيتون التي يمتلكونها. وقد قامت منظمات حقوق الإنسان بتوثيق تلك الاعتداءات بشكل مفصل. لقد جاء الوقتُ بتلك المنازل ذات السقوف الحمراء، والتي يمكن رؤيتها عبر الوادي، بعد أن أقيمت أول مستوطنة يهودية في سوسية عام 1983.

حول ذلك يقول محمد نواجعة: "لقد جاءت معظم مشاكلنا من تلك المستوطنات". لقد وصلت أوامر الهدم لنحو مائة مبنى في القرية، ناهيك عن أن القرية هدمت بشكل كلي أو جزئي عدة مرات قبل ذلك.

تقف وراء الحملة القانونية لهدم خربة سوسية منظمة يمينية تدعى "ريغافيم"، والمهتمة بمراقبة ما تقول إنها جهود البناء غير القانونية في المنطقة "سي". وفي عام 2012، وبالتعاون مع المستوطنة في سوسية، قدمت هذه المنظمة التماساً للمحكمة يطالب السلطات بتطبيق أوامر الهدم.

القرية الفلسطينية والمستوطنة يقعان في منطقة تسميها اتفاقات أوسلو للسلام بالمنطقة "ج"، والتي تشكل 60 في المائة من مساحة الضفة الغربية وتخضع لسيطرة إسرائيلية مطلقة. الأسقف في خربة سوسية مصنوعة في أفضل الأحوال من الصفيح. ولأن الإدارة المدنية الإسرائيلية لم توافق إطلاقاً على خطة رئيسية للقرية، فإن إقامة مبان دائمة فيها ممنوع. ورغم أن المحكمة جمدت أوامر الهدم، إلا أن السكان ما زالوا ممنوعين من بناء أي مبان جديدة.

A temporary animal shelter in the village of Susiya (photo: Ylenia Gostoli)
Five master plans for the village of Susiya have been rejected by the Israeli Civil Administration. All structures in the village, like this animal shelter, are temporary and at risk of demolition

ويقول عزام نواجعة: "في إحدى المرات قمت ببناء قفص لدجاجاتي لا تتجاوز مساحته المتر المربع، وكلفني ما بين ستة إلى سبعة شواكل. جاء المستوطنون والتقطوا صورة للقفص وأرسلوها إلى المحامي، الذي اتصل بي وقال لي إذا لم أقم بهدم القفص بنفسي سأضطر لدفع مبلغ خمسة آلاف شيكل (1200 يورو) كي يقوم الجيش بهدمه". بعض أبناء وبنات عزام تركوا القرية وذهبوا للعيش في المدينة، وعزام يبرر ذلك بالقول: "لم يعد هناك مكان كاف. أين تريدهم أن يذهبوا؟ 25 سنة في المحاكم والنتيجة لا شيء".

تخطيط تمييزي في مرمى الانتقاد

كانت هناك خمس محاولات لعمل خطة رئيسية للقرية، وجميعها جوبهت بالرفض. وحول ذلك يقول آري بريغز، مدير العلاقات الدولية في منظمة "ريغافيم": "نحن متورطون في مسائل تتعلق بحكم القانون، إذ نريد من الحكومة أن تتصرف في مواقع يتم البناء فيها بشكل غير قانوني، في كل أنحاء إسرائيل وفي المنطقة ’ج’". غير أن عمل المنظمة يركز على المباني الخاصة بالفلسطينيين، بما فيها تلك التي بنتها الدول المانحة في الاتحاد الأوروبي.

وطبقاً لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم"، فإن الإدارة المدنية رفضت حتى الآن الموافقة على أية خطة رئيسية لأكثر من 90 في المائة من القرى الفلسطينية الواقعة في المنطقة "ج". وفي ذات الوقت، تشير أرقام مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أنه خلال العام الماضي فقط، تم تدمير 601 مبنى فلسطينياً في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ما أدى إلى نزوح 1215 شخصاً.

أما أفيتال شارون، المحامية عن منظمة حاخامات من أجل حقوق الإنسان، والتي كانت تعمل على قضية سوسية، فتقول: "إنهم يبنون بشكل غير قانوني لأنه غير مسموح لهم بالبناء، ولا توجد لديهم كهرباء أو ماء لأن الإدارة المدنية لا تسمح بتمديدها لهم.

وفي وثيقة تم نشرها قبل أسبوعين، انتقدت منظمة العفو الدولية أسلوب التخطيط في الضفة الغربية ووصفته بالتمييزي، مضيفة أنه "يسهل تخطيط وبناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية"، وأن "الرفض الرسمي لمشاركة السكان بأكملهم في عملية التخطيط، بالإضافة إلى إنشاء نظام تخطيط مواز للمستوطنات الإسرائيلية، يميز بشكل واضح لصالح فئة من السكان يعتبر وجودها وحياتها في هذه المنطقة مخالفاً للقانون الدولي، وهو أمر غير مسبوق على مستوى العالم".

أما تقرير صدر مؤخراً (تحت الرادار، 2015) عن منظمة "يش دين" الإسرائيلية غير الحكومية، فيشير إلى أنه منذ عام 2011، انتهجت حكومة نتنياهو "سياسة غير رسمية" في شرعنة المستوطنات، ويوضح أن ربع هذه البؤر (المخالفة للقانونين الإسرائيلي والدولي) في الضفة الغربية قد تمت إما الموافقة عليها أو في طور الموافقة عليها من قبل الحكومة.

ملابس معلقة في قرية سوسية الفلسطينية. (photo: Ylenia Gostoli)
Susiya, as an "unrecognised" village, is not connected to water and electrical lines. Residents buy water at a much higher price than the nearby settlements, connected to water infrastructure. "They only build illegally because they aren't allowed to build, and they do not have electricity and water because the civil administration doesn't allow them to have electricity and water," said Avital Sharon of Rabbis for Human Rights

الحفريات الأثرية والسياسة

في عام 2010، تم تصنيف متنزه سوسية الأثري كموقع للتراث الوطني، وهو واحد من ستة مواقع إسرائيلية في الضفة الغربية. وقد استثمر نتنياهو 190 مليون دولار في هذا المشروع. كما أن بعض هذه المواقع، كتلك في سوسية وتل شيلو، تتم إدارتها من خلال مؤسسات تابعة للمستوطنين.

حول ذلك، يعلق حامد سالم، أستاذ التاريخ والآثار في جامعة بيرزيت، لموقع قنطرة، بأن "الحفريات الأثرية تعتبر هامة من أجل تبرير النشاطات الاستيطانية، ولهذا قامت حكومة نتنياهو بتلك الاستثمارات".

في القرن الثامن الميلادي، تم بناء مسجد على بقايا الكنيس اليهودي القديم في سوسية. ولكن زيارة إلى الموقع اليوم لا تعطي أي معلومات تذكر حول التاريخ غير اليهودي لهذا المكان.

من جانبه، يقول يوناتان مزراحي، وهو عالم آثار إسرائيلي ينتمي إلى مجموعة تسمي نفسها "إيميك شافيه" تناهض توظيف الحفريات الأثرية في السياسة: "ما نعرفه من عمليات التنقيب هو أنها كانت في السابق قرية كبيرة بين القرن الثاني والقرن الثالث عشر. ونحن نعرف الآن من دون شك أنه كان هناك سكان يهود في سوسية بين القرنين الرابع والسادس. ومن بعدها بدأنا نرى تغيراً في السكان".

ويضيف مزراحي: "وجد علماء الآثار أيضاً نقوشاً بالعربية لم يتم نشرها ويُعتقد أنها كانت جزءاً من المسجد ... إن قصة القرية لم تنتهِ في القرن الثامن الميلادي. فالسياق التاريخي لا يمكن اختزاله في أمة واحدة أو حقبة واحدة أو ديانة واحدة".

 

 

إيلينيا غوستولي

ترجمة: ياسر أبو معيلق

حقوق النشر: قنطرة 2015  ar.qantara.de