من أكثر قمعا للصحفي الفلسطيني؟ إسرائيل أم السلطة الفلسطينية؟

في النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كثيرا ما يقع الصحفيون أيضا ضحية لكل من الطرفين. إذ يتعرض صحفيون فلسطينيون لضغوطات متزايدة من جانب إسرائيل، وحتى من جانب السلطة الوطنية الفلسطينية. لكن من منهما أكثر ممارسة لضغوطات سياسية وأعمال انتقامية إزاء الصحفيين الفلسطينيين؟ ومن منهما يعرقل بشكل أكبر عمل الصحفي الفلسطيني؟ الصحفي الألماني جوزيف كرواتورو يحاول الإجابة لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Joseph Croitoru

أصبح وضع الصحفيين الفلسطينيين في السنوات الأخيرة أكثر صعوبة. ومن بين الأمثلة الصارخة على ذلك الأحداث الأخيرة [2018] التي وقعت في قطاع غزة، وأصيب فيها برصاص قنَّاص إسرائيلي مصوِّرٌ صحفيٌ فلسطيني إصابة قاتلة، بالإضافة إلى إصابة خمسة صحفيين من زملائه. لقد كانوا يقومون بتغطية "مسيرة العودة الكبرى"، التي تم تنظيمها تحت رعاية حركة حماس الحاكمة في قطاع غزة. وبحسب وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان فإنَّ المصوِّر الصحفي المقتول ياسر مرتجى، الذي كان يرتدي سترة كتب عليها "صحافة"، كان يستخدم طائرة مسيَّرة من دون طيار تشكِّل خطرًا أمنيًا. على الرغم من عدم تأكيد هذه الرواية من قِبَل الجيش الإسرائيلي، الذي كشفت تحقياته عن عدم استخدام أي طائرة من دون طيار في مكان الحادث - على الأقل عدم استخدام أي طائرة من دون طيار كان من الممكن أن تعرِّض الجنود الإسرائيليين للخطر بأي شكل من الأشكال. الكاميرا كسلاح 

فلسطينيون محتجون في خان يونس.  Foto: dpa/picture-alliance
Zwischen die Fronten geraten: Der 30-jährige Jasser Murtaja war von Schüssen getroffen worden, während er östlich von Chan Junis Fotos der Palästinenserproteste machte. Diese sollen noch bis Mitte Mai dauern. Israel feiert am 14. Mai den 70. Jahrestag seiner Staatsgründung.

وعلى الفور تم استغلال مقتل الصحفي ياسر مرتجى سياسيًا في قطاع غزة وكذلك من قِبَل الفلسطينيين في الضفة الغربية على جميع القنوات الممكنة. وباعتباره "شهيد الحقيقة" تم أيضًا تكريم هذا المصوِّر المقتول بملصق يظهر فيه وهو يحمل عدسة كاميرا مقرِّبة كبيرة موجَّهة نحو الأعلى وتلقي بظلها خلفه على شكل قذيفة بازوكا. كما تم عرض هذا الملصق أيضًا من قِبَل زملاء فلسطينيين، أقاموا للصحفي المقتول حفل تأبين في نابلس مع نشاط احتجاجي.إنَّ مثل هذه العروض تصبُّ في مصلحة الدوائر الأمنية ​​الإسرائيلية. وتنقلها في إسرائيل وسائل الإعلام اليمينية مدَّعية أنَّ ياسر مرتجى كان منذ فترة طويلة ضابطًا في أحد الأجهزة الأمنية التابعة لحركة حماس، وأنَّه قد حاول في عام 2015 تهريب طائرة من دون طيار إلى قطاع غزة لأغراض استخباراتية عسكرية. ولكن هذه الرواية يتم التشكيك بها في إسرائيل من قِبَل اليسار. فقد أشارت صحيفة هآرتس إلى أنَّ شركة إنتاج ياسر مرتجى "عين ميديا" حصلت في الآونة الأخيرة على دعم مالي من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). ويمكن لنا أن نفترض بناءً على معايير دعمها المالي الصارمة أنَّ شركة "عين ميديا" لا تربطها بحماس أية صلة. 

 

أمَّا أنَّ شركته متخصِّصة أيضًا بالتصوير باستخدام طائرات مسيَّرة من دون طيار، فهذا ما يمكن استخلاصه من صفحات ياسر مرتجى على موقعي تويتر وفيسبوك، التي ظل يعلن فيها حتى النهاية وبصور مماثلة لنفسه وللشركة. على سبيل المثال في التاسع والعشرين من آذار/ مارس 2018، نشر صورة لمخيَّم المتظاهرين ملتقطة من السماء، وقد كتبت عليها العبارة التوضيحية التالية: "صورة جوية من مخيمات العودة شرق رفح".

 ولكن هل يبرِّر يا ترى مثل هذا التصور الصحفي الأشبه تقريبًا بالدعاية السياسية والملتزم وطنيًا سلوك الجيش الإسرائيلي؟ من وجهة نظر منظمات الصحفيين الإسرائيليين فإنَّ عمل المصوِّر الصحفي ياسر مرتجى لا يشكِّل مطلقًا أي سبب للقتل. واحتجاجاتهم الصاخبة ضدَّ تصريح الجيش، الذي يشكِّكون فيه، ويفيد بأنَّ "الجيش الإسرائيلي لم يستهدف الصحفيين الفلسطينيين في أي قت من الأوقات"، دفع القيادة العسكرية إلى الإعلان عن بدء تحقيق في هذه القضية.عراقيل منتظمة تتعرَّض منذ فترة طويلة قوَّات الأمن الإسرائيلية فيما يتعلق بموضوع الإعلام لانتقادات شديدة ضمن السياق الفلسطيني. ففي شهر آذار/مارس 2018، أثارت الانتباه حادثة، قام فيها بحسب معلومات فلسطينية عملاء للاستخبارات الإسرائيلية، ادَّعوا أنَّهم صحفيون في حرم جامعة بيرزيت، باختطاف رئيس مجلس الطلبة عمر الكسواني - وهو منسِّق قائمة "الكتلة الإسلامية" في مجلس الطلبة المقرَّبة من حماس والمهيمنة هناك. وأنكرت شرطة الحدود الإسرائيلية أنَّ عملاءها قد تنكَّروا بهذه الطريقة - ولكن فقط بعد قيام احتجاجات من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. 

 وهذا الحادث غير مفاجئ بالنسبة للإعلاميين الفلسطينيين، خاصة وأنَّهم يشتكون بانتظام من عرقلة عملهم من قِبَل الجنود الإسرائيليين. وعلى الرغم من أنَّ وزارة الإعلام الفلسطينية، التي تتَّخذ من رام الله مقرًا لها، تقوم شهريًا بتوثيق مثل هذه الحالات على موقعها الإلكتروني؛ ولكن مع ذلك لا يتم هنا تقديم أية صورة كاملة عن الضغوطات السياسية والأعمال الانتقامية التي يواجهها الصحفيون الفلسطينيون. من الممكن أيضًا أن نستنتج من التقارير الصادرة شهريًا عن المنظمة غير الحكومية "المركز الفلسطيني للتنمية والحرِّيات الإعلامية" (مركز مدى) في رام الله أنَّ هذه الضغوطات السياسية والأعمال الانتقامية تُسجَّل على حساب أجهزة الأمن التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية. وبطبيعة الحال فإنَّ أعداد الضغوطات السياسية والأعمال الانتقامية تميل إلى أن تكون أقل بكثير من تلك التي يلقي فيها مركز مدى المسؤولية على عاتق الإسرائيليين.    جوزيف كرواتوروترجمة: رائد الباشحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de