فنون نسوية يمنية...علاج نفسي لأوجاع حرب اليمن

الفنون في زمن الحرب بمثابة علاج نفسي وإثراء للرأي بعيدا عن الأطر المعلبة. لمحة عن حراك الفن اليمني النسائي في زمن الدمار والتشظي والمجاعة، تقدمها لنا الصحفية اليمنية أفراح ناصر وتعرفنا بأربع مبدعات يمنيات كتوثيق لأعمال فنية في زمن الحرب اليمنية، كأمثلة على يمنيات واجهن الحرب والنزوح مسلحات بالخيال والشغف لصناعة الأفلام والرسم والغناء والقصة كوسائل للتأقلم مع الضغوطات الحياتية.

الكاتبة ، الكاتب: Afrah Nasser

قد يبدو الحديث عن الحراك الفني اليمني، ناهيك الحديث عن الحراك النسائي بالتحديد، في مرحلة تشهد فيها اليمن أكبر كارثة إنسانية أمر ليس في أوانه. فقد مرت أكثر من أربعة أعوام على بداية حرب اليمن، والمأساة الإنسانية تهدد حياة أكثر من 22 مليون شخص، سواءً من رجال أو نساء أو أطفال. 

هناك شحّ في التغطية الإعلامية لما يجري في اليمن، ومتى ما كانت هناك تغطية إعلامية فنجد أن القصص الإنسانية عن المجاعة والأمراض تعطى الأولوية. إذاً، في زمن المجاعة والكوليرا والدمار وتشظّي المجتمع اليمني، ماذا يعني لو تحدثنا عن الحراك الفني اليمني النسائي؟

لوحة فنية "صرخة غضب" - هيا الحمومي - اليمن - مجتمع ضحية حرب شعواء يريد أن يصرخ غضباً.  الصورة: موقع ج.
مجتمع ضحية حرب شعواء يريد أن يصرخ غضباً: بدأت هيّا في عرض رسوماتها للعامة منذ 2014 وهي الفترة التي دخلت فيها اليمن مرحلة الحرب الأهلية، باجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء واجتياح مؤسسات الدولة. منذ ذلك الوقت وهيا ترسم لتعبر عن مشاعرها. فمثلاً، رَسْمَتُها "الضحية" أو "صرخة غضب" رسمَتْهما هيّا في فترات أرادت فيها أن تصور حالة مجتمعها حيث هو ضحية حرب شعواء يريد أن يصرخ غضباً في وجهها.

فكيف لا والمبدعات اليمنيات من مخرجات، ورسامات وكاتبات وأخريات أخذن على عاتقهن التعبير عن ألم مجتمعهن والدفاع عن قضية الإنسان بشكل مستقل عن سيطرة السلطات.

النساء والرجال بالتساوي يشكلون حراك الفن اليمني

والحق يقال، بعكس ما هو معروف في العالم أن النساء في عالم الفن يعملن في مجال يغلب عليه الرجال وتهميش إنتاجهن بالمقارنة مع الاهتمام الكبير للإنتاج الفني للذكور، ولكن في اليمن الوضع مختلف تماماً. من تجربتي في التغطية الإعلامية لليمن منذ عشرة أعوام، أرى أن النساء والرجال بشكل متساوٍ يشكلون الحراك الفني اليمني، والكل مهمش ولا يحظى باهتمام إعلامي ولم يتم توثيق أعمالهم/ن ومواهبهم/ن بشكل جيد وكافي. ومع ذلك، أخصص هذا المقال للحديث عن النساء المبدعات اليمنيات.

سارة إسحاق في هذا السياق من أهم المبدعات اليمنيات في جيل الشباب اليوم الذي وجد صوته مع بداية ثورة اليمن في 2011. سجلت المخرجة الشابة اليمنية من جهة الأب وإسكوتلاندية من جهة الأم، إنجازا تاريخيا بإنجازها أول فيلم يمني (بالتعاون مع فريق يمني) "ليس للكرامة جدران" (2012) الذي رُشح لجائزة الأوسكار ضمن فئة الأفلام الوثائقية القصيرة. يحكي الفيلم عن مجريات أحداث يوم دامٍ في بداية الثورة، الذي يعتبر نقطة تحول في مسار الثورة اليمنية.

منذ أن رجعت سارة لليمن في 2011 بعد غياب لمدة عشرة أعوام في سكوتلاندا، وهي توثق تفاصيل حياتية بين الواقع السياسي والاجتماعي في اليمن، فهي تأرجحت بمهارة بين الأفلام الوثائقية التي عبرت فيها عن تجربة المواطن أو المواطنة اليمنية كنتيجة للتطورات السياسية، والأفلام الوثائقية التي تحكي من خلالها تجربتها الخاصة. فمثلاً، الفيلمان القصيران لسارة عن سيدة متظاهرة في ساحة التغيير في صنعاء 2012 أو فيلم "عالقون" عن اليمنيين العالقين في مصر في 2015 يؤكدان على أهمية كاميرا سارة في توثيق لحظات حرجة في ذاكرة المواطن اليمني. أما فيلمها الوثائقي "بيت التوت" الحائز أيضاً على عدة جوائز عالمية وعربية يلخص طبيعة حياة الأسرة اليمنية من خلال سرد السيرة الذاتية والعائلية لسارة إسحاق نفسها.

طموح نسائي لإنشاء مركز لتعليم صناعة الأفلام في اليمن

عندما أجريت لقاء مع سارة إسحاق في 2013 بعد ترشحها للأوسكار، سألتها عن طموحاتها الفنية فأخبرتني كيف أنها مستاءة من عدم وجود أي مكان في اليمن لتعليم صناعة الأفلام ولهذا تطمح في إنشاء مدرسة أو مركز لتعليم صناعة الأفلام في اليمن، ويبدو أن الحلم صار حقيقة.

في مكالمة خاصة مع سارة إسحاق من صنعاء، تخبرني بحماس عن تحضيراتها لورشة العمل الثانية بدعم الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق)، بعد نجاح ورشة العمل الأولى لصناعة الأفلام لمجموعة من الشباب والشابات في صنعاء. فبعد أن أخذت قسطاً من الراحة لفترة وجيزة بعد ولادة مولودها الأول، تحاول سارة اليوم أن توفق بين مشاريعها العديدة. فإلى جانب إقامة ورشة العمل مع فريق مكتبها قمرة لإنتاج الأفلام، تعمل وراء الكواليس في إنتاج أفلام قصيرة بالتعاون مع وسائل إعلام دولية وإقليمية، والأهم من ذلك تعمل الآن على تحضير فيلمها الروائي الطويل الأول وفيلم وثائقي عن النساء والحرب.

سارة إسحاق تقول لي سواءً في الحرب أو في السلم لصناعة الأفلام دور حيوي لدى الشباب اليمني، فهو أداة تمكين للشباب ومصدر إثراء للنقاش والرأي العام. تقول سارة، "عموماً، صناعة الفنون في زمن الحرب هو بمثابة علاج نفسي، وهنا صناعة الأفلام هي كذلك، سواءً لصانعي الأفلام أو الجمهور - فالأفلام تساعدنا على أن نعبر عن أنفسنا وعلى أن نثري وجهات نظرنا للأمور بعيداً عن الأطر المعلبة".

الرسم وسيلة للتأقلم مع الواقع والضغوطات 

وبالفعل هذا أيضاً ماحصل مع الرسامة اليمنية الشابة هيّا الحمومي. فعن عمر الـ 23 تخبرني هيا في مكالمة خاصة من صنعاء أن الرسم بالنسبة لها وسيلة للتأقلم مع الواقع والضغوطات التي فرضت عليها. تقول هيّا، "أنا أرسم لأنها الوسيلة التي أبرع فيها للتعبير عن نفسي وعن محيطي. البعض يستطيع أن يكتب مقالا أو كتابا أو يصنع فيلما ويعبر عن نفسه، لكني أجد الرسم أقرب وسيلة تعبير لي".

بدأت هيّا في عرض رسوماتها للعامة منذ 2014 وهي الفترة التي دخلت فيها اليمن مرحلة الحرب الأهلية، باجتياح جماعة الحوثي للعاصمة صنعاء واجتياح مؤسسات الدولة. منذ ذلك الوقت وهيا ترسم لتعبر عن مشاعرها. فمثلاً، رسمتُها "الضحية" أو "صرخة غضب" رسمَتْهما هيّا في فترات أرادت فيها أن تصور حالة مجتمعها حيث هو ضحية حرب شعواء يريد أن يصرخ غضباً في وجهها. أما رسمتها عن العنف اللفظي ضد المرأة، ضمن مشروع للمؤسسة تنمية القيادات الشابة في اليمن، لخصت من خلاله هيًا معاناة النساء في اليمن من العنف اللفظي.

عمل فني للرسامة اليمنية الشابة هيّا الحمومي - معاناة نساء في اليمن من العنف اللفظي. الصورة: موقع ج.
معاناة نساء في اليمن من العنف اللفظي: لوحة رسمتها الرسامة اليمنية الشابة هيّا الحمومي عن العنف اللفظي ضد المرأة، ضمن مشروع لمؤسسة تنمية القيادات الشابة في اليمن، لخصت من خلاله هيّا معاناة النساء في اليمن من العنف اللفظي.

شاركَتْ هيّا حتى اليوم في 16 معرضا فنيا في صنعاء وواحد في الكويت وتثني على اهتمام الجمهور في صنعاء، فهم في أعداد متزايدة مع افتتاح المعارض على مر الأعوام الماضية ولكن تتمنى أن يكون هناك دعم أكبر للطاقات الشابة.

أغاني يمنية باللغة الإنكليزية... أيضا ضد قرار ترامب منع ملايين المسلمين من دخول بلاده

اليمنية "مثال" مغنية وعازفة جيتار  مِمَّن لقوا دعما كبيرا. سطع نجم "مثال" بعد تعاونها مع فرقة (x ambassadors) العام الماضي 2017 في إصدار اغنية مشتركة باسم (cycles) ضمن حملة تضامن باسم (i am with the banned) مع البلدان المحظورة من دخول أمريكا بعد القرار التنفيذي من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. منذ ثورة اليمن 2011 ومثال تألف وتغني وتنشر أغانيها الخاصة باللغة الإنكليزية.

نجاح "مثال" لم يكن الوصول إليه بالهين. في حوار لي مع مثال فور إصدار أغنية Cycles أخبرتني كيف أنها واجهت استهجان ومضايقات عديدة في اليمن عندما بدأت الغناء في 2011، وتقول: "كانت تصلني رسائل كره ومضايقات من الناس، بسبب غنائي في أماكن عامة و مختلطة. زادت المضايقات فتوقفت عن الغناء في 2014 واختفيت تماماً عن الحياة الاجتماعية. ومع بداية الحرب في مارس 2015 أخذت جيتاري وسافرت بقوارب اللاجئين إلى جيبوتي. هناك عزفت لفترة في الفنادق حتى يكون لي مصدر رزق، وخلال تلك الفترة عملت على نشر أعمالي على الإنترنت فوصلتني دعوات للمشاركة في فعاليات عن اليمن في ألمانيا وكندا. وبعدها استقررتُ في كندا".

قصص يندهش من واقعيتها كل يمني ويمنية

ريم مجاهد تعبر عن حنينها الى اليمن في قصص تدهش بواقعيتها وتعبيرها عن معاني مشتركة لدى كل يمني ويمنية.

ومن مقرها الجديد في براغ منذ بداية حرب اليمن، ريم مجاهد تنقلك بكلماتها إلى اليمن. الباحثة الاجتماعية والكاتبة ريم مجاهد تعبر عن حنينها إلى اليمن في قصص تدهش بواقعيتها وتعبيرها عن معاني مشتركة لدى كل يمني ويمنية. عندما التقيت بريم في براغ بداية هذا العام 2018 اعترفت لي أنها تحاول من خلال هذه القصص أن تتواصل مرة أخرى مع ريم الصغيرة التي نشأت في إحدى القرى في محافظة تعز اليمنية - ريم، بنت القرية.

نجاح المغنية وعازفة الغيتار اليمنية "مثال" لم يكن الوصول إليه بالهين. الصورة: موقع ج.
"أخذتُ غيتاري وسافرت بقوارب اللاجئين من اليمن إلى جيبوتي...وخلال تلك الفترة عملت على نشر أعمالي على الإنترنت فوصلتني دعوات للمشاركة في فعاليات عن اليمن في ألمانيا وكندا. وبعدها استقررتُ في كندا": نجاح المغنية وعازفة الغيتار اليمنية "مثال" لم يكن الوصول إليه بالهين. في حوار مع مثال فور إصدار أغنية Cycles تحدثت كيف أنها واجهت استهجان ومضايقات عديدة في اليمن عندما بدأت الغناء في 2011، وتقول: "كانت تصلني رسائل كره ومضايقات من الناس، بسبب غنائي في أماكن عامة و مختلطة. زادت المضايقات فتوقفت عن الغناء في 2014 واختفيت تماماً عن الحياة الاجتماعية. ومع بداية الحرب في مارس 2015 أخذتُ غيتاري وسافرت بقوارب اللاجئين إلى جيبوتي. هناك عزفت لفترة في الفنادق حتى يكون لي مصدر رزق، وخلال تلك الفترة عملت على نشر أعمالي على الإنترنت فوصلتني دعوات للمشاركة في فعاليات عن اليمن في ألمانيا وكندا. وبعدها استقررتُ في كندا".

في رحاب صفحات جريدة السفير، نشرت ريم حتى الآن ست قصص متتالية بالعناوين التالية: "بلوزة" و"زفاف"، "فرار" و"سرقة" و"نزوح" و"طريق". لم يمر وقت طويل حتى أدرك فريق جريدة السفير موهبة ريم مجاهد فعرضوا مؤخراً قصص ريم في صفحة واحدة وقالوا، "أدهشتنا الصبية ريم مجاهد. كل قصة لها لوحة عن زاوية من المشهد اليمني اليوم... أو سيناريو لفيلم يمتلك كل الكثافة اللازمة. أدهشتنا ريم مجاهد، وأيقنّا أننا إنما "نكتشف" قاصّة خطيرة".

هذه أربعة أمثلة من قائمة طويلة بأسماء مبدعات يمنيات يواجهن الحرب والنزوح، مسلحات بالخيال والشغف لصناعة الأفلام، الرسم، الغناء والقصة. لم يُكتب الكثير بعد عن اليمن والحرب، ونحن بحاجة دائمة لتوثيق أعمال الفنانات والفنانين.

 

 

أفراح ناصر

حقوق النشر: ج 2018

أفراح ناصر صحفية يمنية مستقلة حائزة على عدة جوائز وهي المؤسس ورئيسة تحرير مجلة صنعاء الإلكترونية - تغرد على تويتر على @afrahnasser