في دائرة الاشتباه: نقد تسييس الدراسات حول المسلمين في أوروبا

المسلمون في بلاد الغرب يتعرضون لرصد مكثف من قبل الباحثين الغربيين. يعتقد باحثون غربيون -من مختلف التخصصات- مشاركون في مراقبة حياة المسلمين في الغرب بأنهم قادرون على سبر أغوار المسلمين وكشف حقيقتهم الكامنة، رغم عدم وجود علاقة مباشرة بين مجالات بحث معظمهم والإسلام. ولكن هل يتم التعامل مع أُطر ونتائج تلك الأبحاث بالحد الأدنى من النقد؟ الصحفي الألماني جوزيف كرواتورو والتفاصيل لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Joseph Croitoru

لم يَعُد يخفى على أحد أنّ المسلمين المقيمين في بلاد الغرب صاروا يلقون اهتمام الشأن العام بازدياد منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

ولكن حجم هذا الاهتمام في أوروبا ليس فقط هو ما يثير قلق باحثة الدراسات الإسلاميّة المقيمة في برلين شيرين أمير معظّمي بل أيضا قلة التحليل الانتقادي من قِبَل الخبراء المختصّين لآليّات إنتاج المعرفة البحثية العلمية حول المسلمين. وكما تؤكّد شيرين أمير معظّمي ها هم مسلمو القارّة الأوروبيّة أضحوا واقعين تحت المراقبة: "يرمق الناسُ المسلمين بنظراتٍ حادّة، كما أنهم عرضةٌ للمتابعة. بينما تراقب السلطاتُ إقامتهم لشعائرهم الدينيّة، فتقوم بترويضها حينًا، وتعترف بها كما هي حينًا آخر، في حين يتم قياس أشكال حياة المسلمين الاجتماعيّة وأرشفتها".

يعتقد العلماء المشاركون في مراقبة المسلمين، وهم من مختلف التخصّصات العلميّة، بأنّهم قادرون على سبر أغوار المسلمين وكشف حقيقتهم الكامنة، رغم عدم وجود علاقة مباشرة بين مجالات بحث معظمهم العلميّة والإسلام.

 

شيرين أمير معظّمي أستاذةٌ بقسم الدراسات الإسلاميّة بجامعة برلين الحرّة ومحاضِرةٌ وباحثةٌ في مجال السياسات الدينيّة بأوروبا والعلمانيّة والنظرية السياسيّة وفي مسائل الجندرة وكذلك في شؤون الحركات الإسلاميّة بأوروبا.  Foto: Freie Universität Berlin
Schirin Amir-Moazami ist Professorin am Institut für Islamwissenschaften der Freien Universität Berlin. Sie lehrt und forscht zu Religionspolitiken in Europa, Säkularismus, politische Theorie, Geschlechterfragen und islamische Bewegungen in Europa.

 

مجال البحث المتوسع باستمرار هذا "متسم بمراوحة مستمرة بين البحث العلمي والتدخّل السياسيّ"، كما ترصد الباحثة في العلوم الإسلاميّة أمير معظّمي في مقدمة المجلّد الذي قامت بنشره بعنوان "المسلمون تحت المجهر: حول تسييس الدراسات الإسلاميّة في أوروبا" (دار نشر ترانسكريبت، مدينة بيليفلْد الألمانية 2018، 374 صفحة).

شكوكٌ حول ما سبق من دراساتٍ عن الإسلام

وتتعمّق المؤلّفة في شرح أطروحتها تلك وذلك في بحثها المنشور في نفس الكتاب تحت عنوان "إبستمولوجيا المسألة المسلمة بأوروبا" [في إشارةٍ للمصطلح الشهير "المسألة اليهوديّة" الأوروبي التاريخي]. فهي تعتقد بأنّ المسلمين هنا في أوروبا موسومون من قبل الأوساط البحثيّة بأنّهم "أقليّةٌ خارجةٌ عن المألوف"، ليس فقط في سياق الدولة القوميّة فحسب، بل وأيضًا بسبب ديانتهم غير المتوافقة مع الواقع الأوروبيّ بحسب زعمهم.

وبالنسبة للباحثة في الدراسات الإسلاميّة فإن لتلك "الإبستمولوجيّات" [نظريّات المعرفة] إشكالات عدّة، فهي، وكما ترى أمير معظّمي، تخضع لخطابٍ أمنيٍّ يعمل وفق مقاربةٍ تعتمد مبدأ الشك.

فالمسلمون وبوصفهم "مجموعةً سكانيّةً متمايزةً "، عدا أنّهم يخضعون لمراقبة السلطات الأمنيّة، فهم أيضًا هدفٌ لبرامج وقائيّةٍ شاملةٍ ومادّةٌ "للمراقبة العلميّة".

وكما ترى المؤلّفة، فإنّ الدراسات العلميّة المموَّلة بتكليف من جهات معيَّنة حول التشدّد الإسلامي تمثّل إحدى التبعات النابعة عن هذا التوجّه، وهو ما تعتبره جزءًا من "صناعة بحثٍ علميٍّ" عابرةٍ للقارّة الأوروبيّة. وفي الحين ذاته فإنّ عدد تلك الدراسات يشهد نموًّا مطّردًا، وبالتالي فإنّ مجالاتٍ عدّةً تخصّ حياة المسلمين تُضاف باستمرارٍ لقائمة المراقبة مثل دور رعاية المسنين والحياة داخل المساجد ومظاهر التديّن، أو التصوّرات حول العلاقة بين الجنسين. ويعتقد أولئك الباحثون أنّ كلّ ما سبق يمكِّنهم من الوصول لاستنتاجاتٍ عن مدى قدرة المسلمين المزعوم على الاندماج.

كفاءات علميّة موضع شكّ

وتستحوذ التوجّهات الدينيّة للأقليّة المسلمة على اهتمامٍ خاصٍ، وهو ما تشكو منه شيرين أمير معظّمي، فبالنسبة إليها فإنّ تلك التوجّهات في حالة ألمانيا تخضع لأحكامٍ نابعةٍ عن مفهومٍ مطّاط وهلاميٍّ لـ "ثقافة الأغلبيّة الألمانيّة".

وممّا يدعو الكاتبة للقلق أيضًا التركيز المبالغ به، حسب وصفها، على العقائد الدينيّة للمسلمين المقيمين بألمانيا، فضلًا عن أنّ مثل هذه المسائل توكل في كثيرٍ من الأحيان لأخصّائيّين في علم الجريمة، وهو ما يحجب الرؤية عن البيئة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة التي تؤثّر على أولئك المسلمين الذين يتحرّكون في أوساطها.

وعلى الرغم من ضيق زاوية النظر تلك، فإنّ كمّ البيانات التي تُجمع دون توقّف يشهد نموًّا مطّردًا سواء في ألمانيا أو في غيرها من نواحي أوروبا. وحتّى وإن عرَضت الدراسات الميدانيّة (التجريبية الإمبريقيّة) البيانات مرفقةً باستخدامٍ مفرطٍ للرسوم البيانيّة، إلا أنّ تلك الدراسات تفتقر في كثيرٍ من الأحيان للتحاليل وكذا للاعتبارات النظريّة.

ولذا فإن الكاتبة لا تنفكّ تتساءل عن سبب "هيمنة علماء الإجرام أو حتّى خبراء في مواضيع الهجرة والاندماج جُلبوا خصّيصًا من مجالاتٍ بحثيّةٍ مختلفةٍ تندرج بصورةٍ ما تحت مسمّى علم الاجتماع التطبيقي، وذلك رغم عدم امتلاك هؤلاء للخبرة في مسائل تقاليد الخطاب الدينيّ الإسلاميّ ومصطلحاته".

إن للأرقام سطوةً لا يستهان بها نتيجة لقبول الرأي العامّ بتلك الأرقام كحقائق علميّة مثبتةٍ لا يحدوها الشكّ. وتورد شيرين أمير معظّمي كمثالٍ على أسلوب نشر المعلومة والذي لا تُثَار حوله الشكوك ليومنا هذا الادّعاء المتهافت وواسع الانتشار لعالم الاجتماع الهولندي رود كوبمانس، والقائل بتبنّي ما يربو على 40% من المسلمين القاطنين في ستّ دولٍ أوروبيّةٍ لأفكارٍ ومعتقداتٍ أصوليّة.

وتعرِض بريغيتّه شيبيليرن يوهانسن وريم شبيلهاوس في مقالتهما الصادرة في نفس المجلّد بعنوان "قياس المسلمين: عقْدٌ من الدراسات الكميّة عن المسلمين في أوروبا" الأسس المشكوك في مصداقيّتها لعمليات التقييم تلك.

 

 

فقد بادرتا بتحليل عددٍ كبيرٍ من قصاصات الاستبيانات التي اُستعمِلت في هذا المجال البحثيّ، وخلصتا إلى استنتاجٍ مفاده أنّ تلكم الاستبيانات في غاية الإيحائيّة، وهي غالبًا ما تهدف في المقام الأوّل لرسم صورةٍ عن المسلمين تُظهرهم كمهاجرين أو كأشخاصٍ من خلفيّة مهاجرة.

إذ تجعل أسئلة تلك الاستبيانات من الإسلام بصفته معضلةً موضوعًا لها: "كمصدرٍ لانعدام الولاء وللقيم الأخلاقيّة المتباينة وللتطرّف وكتهديدٍ أمنيٍّ محتمَل".

أمثال هذه التصوّرات المسبقة لا يجري إخفاؤها، بل جرت العادة على ذكرها بلا مواربةٍ في مقدّمة شرح الأسئلة الواردة في الاستبيان، كما يورد هذا التقرير "المراقِب" لمراقبة المسلمين في تشخيص جزئي مثير للقلق.

 

جوزيف كرواتورو

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de