السلطويات تخفي أعداد وفيات كورونا الحقيقية

كشفت دراسة أن العدد الفعلي لوفيات كورونا عالميا أكبر بكثير من عدد موتى كورونا الفعلي وأن الفرق لا يقل عن مليون وفاة، وأظهرت أن هذا يعود بدرجة كبيرة إلى أرقام أعلنتها دول سلطوية، وهذا دون احتساب بيانات أكثر من 100 دولة لأنها لم تكن متاحة. الصحفية جينيفر هوليس والتفاصيل.

الكاتبة ، الكاتب: Jennifer Holleis

منذ انتشار وباء كورونا وحتى أول أسبوع من شهر أغسطس / آب 2021 أعلنت الدول رسميا عن 4.27 مليون حالة وفاة جراء الفيروس، إلا أنه وكما يشتبه الكثيرون فإن هذه الحصيلة المعلنة لا تتسم بالدقة بشكل كبير.

وقالت منظمة الصحة العالمية إن حصيلة الوفيات العالمية الرسمية "يتم احتسابها بشكل غير دقيق" لتبدو منخفضة، بمعنى أنه يتم تسجيل أرقام أقل من الأرقام الفعلية لإجمالي الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

بيد أن الأسباب وراء ذلك متباينة إذ يعتمد الأمر على الوضع السياسي أو الرغبة في نشر البيانات على الإطلاق.

وقالت المنظمة في تقرير إن "العديد من الدول لا تزال تفتقد إلى أنظمة فعالة للتسجيل المدني والإحصاءات الحيوية التي بمقدورها العمل لتقديم بيانات دقيقة وشاملة وحسنة التوقيت بشأن الوفيات والمواليد وأسباب الوفاة".

ومن أجل تسليط الضوء على الحصيلة الحقيقية لوفيات كورونا حول العالم، قام عالمان مؤخرا بنشر أكبر قاعدة بيانات للوفيات في العالم تقارن بين الأرقام المعلنة لوفيات كورونا وبيانات الوفيات الناجمة عن جميع الأسباب في 103 دولة سواء البيانات الأسبوعية أو الشهرية أو الفصلية.

وقام بالدراسة رييل كارلينسكي من الجامعة العبرية بالقدس وديمتري كوباك من جامعة توبنغن جنوبي ألمانيا.

ووفقا لقاعدة البيانات للوفيات العالمية التي قام العالمان بنشرها، فإن هناك مليون حالة وفاة إضافية على الأقل خلال الجائحة وهذا دون احتساب البيانات الخاصة بأكثر من 100 دولة لأنها لم تكن متاحة.

 

حول إحصائيات وفيات كورونا العالمية. Ariel Karlinsky Corona WorldMortality Quelle Twiiter
حول إحصائيات وفيات كورونا العالمية: وفقا لقاعدة البيانات لوفيات كورونا العالمية التي قام عالمان بنشرها فإن هناك مليون حالة وفاة إضافية على الأقل خلال الجائحة وهذا دون احتساب البيانات الخاصة بأكثر من 100 دولة لأنها لم تكن متاحة.

 

تعتيم في الدول السلطوية

يشار إلى أن هناك فجوة بين معدل الوفيات المعلن عنه رسميا ومعدل الوفيات الفعلي والحقيقي على نطاق كبير في البلدان التي تديرها أنظمة سلطوية مقارنة بالإحصاءات الرسمية التي تصدرها الدول الديمقراطية.

ويبدو أن دراسة كارلينسكي وكوباك تؤكد هذا الأمر إذ كشفت عن أن النمسا و بلجيكا و ألمانيا و فرنسا كانت دقيقة نسبيا في الأرقام التي أعلنتها عن وفيات كورونا، ما يعني أن نسبة عدم الاحتساب بشكل دقيق وصلت إلى أقل من 1 بالمائة بين النسبة المعلنة والنسبة الفعلية.

وعلى النقيض، فإن الدراسة كشفت عن نسبة عدم الاحتساب بشكل دقيق كانت أعلى في الدول غير الديمقراطية مثل طاجيكستان (100) ونيكاراغوا (51) وأوزبكستان (31) وبيلاروسيا (14) ومصر (13).

ففي مصر على سبيل المثال بلغت نسبة عدم الاحتساب بشكل غير دقيق  13 إذ أُعلن رسميا عن تسجيل حوالي 6600 حالة وفاة بحلول نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2020 في حين وصل معدل الوفيات الحقيقي عند 87000.

وترى ماريا جوسوا – الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية (GIGA) ومقره هامبورغ – "أن الشفافية ليست بشكل عام موضع اهتمام في الأنظمة السلطوية على عكس الحال في الأنظمة الديمقراطية. وذلك نظرا إلى افتقاد المساءلة".

وفي مقابلة مع دويتشه فيله، أضافت الخبيرة "من الإنصاف أن نفترض أن الكثير من الإحصاءات التي أُجريت في الأنظمة السلطوية قد تم تحريفها، بغض النظر إذا كانت هذه الإحصائيات تتعلق بمعدل البطالة أو معدل الوفيات أو معدلات الوفيات الزائدة. وتعد مصر مثالا صارخا بشكل خاص فيما يتعلق بمعدل الوفيات المرتفع للغاية وعملية التستر الكبيرة على ذلك".

مصر موضع شك منذ فترة

وفيما يتعلق بمصر، قال رييل كارلينسكي إن مصر "تمتلك نظامًا قويًا للتسجيل الحيوي"، مشيرا إلى أن الفارق المرتفع بين النسبة الرسمية المعلنة والنسبة الفعلية في مصر والذي وصل إلى 13 يمكن إرجاعه إلى سوء تقدير متعمد فضلا عن محاولة من السلطات لخفض حصيلة الوفيات جراء كورونا.

 

تشييع جنازة الممثل المصري سمير غانم المتوفى بفيروس كورونا في مايو / أيار 2021.  (photo: AA/picture-alliance)
توفي الممثل المصري سمير غانم الخميس عن 84 عاماً بعد أسابيع على إدخاله المستشفى في القاهرة إثر مضاعفات إصابته بفيروس كورونا، بعد مسيرة فنية طويلة استمرت حوالى ستة عقود شكّل خلالها أحد أبرز أعلام الكوميديا في مصر والعالم العربي. وقد عانى غانم تدهورا في الوظائف الحيوية للكلى خلال أيام ما تسبب في دخوله العناية المركزة في حالة حرجة ووضعه على أجهزة التنفس الاصطناعي، حتى وفاته الخميس 20 / 05 / 2021. وذكرت معلومات صحافية أن التشييع من دون مراسم عزاء في ظل استمرار منع التجمعات في مصر للجم انتشار الفيروس الذي أودى بحوالى 14500 شخص في البلاد حتى ذلك التاريخ.

 

وفي سياق متصل، قال تيموثي كالداس - الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط ومقره واشنطن - "لطالما تشكك العديد من المراقبين - بما فيهم أنا – في حالة الاحتساب غير الدقيقة لمعدل الإصابات والوفيات جراء كورونا".

وفي مقابلة مع دويتشه فيله، أضاف "تشير الوفيات الزائدة بين مايو / أيار ويوليو/ تموز 2021 إلى وجود احتساب غير دقيق كان على الأرجح كبيرا. ويبدو أن الحكومة المصرية غير مهتمة بإجراء إحصاء شامل للحالات، نظرا لأن الأرقام الرسمية تعكس فقط اختبارات "بي سي آر" للكشف عن كورونا، التى تقوم بها الحكومة وهي دائما تكون لحالات كورونا الشديدة في المستشفيات الحكومية. أما اختبارات "بي سي آر" في المعامل الخاصة في المراكز الصحية الخاصة فهي غير مشمولة في الإحصاء الرسمي".

والجدير بالذكر أن العوامل الاقتصادية تلعب أيضا دورا حاسما إذ رفع صندوق النقد الدولي توقعات النمو في مصر خلال عام 2021 من 2% إلى 2.8% وذلك "استنادا جزئيا إلى الأرقام الرسمية التي تعترف الحكومة أيضا بأنها غير دقيقة"، وفقا لما ذكره كالداس.

 وترى ماريا جوسوا أنه لا يمكن الاستهانة بالتأثير الاقتصادي الذي قد ينجم عن الإعلان عن المزيد من الوفيات خاصة على السياحة التي تعد العمود الفقري لاقتصاد البلاد. وقالت "ببساطة لا يمكن تحمل تبعات خسارة موسم سياحي آخر".

مخاوف من تلاعب جديد في البيانات

يشار إلى أنه عندما شرع كارلينسكي وزميلة ديمتري كوباك في جمع البيانات في عام 2020، لم يكن هناك مخزون دولي يتعلق بمعدلات الوفيات الزائدة المرتبطة بالوباء التي شمل أكثر من 100 دولة.

ففي السابق، كانت هناك قواعد بيانات قليلة قارنت فقط الأرقام المعلنة من جانب عدد قليل من الدول الأوروبية ذات الدخول المرتفعة.

وكما هو الحال مع أي محاولة لجمع البيانات، فإنه يجب أخذ العديد من الجوانب في الاعتبار عند مقارنة الأرقام بالسنوات السابقة.

وبسبب الإغلاق، انخفض عدد حوادث السيارات المميتة إلى أدنى مستوى فيما انخفض أيضا معدل الوفيات الناجمة عن الأنفلونزا أو غيرها من أمراض الجهاز التنفسي بسبب التباعد الاجتماعي والعمل من المنزل.

 

شاطئ قليل الزوار في أنطاليا  - تركيا بسبب كورونا. (photo: picture-alliance/AA)
الصورة من شاطئ قليل الزوار في أنطاليا في تركيا بسبب كورونا: مع دخول صيف عام 2021 ورغم ترقب وصول الروس إلى مدينة بودروم السياحية التركية التي افتقدت زوارها، لا يعتقد رئيس بلديتها أن أموالهم ستمنع خسارة موسم آخر هذا الصيف. وقال رئيس بلدية المدينة أحمد أراس لوكالة فرانس برس في ذلك الوقت "انتهى الفصل السياحي السابق على تراجع بنسبة 75 بالمئة".

 

وأشار الباحثان إلى أن عام 2020 كان عاما كبيسا، ما يعني أن إجراء مقارنة مباشرة مع عام آخر تعد بطبيعة الحال مقارنة مشوهة قليلا. وأضاف الباحثان أن هناك اختلافا بين أوقات تسجيل البيانات في كل دولة، بحسب وقت بدء تفشي الفيروس.

ومع ذلك، أوضح العالمان أن الخلاصة هو أنه يمكن القول إن عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم جراء وباء كورونا أكثر من الحصلية العالمية الرسمية لمنظمة الصحة العالمية.

وقال كارلينسكي في مقابلة مع دويتشه فيله "يساورني شعور متباين بين الأمل والخوف في نفس الوقت".

وأوضح حالة التباين هذه بقوله إنه يأمل في أن تأخذ الدول نتائج الدراسة على محمل الجد وتشرع في إعادة النظر في حصيلة الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا.

واستشهد كارلينسكي بما قامت به بيرو، إذ عملت على تحديث حصيلة الوفيات الناجمة عن وباء كورونا من 69 ألفا إلى 180 ألفا.

لكنه قال إنه يخشى "في أن تبدأ الدول التي تعد إلى حد ما سلطوية وحاولت في الماضي التقليل من تفشي الوباء، في التلاعب بالبيانات التي خلصت إليها الدراسة".

ويخشى أن تكون تركيا قد سلكت هذا النهج، إذ كان من المفترض أن تنشر تركيا بياناتها الشهرية للوفيات الناجمة عن جميع الأسباب لعام 2020 في نهاية يونيو / حزيران 2021، لكن انتهى بها الأمر بتأجيل الموعد إلى أجل غير مسمى بسبب صعوبات غير مبررة، على حد قول كارلينسكي.

وأضاف "أتواصل مع باحثين في تركيا وهناك بعض التقديرات عن وفيات زائدة في إسطنبول والمدن الكبرى الأخرى. وربما يكون الأمر كبيرا جدا".

 

 

 

جينيفر هوليس

ترجمة: م.ع

حقوق النشر: دويتشه فيله 2021

 

 

ar.Qantara.de

 

[embed:render:embedded:node:44027]