بشار الأسد - ديكتاتور على مشرحة التحليل النفسي

عاش في دمشق عام 2012 كصحفي غربي وحيد عاصر الأحداث هناك حتى تاريخ ترحيله من سوريا عام 2014، وكان شاهداً على ما فعله الأسد لضمان بقائه في السلطة. يستعرض الصحفي الأمريكي من أصول لبنانية سام داغر في كتابه "الأسد أو نحرق البلد" عالم ديكتاتور سوريا بشار الأسد، مستنداً في معلوماته على مصادر متميزة. الصحفي الألماني موريتس باومشتايغر قرأ لنا الكتاب.

الكاتبة ، الكاتب: Moritz Baumstieger

الإهداءات المكتوبة في مقدمات الكتب تشي إجمالا بالكثير عن مؤلفي هذه الكتب، إذ تعرّفنا على من كان سبباً في تأنيب ضمير المؤلف (كشريك الحياة مثلاً)، أو تكشف لنا أسماء مَن يشعر المؤلف بالامتنان لهم (كالوالدين البيولوجيين أو الروحيين).

ولا يشذّ عن ذلك كتاب سام داغر "الأسد أو نحرق البلد"، الذي يتناول قصة أسرة الأسد منذ صعودها لحكم سوريا وصولاً للغوص عميقاً في أحداث الحرب الأهلية المربكة، إذ يعلن الصحفي الأمريكي صراحةً عن موقفه من موضوع عمله، حيث يوجه إهداء كتابه "الأسد أو نحرق البلد" إلى جميع السوريين الثائرين لنيل الحرية والكرامة.

وبذلك، يتضح من الصفحة الأولى للكتاب المنظور الذي يركن إليه المؤلف في مقاربته للصراع الدائر في سوريا، وهو الصراع الذي تتباين طرق تناوله وتقييمه؛ إذ يقف داغر إلى جانب كل السوريين الذين خرجوا إلى الشوارع في شهر آذار/مارس 2011 للتظاهر مطالبين بالإصلاح بعد 30 عاماً من حكم عائلة الأسد.

الغلاف الإنجليزي لكتاب "الأسد أو نحرق البلد - كيف حطم سوريا تعطشُ عائلةٍ للسلطة" للصحفي الأمريكي من أصول لبنانية سام داغر. (published by Little, Brown and Co.)
في كتابه "الأسد أو نحرق البلد - كيف حطم سوريا تعطشُ عائلةٍ للسلطة" يعلن الصحفي الأمريكي من أصول لبنانية سام داغر صراحةً عن موقفه من موضوع عمله، حيث يوجه إهداء كتابه "الأسد أو نحرق البلد" إلى جميع السوريين الثائرين لنيل الحرية والكرامة. يرى داغر في عمله هذا بكل تأكيد ذخيرة للمعركة ضد حملات التضليل التي يقودها النظام السوري. ولحماية سردية كتابه -الذي يغطي مدة تقارب الخمسين عاماً من تاريخ سوريا- من الهجمات المضادة يعمل داغر على إثبات ما توصل إليه بدقة تقارب الهوس في تمحيص المعلومات.

وتشير الجملة الثانية من الإهداء إلى دافع آخر وراء تأليف الكتاب، يتجلى مضمونه عبر الصفحات الخمسمائة التالية، ألا وهو الموقف من المعركة الإعلامية غير المسبوقة التي تدور حول أحقية احتكار صحة تفسير ما يحدث في سوريا، حيث يرى داغر في عمله هذا بكل تأكيد ذخيرة للمعركة ضد حملات التضليل التي يقودها النظام السوري.

تمحيص صارم للمعلومات

ولحماية سردية كتابه، الذي يغطي مدة تقارب الخمسين عاماً من تاريخ سوريا، من الهجمات المضادة، يعمل داغر على إثبات ما توصل إليه بدقة تقارب الهوس في تمحيص المعلومات. إذ يحتل القسم الخاص بدراسة المصادر لوحده قرابة سبعين صفحة من الكتاب، يقع القارئ خلال قراءتها على جملة "في نقاش خاص مع مؤلف الكتاب" في مواضع متكررة.

والمصادر التي بنى عليها داغر معلومات كتابه تجعله كتاباً بارزاً ضمن مجال الأدبيات التي تناولت الصراع في سوريا. وقد عاش هذا المواطن الأمريكي من أصول لبنانية في دمشق منذ العام 2012، فكان الصحفي الغربي الوحيد الذي بقي هناك معاصراً للأحداث حتى تاريخ ترحيله من سوريا في العام 2014، حيث أقام داغر في دمشق بصفته مراسلاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، وكان شاهداً على ما فعلته عشيرة الأسد لضمان بقائها في السلطة.

ويصف داغر في أجزاء من كتابه الكيفية التي بنى الأسد الأب بموجبها نظاماً جعل المجتمع السوري يتجمد من الخوف، وهو النظام الذي أورثه لابنه بشار، ما يمكّن القارئ من فهم تصرفات النظام غير المنطقية من منظور غربي، ولكن الفعّالة ضمن حساباتها المبنية على الغدر.

أما المقاطع التي تروي كيفية تصدي بشار الأسد للاحتجاجات السلمية مستخدماً العنف منذ البداية، وفرضه الحصار في نهاية المطاف على مناطق وأحياء ومدن بأكملها، وقصفها، فقد تم بحثها بعناية، وكُتبت بالأسلوب النموذجي الذي درج المراسلون الأمريكيون المشهورون على استخدمه، مما يجعل القارئ قريباً دائماً من الحدث، مع الإبقاء على إحاطة عامة تسمح بتغيير المشهد في اللحظة المناسبة.

تجاوز جميع "الخطوط الحمراء" بدم بارد

تبدو الكارثة السورية كما لو أنها مأخوذة من مقطع مروّع لفيلم روائي طويل. وقد استخلص داغر الاستنتاجات الصحيحة في الفقرات التي حلل فيها تردد الغرب حيال التدخل في سوريا، وهو ما سمح للأسد بأن يتخطى جميع "الخطوط الحمراء" بدم بارد، وشجعه على استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه.

وليس هذا كل ما يجعل الكتاب مميزاً على نحو خاص جداً. إذ لم يكشف داغر عن مصدره الأكثر قيمة إلا بعد أن اضطر إلى مغادرة سوريا، حيث التقى في باريس مراراً وتكراراً على مدى سنوات مع أحد المنفيين السوريين، من أطلقت وسائل الإعلام عليه ذات مرة تسمية "آلان ديلون سوريا"، تشبيهاً له بالممثل الفرنسي الشهير (Alain Delon)، بسبب مظهره وغروره. إنه مناف طلاس، ابن وزير الدفاع السابق في عهد الأسد الأب، والذي أصبح فيما بعد جنرالاً كبيراً في الحرس الجمهوري.

اطلاع دقيق على دوائر السلطة الأضيق

ورغم أنه كان يود أن يصبح ممثلاً سينمائياً، إلا أن طلاس بنى لنفسه عوضاً عن ذلك مساراً مهنياً في الجيش. وبعد هروبه من سوريا، أطلع داغر من منظوره الخاص على "قصر الشعب"، القصر الرئاسي المحروس جيداً، الذي يتربع على جبل مشرف على دمشق، بكل ما يحتويه من أجواء وحشية.

والأهم من ذلك أنه كان صديقاً مقرباً لشقيق بشار، باسل، الذي كان من المفترض أن يكون الوريث الفعلي للعرش، إلا أنه توفي نتيجة حادث سيارة في العام 1994. لم يرث بشار منصبه أخيه فحسب، بل حاز أيضاً على دائرة أصدقائه، وعلى هذا النحو كان مناف طلاس على مدى عقود أقرب إلى هذا الديكتاتور من أي شخص آخر.

وبعد تنافُر الاثنين عن بعضهما بصورة متزايدة، بسبب طريقة تعامل النظام مع الاحتجاجات التي بدأت في العام 2011، تمكن طلاس من مغادرة سوريا بمساعدة المخابرات الفرنسية.

لقد حدّث طلاس داغر، عن طيب خاطر، عن المدة التي قضاها في أعمق دوائر السلطة. ومن الطبيعي أن يكون لدى طلاس أجندته الخاصة، وألا يكون قد أخبر داغر بكل ما يعرفه، كي لا يثقل كاهل نفسه بنفسه، غير أن ما أفشى به قام مؤلف الكتاب بالبحث فيه والتحقق منه.

حكم بالحذاء العسكري على رؤوس البشر

وبفضل تواصله مع طلاس، ورغبة الأخير الكبيرة بإفشاء ما يعرفه من أسرار، نجح داغر في رسم صورة نفسية لديكتاتور عانى في البداية من عُقَد وعاهات، حاول فيما بعد التعويض عنها من خلال إظهار رجولة مبالغ فيها وعبر القسوة والتهكم.

 

 

وبذلك يكنس داغر تلك الصورة الكاذبة التي يروق للأسد أن يظهر بها، أي صورة الطبيب العصري، المنفتح التفكير والتقدمي، الذي انتهى به المطاف بطريق الخطأ في عالم السياسة، والذي يحتاج فقط إلى القليل من الوقت لإصلاح سوريا وجعلها منفتحة على العالم.

إذ يورد طلاس جزءاً من حديث للأسد أجراه معه قبل أن يصبح رئيساً لسوريا، يناقض هذه الصورة، إذ قال لطلاس إنه "لا توجد طريقة أخرى لحكم مجتمعنا سوى بالحذاء فوق رؤوس الناس"، ذاكراً أنه سيحكم بموجب هذه النظرية إذا ما تم التشكيك بشرعية حكمه يوماً. وما إن سنحت هذه اللحظة، حتى تحول هذا الشاب النحيف الخجول (أو الذي يُستفز بسهولة)، الذي يلثغ بالحروف، إلى دكتاتور يقتل بدم بارد، يفضل تدمير بلاده على التخلي عن السلطة.

وعبارة "الأسد أو نحرق البلد"، هي عبارة قامت ميليشيات الأسد بكتابتها بالطلاء البخاخ على أنقاض الأحياء السكنية، في كل مرة جرى فيها استعادة السيطرة على إحدى المدن الثائرة. وفي كثير من الحالات، بدا ما كتبه هؤلاء على الحطام وكأنه إهداءات، تفشي بدورها بالكثير عن كنه من كتبها.

 

موريتس باومشتايغر

ترجمة: حسام الحسون

حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ / موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de