مصر تحتفل بذكرى افتتاح قناة السويس الـ 150 - ممر رابط بين بحرين وشاهد على حروب عربية إسرائيلية

تحتفل قناة السويس هذا العام 2019 بالذكرى الـ 150 لافتتاحها الذي واكبته احتفالات صاخبة كانت إيذانا بتاريخ لا يقل صخبا لهذا الممر الملاحي الدولي الذي كان شاهدا على ثلاث حروب عربية-اسرائيلية. 

على مدى قرن ونصف كانت قناة السويس التي حفرت ما بين عامي 1859 و1869 لتربط البحرين الأحمر والمتوسط في قلب الأنواء التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط.

وبعد أن ظلت تخدم المصالح الفرنسية والأميركية لعقود، قام جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس في العام 1956. وكانت القناة خط الجبهة المصرية-الإسرائيلية في ثلاث حروب (1956،1967،1973).

وأُغلقت لمدة 8 سنوات بعد حرب 1967 ثم نزعت الألغام منها وأعاد الرئيس المصري الأسبق أنور السادات افتتاحها في العام 1975 عقب توقيعه اتفاقية ثانية لفض الاشتباك مع اسرائيل وقبل اتفاقية السلام بين البلدين في العام 1978.

اليوم تعتبر قناة السويس مصدرا رئيسيا لدخل مصر من العملات الصعبة وتمر عبرها 10% من التجارة الدولية. وتخضع قناة السويس لتأمين مشدد من قبل الجيش المصري الذي يحارب الفرع المصري لتنظيم الدولة الإسلامية في شمال سيناء منذ عزل الرئيس الإسلامي الراحل محمد مرسي الذي كان ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في العام 2013.

وإذا كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي افتتح، وسط احتفالات واسعة في العام 2015 "قناة السويس الجديدة"، وهو فرع جديد للقناة تم حفره في عام واحد، فانه لا ينتظر أن تحاط الذكرى المئة وخمسين لافتتاح القناة بكثير من الضجيج.

فالمآدب الفاخرة والاحتفالات الضخمة التي واكبت افتتاح القناة قبل قرن ونصف تنتمي الى كتب التاريخ. أما الذكرى الـ 150 لافتتاحها فسيتم الاحتفال بها بشكل هادئ. وتم إصدار طابع بريد يحمل صورة فرديناند ديليسبس، وهو دبلوماسي ومقاول فرنسي كان وراء حفر قناة السويس، في فرنسا ومصر.

وتقيم مكتبة الإسكندرية ندوة في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 تحت عنوان "قناة السويس مكان الذكريات". ومن المنتظر أن يفتتح في مدينة الإسماعيلية متحف للقناة داخل مبناها التاريخي. ولكن أعمال الإنشاءات لا تزال جارية فيه ويتوقع أن يفتتح مطلع العام المقبل 2020.

وبدلا من التركيز على تاريخ القناة، تفضل السلطات المصرية الحديث عن مستوى الأداء المرتفع للقناة. وفي بلد يتعافى بصعوبة من أزمة اقتصادية حادة عصفت به خلال سنوات عدم الاستقرار السياسي عقب إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك في 2011، فإن أي زيادة في موارد قناة السويس مرحب بها.

وبدفع من الرئيس السيسي تم حفر "قناة السويس الجديدة" وهي فرع جديد موازي للقناة الحالية يبلغ طوله 72 كيلومتر. وأتاح هذا الفرع الجديد أن تمر قافلتين في نفس الوقت في قناة السويس إحداها من الشمال وأخرى من الجنوب وأدى الى تقليل المدة الزمنية للعبور.

وفي آب/أغسطس أعلنت هيئة قناة السويس أن عائدات السنة المالية 2018 / 2019 بلغت 5,9 مليار دولار أي أنها حققت زيادة بنسبة 5,4% مقارنة بالعام السابق. وتأمل السلطات المصرية في أن تصل إيرادات القناة 13,2 مليار دولار بحلول العام 2023.

وتعلن هيئة قناة السويس بانتظام عن عبور سفن بحمولات أكبر من ذي قبل. وفي آب/أغسطس 2019 تم تسجيل رقم قياسي بعبور سفينة حمولتها 6,1 مليون طن.

ويقول جون ماري ميوساك وهو أستاذ في جامعة بول فاليري مونبيليه (في فرنسا) والخبير في شؤون الملاحة الدولية إن "الحمولات حققت قفزة". ويضيف أن زيادة حمولات السفن التي تعبر القناة يرتبط بـ "زيادة حركة الحاويات بين آسيا وأوروبا وبين أوروبا وشبه القارة الهندية".

ويشرح الخبير أنه "مع توسيع القناة أتاحت السلطات المصرية المجال لعبور سفن بحجم أكبر وبحمولات أكبر". ولكن هيئة القناة رفعت رسوم العبور بعد التوسعة ما جعل القناة "أقل تنافسية بالنسبة للخطوط الملاحية التي تربط بين الساحل الشرقي للشرق الاقصى وأميركا الشمالية".

ويعتبر سفير فرنسا في مصر ستيفان روماتيه أن قناة السويس "مغامرة فرنسية-مصرية". ويضيف لوكالة فرانس برس أن تاريخ القناة الأهم "بالنسبة للمصريين هو العام 1956"، أما بالنسبة للفرنسيين "فهو العام 1869".

ونظم في باريس في العام 2018 معرضا تحت عنوان "ملحمة قناة السويس" ولكنه لم يعبر البحر المتوسط. ويقول الدبلوماسي الفرنسي "كل يكتب التاريخ بطريقته". ويعتقد أن التدخل العسكري لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل عام 1956 بعد تأميم قناة السويس "أصبح من الماضي".

ويقول أرنو راميار دوفوتانييه من جمعية ذكرى فرديناند ديليسبس وقناة السويس إن المصريين "يستقبلون (أعضاء) الجمعية بطريقة محترمة". ولكن الموضوع يظل "حساسا بعض الشيء" اذ أن "الأمور سارت بشكل سيء عام 1956"، وفقا للرجل الذي يمثل الجمعية المعنية بالحفاظ على ذكرى شركة قناة السويس القديمة التي تم تأميمها. أ ف ب