أبناء إسرائيل "الخَوَنة"!

منذ تأسيسها قبل 11 سنة نشرت منظمة "كسر الصمت" الإسرائيلية ما يزيد على 1100 شهادة سرية لجنود إسرائيليين سابقين وَثَّقُوا فيها الانتهاكات التي مورست ضد الفلسطينيين، ومؤخراً تقدم الجيش الإسرائيلي بالتماس للمدعي العام العسكري في محاولة لإجبار المنظمة على تسليم جميع تفاصيل الشهادات السرية والكشف عن هوية الجنود. يلينا غوستولي أجرت لموقع قنطرة الحوار التالي مع يهودا شاؤول أحد مؤسسي هذه المنظمة.

الكاتبة ، الكاتب: Ylenia Gostoli

لماذا تعتبر أن هذه المحاكمة خصيصاً تبعث على القلق؟

شاؤول: يريدون أن  يكمموا أفواهنا لذا فإنهم يطالبون بكشف النقاب عن الشهادات السرية، وعن هوية الجنود الذين أدلوا بها، ولكن من المعروف أن أحدا لن يقول شيئاً حين يعلم أن هذه الاعترافات ستؤدي به للسجن؛ لذا قمنا بتقديم ضمانات للجنود بأننا لن نكشف عن هويتهم، وهذه هي الطريقة الوحيدة لكشف هذه الممارسات وكسر حاجز الصمت.

وقبل عام من الآن نشرنا كتاباً يحتوي على شهادات تفضح الممارسات الإسرائيلية، في الحرب على غزة والتي أطلق عليها "عملية الجرف الصامد"، وعلى إثرها قامت وحدة الاستخبارات العسكرية بفتح ثمانية تحقيقات في الشهادات الواردة في الكتاب وطالبونا حينها برسالة رسمية أن نزودهم بالتفاصيل كاملة حول هذه الشهادات.

ربما يتبادر إلى ذهنك أن هذه الحالات قد لا تغير شيئاً من السياسات والأنظمة المتخذة من قبل كبار الضباط في الجيش، ولكن لهم الصلاحية الكاملة في التعديل من سلوك الجنود في الميدان. ومن الواضح أن كبار الضباط كانوا يتخذون الضباط ذوي الرتب المتدنية ككبش فداء لتنفيذ عملياتهم والاستفادة من هذه الميزات لإسكاتنا باستمرار.

لماذا تعتقد أن منظمة كسر الصمت شكلت مصدر ذعر وتشهير ضد منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية الفلسطينية في الأشهر الأخيرة؟

شاؤول: نحن في خضم الصراع السياسي الآن، وقد أصبحت المنظمة واحدة من التيارات الأساسية المناهضة للاحتلال، وهي مكونة من قُدامى الجنود في الجيش الذين يؤمنون بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، لكننا نعارض منهجية العنف المستخدم لتحقيق ذلك، فالجيش ليس أداة للقهر والاحتلال واستخدامه بهذه الصورة يدمر سمعة الجيش الإسرائيلي خاصة والمجتمع الإسرائيلي عامة.

وطالما أن النقاش العام بسياسات الاحتلال يعتبر من المحرمات، إذن فالسياسات هذه باقية ومستمرة.

نعتك وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بالخائن، وتراجع عن اللقب فيما بعد، أما وزير التعليم نيفتالي بينيت، فاتهمك بنشر الأكاذيب ضد الجيش الإسرائيلي ومنعك من دخول المدارس والجامعات، فكيف كان حال الشهور الماضية بالنسبة لك؟

شاؤول: كل من ينتقد الحكومة حول سياستها المتبعة في الأراضي المحتلة، يواجه نقداً لاذعاً من قبل مسؤولين رفيعي المستوى. وهذه هي الحال التشريعية السياسية التي أفضت إليها الأسابيع الثلاثة الأخيرة في كانون الثاني/ ديسمبر 2015؛ فقد شنت عدد من الهجمات ضدنا، حتى إن رئيس الوزراء هاجمنا علناً ثلاث مرات، وأصدر مؤخراً قراراً بمنع استضافتنا بكل من المدارس والجامعات أو حتى معسكرات الجيش، حتى أن لجنة التعليم عقدت جلسة خاصة بعنوان: "الأذى الذي تلحقه منظمة كسر الصمت على دولة إسرائيل"، وعلاوة على ذلك دعا 58 عضواً في الكنيست الإسرائيلي إلى مقاطعتنا.

ولكن جزءًا كبيراً من هذه الحملات مضلل ولا يستند إلى أساس متين، مثلاً قام اليمينيون المتطرفون بشن حملات ضدنا ونشر أرقام هواتفنا وأرقام عائلاتنا على مدونات ومنصات إلكترونية وطالبوا الناس بالاتصال بنا ومضايقتنا، حتى عندما تتم دعوتنا من قبل أي جهة نقوم بتحذيرهم من أي ردود فعل أو مظاهرات قد تنشب ضدهم، وقد تمت مهاجمة مكتبنا واعتدوا على نشطائنا في حرم الجامعات، كما أن كل أنظمتنا الالكترونية تتعرض للهجوم الإلكتروني على مدار الساعة مما يمنحك فكرة عن المتورطين بذلك.

مؤخراً تم توجيه عدد من التهم لك منها كشف أسرار الدولة...

شاؤول: يوجد منظمة منفصلة ممولة من الحكومة الإسرائيلية تعمل منذ ثلاث سنوات على تصوير وتوثيق الأنشطة المناهضة لسياسات الاحتلال كمنظمة "كسر الصمت" وغيرها من المنظمات اليسارية اليهودية المعنية بقضايا حقوق الإنسان تتعرض لحملة منظمة رسمية وشعبية، لكشفها ممارسات جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين، واتهمت بعدد من التهم منها: بث دعاية سياسية ضد إسرائيل وإثارة الذعر الداخلي.

وقامت المنظمة بإرسال جنديين للتحقيق في منظمة "كسر الصمت"، وخلال التحقيق أصروا على معرفة المعلومات السرية حول المناطق التي يسيطر عليها الأعداء في سوريا، وقد أخبرناهم مراراً أنه لا معلومات لدينا عن ذلك، وتحققت نبوءاتنا أن هذه كانت طريقة لجرنا نحو محاكمة بعنوان كشف أسرار الدولة، ولكن قسم التحقيق لدينا استطاع أن يكشف أن هذه جميعها ادعاءات كاذبة وأصدرنا بذلك بيانا صحافيا تم نشره، وخلص التحقيق بأن المعلومات التي زعم التقرير أنها سرية للغاية سبق أن صادقت الرقابة العسكرية على نشرها، ما يعني أن الرقابة لا ترى إشكالية في هذه المزاعم.

Breaking the Silence logo (source: Twitter)
The organisation's stated mission is to 'break the silence' of IDF soldiers who return to civilian life in Israel and "discover the gap between the reality which they encountered in the [occupied] territories and the silence they encounter at home"

مهمة المنظمة تتلخص بكسر الصمت الذي يحوم حول أسطورة جيش الدفاع الإسرائيلي، بعدما سرحوا وعادوا إلى الحياة المدنية، ليكتشفوا الهوة بين حقيقة عملهم في الأراضي المحتلة، وصمتهم عن الإدلاء بأي شيء يخص الممارسات التي كانوا ينتهجونها أثناء خدمتهم.

لماذا الآن؟

شاؤول: هذه الأيام لا يوجد معارضة جدية في إسرائيل، كل الحركات المناهضة للاحتلال نابعة من مؤسسات المجتمع المدني وليس للأحزاب السياسية، وهذا يفسر احتلالنا الصدارة.

وحالياً، نعتبر في طليعة المنظمات اليسارية اليهودية المعنية بحقوق الإنسان منذ نشأة دولة إسرائيل، والأحزاب السياسية حرفياً غير قادرة على فعل أي شيء ابتداء من الأمن ولغاية الضمان الاجتماعي، لذا أصبحنا لقمة سائغة لهم.

خلال العشرين سنة الأخيرة، مرت إسرائيل بمرحلة يمكن تسميتها بــ "تغيير النخب"، فالموالين للمستوطنين دينياً تغلغلوا ببطء في جسم الدولة ومعاهدها ومؤسسات الإعلام ووزارة التعليم والقضاء والجيش، أما "كسر الصمت" فهي التي تهدد هذه السيطرة الكاملة للجيش الإسرائيلي وهذا يفسر تعرضنا لهذا النقض اللاذع.

ما ردك على الفلسطينيين واليسار الراديكالي، الذين يقولون أن المنظمة إنما وجدت لتلميع صورة الجيش الإسرائيلي، وحماية الديمقراطية الإسرائيلية؟

شاؤول: نحن لا نعمل للحصول على رضا أي من الأحزاب أو استمالتها، مهمتنا هي حماية إسرائيل من الاحتلال.

أنا لا أؤمن بالصور المنمطة. ولكني أؤمن بثالوث المحتوى والحقيقة والواقع. كما لا ينبغي أن ندعم سياسات النظام الحالي، ونحتاج إلى وقفة مع الذات وإلى تسمية الأمور بمسمياتها لمواجهة النظام الذي قمنا بالتصويت له واختياره ليتحمل هذه المسؤولية.

 

حاورته: يلينا غوستولي

ترجمة: آ.ع

حقوق النشر: موقع قنطرة ar.Qantara.de 2016