مبيت نازحي إدلب بمخيمات وسيارات وأبنية مهجورة ومدارس وجوامع بل وسجن سابق ومغارات ومقابر

يرافق القلق فادي الخطيب الذي نزح إلى إدلب قبل سنوات رغم سريان وقف اطلاق النار في شمال غرب سوريا، انطلاقاً من قناعته على غرار العديد من سكان المنطقة أن مصيره محكوم بالفشل، كما الهدن السابقة.

وبدأ عند منتصف ليل الخميس الجمعة 06 / 03 / 2020 وقف لإطلاق النار أعلنه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، في محاولة لوضع حد لهجوم تتعرض له المنطقة منذ مطلع كانون الأول/ديسمبر 2019، دفع بنحو مليون شخص إلى الفرار، في إحدى أكبر موجات النزوح منذ بدء النزاع قبل تسعة أعوام.

وقال فادي (26 عاماً) النازح من مدينة حلب إلى إدلب لوكالة فرانس برس الجمعة 06 / 03 / 2020: "يلعب النظام وروسيا هذه اللعبة دائماً، يسيطرون على مناطق ثم يوافقون على الهدنة، وبعد أشهر عدّة يبدأون مجدداً عملية عسكرية كبيرة ويسيطرون على مناطق جديدة".

ويسأل "كيف يُطلب مني أن أصدّق وجود هدنة؟". ولا يعد اطلاق النار هذا الأول في إدلب التي تعرضت خلال السنوات الأخيرة لهجمات عدّة شنتها قوات النظام بدعم روسي وتمكنت خلالها تدريجياً من قضم أجزاء واسعة من المحافظة. ومع الهجوم الأخير، بات قرابة نصف مساحة المنطقة تحت سيطرة قوات النظام، التي تقدمت في جنوب إدلب وغرب حلب.

قبل سنوات، خرج أبو سعيد (24 عاماً) مع زوجته وطفله من بلدة داريا قرب دمشق، متوجها مع آلاف المعارضين إلى محافظة إدلب، التي تحولت على مرّ السنوات إلى وجهة لعشرات الآلاف من مقاتلين معارضين ومدنيين رفضوا البقاء في مناطق استعادتها قوات النظام.

ويقول: "لست متفائلاً بالاتفاق ولا أتأمل منه شيئاً". ويضيف: "لا يعرف هؤلاء (الروس والنظام) معنى الإلتزام (..) إذ لم يمر علينا اتفاق هدنة واحد أو وقفاً لإطلاق النار إلا وانتهكوه". ويتابع: "قد نشهد هجوماً جديداً (..) ونغادر البلاد". وأودى الهجوم الذي بدأته قوات النظام بدعم روسي منذ مطلع كانون الأول/ديسمبر 2019 ضد مناطق سيطرة فصائل معارضة وهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، بحسب المرصد، بحياة نحو 500 مدني. وتؤوي إدلب ومحيطها ثلاثة ملايين شخص نصفهم تقريباً من النازحين من مناطق أخرى استعادتها قوات النظام.

ولطالما كررت دمشق عزمها استعادة كامل المناطق الخارجة عن سيطرتها. وأكد رئيس النظام السوري بشار الأسد في مقابلة مع قناة روسية بُثت الخميس أن استعادة إدلب تُشكل "أولوية من الناحية العسكرية" في الوقت الراهن.

وتسببت ثلاثة أشهر من الهجوم بأكبر موجة نزوح وأسوأ كارثة إنسانية منذ بدء النزاع في سوريا في العام 2011، مع فرار حوالي مليون شخص إلى مناطق أكثر أمناً، وفق الأمم المتحدة.

ولجأ الجزء الأكبر منهم إلى مناطق مكتظة أساساً بالمخيمات قرب الحدود التركية في شمال إدلب. ولم يجد كثر خيماً تؤويهم أو حتى منازل للإيجار، فاضطروا إلى البقاء في العراء أو في سياراتهم أو في أبنية مهجورة قيد الإنشاء وفي مدارس وحتى جوامع.

وأفاد مراسلو فرانس برس في الأسابيع القليلة الماضية عن عائلات نازحة تقيم في مغاور تحت الأرض أو في مقبرة أو سجن مهجور.

في مدينة الدانا قرب الحدود التركية في ريف إدلب الشمالي، يقول أبو باسل، الفار من جنوب إدلب، "الهدنة عبارة عن كذب ومراوغة من روسيا لا أكثر ولا أقل... وهدفها ببساطة تثبيت النقاط التي سيطرت عليها قوات النظام. وبعد فترة ستبدأ مجدداً قضم مناطق" أخرى.

ويوافقه عدنان (30 عاماً) الرأي. ويقول الشاب النازح أيضاً إنه خلال سنوات النزاع التسع: "بعد كل مرة تقدم النظام، أبرم هدنة لإعادة ترتيب أوراقه قبل أن يعود ويبدأ من جديد".

ويضيف: "لا ثقة لنا بالهدنة أبداً، النظام سيكمل عملياته الهجومية ويسيطر على مناطق جديدة وسط صمت دولي فظيع من قبل كل الذين يرون المجازر والدمار، ولا يحركون ساكناً تجاه النازحين".

وفي مدينة بنش شمال إدلب، يتساءل سكان عن معنى وقف لإطلاق النار ما لم يعد النازحون إلى قراهم وبلداتهم.

ويقول المهندس الزراعي فادي عبيد "نتمنى أن يكون وقف إطلاق النار مشروطاً بعودة المدنيين، لكن في حال لم يتحقق ذلك، فالاتفاق حبر على ورق". أ ف ب