تضامن عالمي مع الأكاديميين الأفغان المستهدفين بالقتل

أفغانستان بعد هجمات على مؤسسات تعليمية: الشرطة الأفغانية تؤمِّن الوصول إلى الجامعة في كابول.
أفغانستان بعد هجمات على مؤسسات تعليمية: الشرطة الأفغانية تؤمِّن الوصول إلى الجامعة في كابول.

لماذا لا تهدأ أفغانستان؟ هجوم على جامعة كابول راح ضحيته العشرات وأشعر الأكاديميين الأفغان باليأس دافعًا زملاءهم من جميع أنحاء العالم إلى كتابة رسالة تضامنية معهم. جامعيون هم أمل أفغانستان يتعلمون ويُعَلِّمون في ظل ظروف الحرب والعنف والرعب. الصحفي الألماني ماريان بريمَر والتفاصيل من عين المكان لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Marian Brehmer

بدأ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020 بعنف دموي بالنسبة للأكاديميين الأفغان. ففي الثاني من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020 اقتحم ثلاثة مهاجمون كليةَ الحقوق في جامعة كابول وأطلقوا النار عشوائيًا على الطلَّاب والمُدَرِّسين. وقُتل خلال الحصار الذي استمر ست ساعات خمسة وثلاثون شخصًا وأصيب العشرات بجروح، بينما كانت قوَّاتُ الأمن الأفغانية تناضل من أجل حماية آلاف الطلَّاب وتحاول في الوقت نفسه القضاء على المهاجمين.

وهذا الهجوم هو الثاني على مؤسَّسة تعليمية أفغانية خلال أسبوعين فقط. ففي نهاية شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2020، فجَّر انتحاري من تنظيم داعش نفسه أمام مدخل مركز تعليمي. وقد وقع هذا الهجوم، الذي قُتل فيه ثلاثةٌ وأربعون طالبًا في سنّ المراهقة، في منطقة داشت بارشي المبتلاة بالبؤس والشقاء، والتي تقطنها أغلبية شيعية من الهزارة. تعرَّضت هذه المنطقة في السابق للعديد من الهجمات على مساجد ونادٍ للمصارعة ومؤخرًا على مستشفى للتوليد.

وفي حين تبنَّى الفرع الأفغاني لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الهجوم على جامعة كابول، تعتقد الحكومة في كابول أنَّ من يقف وراء هذا الهجوم جماعة أخرى هي "شبكة حقاني" المعروفة بوحشيَّتها والمرتبطة بحركة طالبان. لكن بصرف النظر عن الطرف المسؤول عن حمام الدم هذا، فإنَّ رسالته الغادرة تبدو واضحة، وهي: الهجوم يستهدف -مثل غيره من الهجمات السابقة على جامعات أخرى مثل الجامعة الأمريكية في كابول أو جامعة البوليتكنيك- على وجه التحديد شباب البلاد ومحط آمالها، الذين يمكنهم في يوم ما أن يُغيِّروا مصير وطنهم.

إشارة قاتلة: التعليم يمكن أن يهدِّد الحياة

وكان من بين القتلى -بحسب تقرير لقناة الجزيرة- الشاب محمد راول عارف، وهو طالب عمره ثلاثة وعشرون عامًا كان واثقًا بأنَّه سيتمكَّن يومًا ما من خدمة بلاده. وبالرغم من أنَّ والديه حاولا إقناعه بالدراسة في الخارج، إلَّا أنَّه بقي في أفغانستان، ومن أجل ذلك ها هو قد اضطر إلى مفارقة حياته. ترسل مثل هذه المصائر المأساوية إشارة قاتلة للشباب الأفغانيين وأولياء أمورهم، مفادها أنَّ التعليم يعني انعدام الأمن ويمكن حتى أن يهدِّد الحياة.

 

طالب جامعي في غرفة قراءة الأدب الفارسي بمكتبة مدينة كابول، إحدى المكتبات العامة القليلة في العاصمة الأفغانية. Foto: Marian Brehmer
Solidarität mit afghanischen Universitäten: Im Wissen um die zerstörerische Symbolkraft der Anschläge auf afghanische Bildungseinrichtungen unterzeichneten 350 Akademikerinnen und Akademiker aus den Vereinigten Staaten, Europa, Südasien und Australien ein auf der Website des “Afghanistan Center” veröffentlichtes Solidaritätsschreiben. In der Erklärung heißt es: “Als internationale Wissenschaftler sind wir empört über die Angriffe auf Universitäten und Bildungseinrichtungen in Afghanistan. Wir sind solidarisch mit den Familien der Opfer und mit allen Afghanen, die ihr Leben riskieren, um ihre Ausbildung unter den Bedingungen von Krieg, Gewalt und Unsicherheit fortzusetzen.”

 

وبعد أيَّام قليلة، استأنفت الجامعة عملها بشكل طبيعي، ولكن المزاج العام كان متَّسمًا باليأس والإحباط. وفي هذا الصدد يقول حسين توفيقي، وهو طالب في كلية الفلسفة بجامعة كابول: "مثل هذه الهجمات باتت تتكرَّر كثيرًا إلى درجة أنَّها أَمْسَتْ شيئًا عاديًا لدى الناس. ولكن مع ذلك فقد كان هذا الهجوم صدمةً شديدة بالنسبة للطلَّاب".

تأسَّست جامعة كابول عام 1931 في عهد حكومة الملك الأفغاني محمد نادر شاه، وهي واحدة من أقدم وأشهر الجامعات في أفغانستان. يدرُس فيها خمسةٌ وعشرن ألف طالب، نصفهم تقريبًا من النساء. وبالتالي فإنَّ هذه الجامعة تلعب دورًا مهمًا في تعليم وإعداد الأجيال القادمة من الكوادر المهنية والفنية في أفغانستان.

وإدراكًا منهم بوحشية هذا الهجوم وقوَّته الرمزية المُدَمِّرة، وقَّع ثلاثمائة وخمسون باحثة أكاديمة وباحثًا أكاديميًا من الولايات المتَّحدة الأمريكية وأوروبا وجنوب آسيا وأستراليا على رسالة تضامن منشورة على موقع "مركز أفغانستان"، بادرت به الباحثتان الأكاديميتان مژگان معصومي (من جامعة ستانفورد) ومونازا ابتكار (من جامعة أكسفورد).

وقد جاء في هذا البيان (التضامني)، الذي كان من بين المُوَقِّعين عليه أيضًا نعوم تشومسكي: "نحن نشعر كباحثين عالميين بالغضب من الهجمات على الجامعات والمؤسَّسات التعليمية في أفغانستان. نحن متضامنون مع أُسر الضحايا ومع جميع الأفغان، الذين يخاطرون بحياتهم من أجل مواصلة تعليمهم في ظروف الحرب والعنف وانعدام الأمن".

وبالإضافة إلى ذلك فقد دعت هذه الرسالةُ الحكومةَ الأفغانية والمجتمعَ الدولي وكذلك المنظمات غير الحكومية العاملة في أفغانستان إلى محاسبة المسؤولين عن الهجمات على المؤسَّسات التعليمية، وتجفيف مصادر دعمهم، وتحسين حماية المعلمين والطلَّاب وإجبار جميع الأطراف المتحاربة في أفغانستان على احترام وحماية أرواح المدنيين في النزاع.

الزملاء الأفغان يشعرون بأنَّهم متروكون وحدهم

ومن بين المُوقِّعين والمُوقِّعات الألمان أنيكا شمدينغ، وهي زميلة مساعِدة في جمعية الزملاء بجامعة هارفارد، أجرت طيلة سنين بحثًا ميدانيًا في أفغانستان. تقول أنيكا شمدينغ: "التعبير عن التضامن مع الضحايا والناجين هو أقلّ ما يمكننا فعله". وتضيف أنَّ "مثل هذه الرسالة تُظهر أنَّ قتل المدنيين في المؤسَّسات التعليمية يجب ألَّا يصبح أمرًا عاديًا - حتى وإنْ كانت الأخبار تأتي وتختفي بسرعة في الغرب. أعتقد أنَّ الكثير من الزميلات والزملاء الأفغان يشعرون بأنَّهم متروكون وحدهم في وضع يبدو أنَّه ميؤوس منه شارك في إيجاده الغرب".

 

 

في شهر شباط/فبراير 2020، وقَّعت الحكومة الأمريكية معاهدة سلام مع حركة طالبان بهدف معلن هو سحب الجزء الأكبر من القوَّات الأمريكية قبل نهاية فترة ولاية ترامب. لكن على الرغم من عملية السلام الجارية بين الإدارة الأمريكية وطالبان، فقد ازداد العنف ضدَّ المدنيين مرة أخرى بشكل حاد في النصف الثاني من عام 2020. وخلال الأشهر الستة الماضية وحدها، نفذَّت حركة طالبان خاصةً في الأقاليم ثلاثة وخمسين تفجيرًا انتحاريًا وألفًا ومئتين وخمسين هجومًا بالقنابل، قُتِلَ فيها ألفٌ ومئتان وعشرة مدنيين وأصيب نحو ضعف هذا العدد.

وبينما التقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في نهاية الأسبوع [ قبل الأخير من شهر نوفمبر / تشرين الثاني 2020] بممثِّلين عن حركة طالبان، قصف تنظيم داعش "المنطقة الخضراء" الشديدة التحصين والحراسة في كابول، والتي توجد فيها وزارات وسفارات أجنبية. ومن جديد كان هناك عشرة قتلى.

فلماذا يا ترى لا تهدأ أفغانستان؟ يبدو في الواقع أنَّ قادة حركة طالبان -الذين يعيش كثيرون منهم في المنفى في باكستان منذ سنين عديدة- يَصْعُب عليهم وقف العمليات القتالية. ومثلما أفاد الصحفي الأفغاني مجيب مشعل من صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإنَّ القياديين لا يعرفون في الغالب سوى القليل عن الظروف على الأرض ودوافع مقاتليهم. لقد تكبَّد المُجنَّدون -ومعظمهم شباب- خسائر فادحة في صفوفهم خلال السنين الأخيرة ولا يريدون اليوم إلقاء أسلحتهم ببساطة. وهدفهم المعلن -بحسب الصحفي الأفغاني مجيب مشعل- هو إعادة إنشاء إمارة طالبان، وومعركتهم في المقام الأوَّل ليست معركة ضدَّ قوى احتلال أجنبية، بل ضدَّ ما يُعتَبَر في نظرهم نظام دولة فاسد.

وبالنسبة للكثير من الأفغان فإنَّ مفاوضات السلام باتت وبشكل متزايد مهزلة نظرًا إلى استمرار العنف. لقد وصف والد حنيفة -وهي واحدة من الطالبات المقتولات في جامعة كابول- لصحيفة "حشتِ صبح" (الثامنة صباحًا) كيف حاول في المستشفى التعرُّف على ابنته من بين الجثث: "تمنَّيت لو أستطيع أن آخذ جثة ابنتي الهامدة إلى الدوحة ووضعها على طاولة المفاوضات وأقول: ’هذا هو الواقع في أفغانستان اليوم‘. جسدٌ ملطّخٌ بالدماء لفتاة شابة، كان لديها ألف أمنية وأمنية جميلة، ولكنها قُتلت، لتتمكَّنوا من التفاوض. فكيف يجب عليّ أن أؤمن بهذا السلام؟".

 

 

ماريان بريمَر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

 

[embed:render:embedded:node:24255]