لعبة محاور في لبنان بين فرنسا وتركيا والعرب وإيران؟

زيارة وزير خارجية فرنسا إلى لبنان كانت الأولى لمسؤول غربي منذ تفشي كورونا. زيارة أثارت تساؤلا حول دلالتها خاصةً أنها أتت بوقت تعاني فيه بيروت من عزلة عربية ودولية بسبب سيطرة حزب الله على الحكومة لوتشهد فيه علاقة فرنسا وتركيا توتراً حول ليبيا. فكيف تريد باريس إنقاذ صديقها التاريخي من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث؟ محيي الدين حسين والتفاصيل.

الكاتبة ، الكاتب: محيي الدين حسين

"فرنسا مصممة على مساعدة لبنان وتتطلع إلى إنجاز الإصلاحات الضرورية التي يحتاج إليها"، هذا ما أكده وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في زيارته (23 / 07 / 2020) إلى لبنان، في أول زيارة لمسؤول سياسي غربي، منذ تفشي كورونا، إلى البلد الذي يعاني أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث ويأمل في التوصل إلى خطة إنقاذ دولية تنقذه من "الانهيار".

وبعد الاجتماع مع كل من الرئيس اللبناني ميشيل عون ورئيس الحكومة حسان دياب، قال لودريان إن بلاده مستعدة لحشد الدعم للبنان إذا كانت هناك إصلاحات ملموسة، مشيراً إلى إمكانية تحريك المساعدات التي أقرها مؤتمر "سيدر" في باريس بالتزامن مع تطبيق الإصلاحات.

وقادت فرنسا الجهود الدولية لدفع لبنان إلى إجراء إصلاحات، واستضافت عام 2018 مؤتمر "سيدر" للمانحين الذين وعدوا خلاله بتقديم أكثر من 11 مليار دولار للاستثمار في البنية التحتية في لبنان بشرط تنفيذ الإصلاحات التي تم التعهد بها ولكنها لم تنفذ.

وبعد تخلّف لبنان عن سداد ديونه لأول مرة في آذار/ مارس 2020، تعهّدت الحكومة بتطبيق إصلاحات وأطلقت محادثات قبل شهرين مع صندوق النقد الدولي تهدف للحصول على مساعدات بقيمة مليارات الدولارات. لكن المحادثات لم تحقق أي تقدم بعد.

رسالتان: دعم وضغط

 

 

يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، خطار أبو دياب، أن زيارة لودريان إلى لبنان تحمل رسالتين، ويضيف في حديث لدويتشه فيله: "الأولى هي رسالة دعم للبنان والثانية هي رسالة ضغط على الحكومة اللبنانية للبدء بالإصلاحات"، ويوضح: "مجرد القيام بالزيارة يمثل دعماً للبنان في وقت يعاني فيه من عزلة عربية ودولية بسبب الانتماء السياسي الحالي لحكومته التي يسيطر عليها حزب الله".

ن جانبه، يعتقد مدير المرصد العربي في باريس، أنطوان بصبوص، أن الموقف الفرنسي "واضح" و"يطالب لبنان بالإصلاحات وعدم التضحية بمصلحته لصالح دول ومحاور لا تفيده"، ويضيف لدويتشه فيله: "الغربيون والخليجيون يقولون للبنان ابتعد عن إيران ونحن نساعدك لكن بشروط، لأن المساعدات كانت في السابق غير مشروطة وأدت إلى تقوية حزب الله وإثراء الطبقة السياسية الفاسدة".

ووفقاً لرأي أبو دياب، فإن فرنسا تحاول لعب وساطة بين لبنان من جهة وبين الدول الغربية ودول الخليج من جهة أخرى، ويوضح: "منذ اتفاق الطائف عام 1989 كانت السعودية اللاعب الاقتصادي الأول المساعد للبنان، لكن منذ فترة أصبح هناك تخلي عربي عن لبنان لربطه بمحور إيران، ما جعل دول الخليج تمارس نفس سياسة الولايات المتحدة حيال لبنان، ولذلك تحاول فرنسا تدوير الزوايا ولعب وساطات في هذا الاتجاه".

ويعتقد أبو دياب أن الرأي الفرنسي حول فكرة البطريرك بشارة الراعي بإعلان حياد لبنان يجعل البلد أمام منعطف، ويضيف: "وكأن إنقاذ لبنان اقتصادياً سيصبح مرتبطاً بتمركزه الجيوسياسي وبموقفه من لعبة المحاور في المنطقة".

منع تنامي الدور التركي؟

وما عدا النفوذ الإيراني الواضح، يزداد الحديث في الآونة الأخيرة عن محاولات تركية للعب دور في لبنان بالاستفادة من الأزمة الاقتصادية فيه.

 

 

 

ففي بداية الشهر الجاري ألقت السلطات اللبنانية القبض على عدة أشخاص في طيارة خاصة قادمة من تركيا كان بحوزتهم 4 ملايين دولار، وفي الشهر الماضي أعلن الجيش اللبناني استلام "ذخيرة من عيارات مختلفة مقدمة هبة من السلطات التركية". ولاتزال قضية مقاضاة إعلامي لبناني معروف بسبب وصف إردوغان بـ"العثماني الخبيث" تثير الجدل.

هذه المؤشرات وغيرها، من نشاط جمعيات مساعدات تركية في شمال لبنان، تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت إحدى غايات فرنسا من مساعدة لبنان هي منع تنامي الدور التركي فيه، خصوصاً مع التوترات الحالية بين باريس وأنقرة بشأن ليبيا، والخشية من الطموحات التركية في شرق المتوسط للتنقيب عن النفط والغاز.

ويرى أبو دياب أن فرنسا "تخشى بالفعل" من تنامي دور دول أخرى في لبنان، ويضيف: "لا يمكن الإنكار بأن هناك فئة من التركمان في شمال لبنان لها صلات مع تركيا، ولا يمكن استبعاد أن تكون فئات محسوبة على الإخوان المسلمين ولها صلات مع المحور التركي القطري متحمسة لهكذا دور تركي"، لكنه يؤكد أن "تضخيما هناك للدور التركي في لبنان، فهو لايزال دوراً محدوداً، ولذلك فإن خشية فرنسا هي أكثر من إيران بسبب سيطرة حزب الله على الوضع في لبنان".

ويتفق أنطوان بصبوص على أن تركيا "بعيدة عن التجذر في لبنان"، لكنه يشير إلى أن لديها "رغبة جامحة للامتداد على طول شرق المتوسط".

مساعدة الصديق القديم لكن "لا غنى عن صندوق النقد"

وبحسب بصبوص، فإن المساعي الفرنسية لمساعدة لبنان هي "اندفاع طبيعي من دولة صديقة لا تريد أن تفقد صديقها القديم". ويعقد لودريان اجتماعاً حول التعليم الفرنكفوني مع مدراء المدارس الفرنكوفونية، المتأثرة أيضاً من الأزمة الاقتصادية، حتى أن بعضها مهدد بالإغلاق.

وقررت فرنسا، القوة المنتدبة السابقة في لبنان بين عامي 1920 و1943، صرف مبلغ 12 مليون يورو في الأشهر المقبلة لدعم مؤسسات التعليم الفرنكفوني.

وقد أكد رئيس الوزراء اللبناني، حسان دياب، خلال لقائه لودريان أن "لبنان ينظر إلى فرنسا كصديق تاريخي، وهو على ثقة من أنها لن تتخلى عنه اليوم، ويتمنى مساعدة فرنسا له على عدة أصعدة"، مشيراً على وجه التحديد إلى قطاع الكهرباء الذي كبّد خزينة الدولة أكثر من 40 مليار دولار منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 - 1990).

 

 

ويمثل إصلاح شبكة الكهرباء المملوكة للدولة أحد المجالات العديدة التي يريد المانحون رؤية تقدم بخصوصها، حيث تستنزف ما يصل ملياري دولار سنوياً من الأموال العامة بينما لا تلبي احتياجات البلاد من الكهرباء.

وتتضمن شروط المانحين الأخرى، كما يوضح أبو دياب، معالجة مسألة التهرب الضريبي والسيطرة على المعابر، ويضيف: "إذا تم تحريك هذه الملفات ووضع الأمور على سكتها الصحيحة من قبل الحكومة اللبنانية فإن فرنسا قد تستثني بعض الشروط وتبدأ بمساعدة لبنان من خلال تحريك مساعدات مؤتمر سيدر".

لكن حل الأزمة الاقتصادية في لبنان "غير ممكن بدون صندوق النقد الدولي"، كما يؤكد بصبوص، والذي يتابع: "حاجة لبنان كبيرة جداً ولذلك لا تستطيع دولة أو عدة دول إنقاذه لأنه غارق في الديون". وقد أكد لودريان في زيارته أنه "لا غنى عن صندوق النقد الدولي" لإنقاذ بلد أصبح نصف سكانه تحت خط الفقر.

 

محيي الدين حسين

حقوق النشر: دويتشه فيله 2020

 

 

ar.Qantara.de

 

[embed:render:embedded:node:37639]