من جنوب لبنان إلى شماله سلسلة بشرية ( 170 كلم) عابرة للمناطقية والطائفية ترمز إلى الوحدة الوطنية

نجح عشرات آلاف اللبنانيين الأحد 27 / 10 / 2019 بتشكيل سلسلة بشرية تمتد من شمال البلاد إلى جنوبها في إطار الحراك الشعبي المناهض للطبقة السياسية والذي لم يتوقف منذ 11 يوماً سابقة، في خطوة ترمز إلى الوحدة الوطنية التي تكرست خلال التظاهرات العابرة للطوائف والمناطق.

وبدأ آلاف الأشخاص منذ الصباح الانتشار على الطرق لهذه الغاية، ممسكين بأيدي بعضهم البعض، لينجحوا أخيراً بتغطية مسافة تمتد على 170 كيلومتراً من صور جنوباً إلى طرابلس شمالاً، مروراً بساحة الشهداء في وسط بيروت.

وقالت جولي تيغو بو ناصيف التي شاركت في التنظيم لوكالة فرانس برس: "يمكنني أن أؤكد أن تشكيل السلسلة البشرية قد تمّ بنجاح".

ويتسم الحراك بالسلمية، إلا أن الأيام الأخيرة شهدت توترات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين يقطعون طرقا رئيسية في العاصمة وخارجها، في محاولة منهم لتكثيف الضغط على السلطة لتنفيذ مطلبهم باستقالة الحكومة أولا. وباءت محاولات الجيش فتح الطرق بالفشل.

كما حصلت توترات بين متظاهرين ومجموعات من حزب الله ومن التيار الوطني الحر الذي يتزعمه رئيس الجمهورية ميشال عون. وأعلن الأمين العام لحزب الله الذي يمتلك مع عون وحلفائهما الأغلبية الحكومية، رفضه استقالة الحكومة والرئيس وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، كما يطالب المحتجون، متذرعا بخشيته من "الفوضى" و"الفراغ".

كذلك يرفض رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كان خلال السنوات الماضية على خلاف مع حزب الله، الاستقالة.

وأعلن الحريري ورقة إصلاحات اقتصادية قبل نحو أسبوع في محاولة لامتصاص غضب الشارع، ودعا عون الى إعادة النظر بالواقع الحكومي، لكن المتظاهرين يعتبرون أن كل هذه الطروحات جاءت متأخرة ولا تلبي طموحاتهم. وهم مصرون على مواصلة ما يسمونه "ثورة".

وتجمع المشاركون في مبادرة السلسة البشرية على طول الطرق السريعة من الشمال إلى الجنوب، ووصلوا اليها سيراً على الأقدام، وبعضهم على الدراجات النارية أو الهوائية.

وقالت بو ناصيف لوكالة فرانس برس إن "الفكرة خلف هذه السلسلة البشرية هي أن نظهر أن لبنان من شماله إلى جنوبه يرفض الطائفية".

وأكدت بو ناصيف "نريد تعزيز شعور الوحدة الوطنية الذي بدأ يظهر في لبنان خلال الأيام العشرة الماضية".

"نحبّ بعضنا": على واجهة بيروت البحرية، أمسك رجال ونساء وأطفال أيدي بعضهم البعض، وحمل بعضهم الأعلام اللبنانية مرددين النشيد الوطني، وفق ما قال مصور في وكالة فرانس برس.

ومن منطقة زيتونة باي في بيروت، قالت منظمة أخرى للحدث قدمّت نفسها باسم بنت بيروت لفرانس برس: "الفكرة خلف هذا النشاط هي أن نظهر أننا موحدون من شمال لبنان إلى جنوبه"، مضيفةً: "نحن شعب واحد ونحب بعضنا البعض".

وعلى طريق سريع رئيسي شمال بيروت، شاهد مصور آخر في فرانس برس العشرات يقفون معاً على طول الطريق تحت تلة صغيرة مغطاة بالشجر.

وفي مدينة صور الجنوبية، وقف متظاهرون على طرفي علم لبناني أمسكوه بأيديهم، وفق صور نقلها الإعلام المحلي.

وفي طرابلس شمالاً التي يعيش أكثر من نصف سكانها عند خط الفقر، رسم بعض المشاركين في المبادرة العلم اللبناني الذي تتوسطه الأرزة على وجوههم، وفق ما روت مراسلة فرانس برس.

وقال طارق فضلي (30 عامًا) من طرابلس إنه يشارك "للتعبير عن مطلبنا للعيش بكرامة وحلمنا كشباب بمستقبل لائق. ومهما حاولوا شيطنة تحركنا، نثبت في كلّ مرة للسلطة أنّ تظاهراتنا سلمية وحضارية لأنّ قضيتنا محقة".

وتميزت التظاهرات في لبنان بشمولها مختلف الأراضي اللبنانية ومختلف الطوائف في بلد صغير يقوم على المحاصصة الطائفية ويشهد انقسامات كبيرة بين سياسييه على خلفية الانتماءات الحزبية والدينية.

وتشكّل فئة شباب ولدوا ما بعد الحرب الأهلية الدامية (1975-1990) عصب التظاهرات اللبنانية التي ليست لها قيادة ولا توجها حزبيا.

"ثلاثون عاماً": وحاول الجيش اللبناني وقوى الأمن السبت فتح عدد من الطرق المغلقة في مناطق مختلفة في البلاد، فيما لم تفتح المصارف والمدارس والجامعات أبوابها منذ أكثر من عشرة أيام.

 

 

وجرح السبت ستة أشخاص على الأقل في صدام بين الجيش ومتظاهرين كانوا يحاولون قطع طريق في منطقة البداوي قرب طرابلس في شمال لبنان.

وحصلت الجمعة مواجهة في ساحة رياض الصلح وسط بيروت إثر إقدام مجموعة مؤيدة لحزب الله على نصب خيمة في وسط الساحة وإطلاق هتافات مؤيدة لنصرالله اعتراضاً على تصنيف المتظاهرين الأمين العام للحزب كجزء من الطبقة السياسية الفاسدة.

وطالب المحتجون منذ بدء الحراك بإسقاط الطبقة السياسية بأكملها فهم يحملون عليها فسادها وعجزها عن حلّ الأزمات التي تمر بها البلاد، خصوصاً الاقتصادية.

وتتألف الطبقة الحاكمة في لبنان بمعظمها من زعماء كانوا جزءاً من الحرب الأهلية المدمرة التي شهدتها البلاد، وما زال أغلبهم موجوداً في الحكم منذ نحو ثلاثة عقود. ويمثّل هؤلاء الزعماء عموماً طبقة طائفية أو منطقة معينة.

وتضمنت الإصلاحات التي أعلنها الحريري خفضا بنسبة النصف لرواتب المسؤولين، وتقديمات ووعود بإصدار قانون لاستعادة الأموال المنهوبة. بالإضافة الى إقرار موازنة العام 2020 مع عجز نسبته 0,6 في المئة، ومساهمة القطاع المصرفي والمصرف المركزي بخفض العجز بقيمة تتجاوز خمسة آلاف مليار ليرة (3,3 مليارات دولار) خلال العام 2020.

ودعم شركاء الحريري في الائتلاف الحكومي وكذلك رئيس الجمهورية تلك الإصلاحات. لكن الشارع ردّ بالرفض لعدم ثقته بقدرة الحكومة التي لطالما وعدت ولم تفِ، على التنفيذ. أ ف ب