أثر خمس روايات فارسية على ثقافة الإيرانيين الشعبية

ثمة روايات فارسية لاقت استحساناً دولياً مثل "برسبوليس" أو "أن تقرأ لوليتا في طهران" أو "مضحك بالفارسية: مذكرات إيرانية نشأت في أميركا"، لكنَّ القليلين سمعوا عنها داخل إيران. جنكيز م. وارزي اختار تعريف موقع قنطرة بروايات فارسية أخرى حديثة أساسية معروفة داخل إيران، وهي جزء من ثقافة الإيرانيين الشعبية.

الكاتبة ، الكاتب: Changiz M. Varzi

لعبَ كل كتابٍ من الكتب التالية دوراً حيوياً في تعريف التحول السياسي والاجتماعي والثقافي الذي شهدته إيران خلال القرن الماضي.

رواية "البومة العمياء"

لا يوجدُ أي ذكرٍ للكاتب صادق هدايت ورائعته الأدبية "البومة العمياء" في نصوصِ مدارسِ اللغة الفارسية في إيران، بيد أنّ إرثه أعظم بكثير من قرارات الحظرِ التي فرضتها الحكومات قبل الثورة الإسلامية في إيران وبعدها على أعماله.

والبومة العمياء التي تُروى بضمير المتكلمِ، هي قصةُ رسام لم يُكشف عن اسمه يتحدّثُ عن كوابيسه وأمراضه وحبه وكراهيته العميقة للحياة خارج حدود غرفته.

الغلاف الإنكليزي للرواية الفارسية "البومة العمياء" – إيران. (published by Iran Open Publishing Group; based on Bombay edition)
مكتوبة بضمير المتكلم: رواية "البومة العمياء" رواية كافكاوية ومتشائمة للغاية. وتعكس عن قرب الحالة العقلية لمؤلفها، صادق هدايت، وهو رجل كئيب للغايةِ، عاش برؤية تتمثّلُ في عبثية الوجود الإنساني وعدم قدرته على إحداث أي تغيير جيد في إيران.

ويُنظَرُ على نطاقٍ واسعٍ إلى هذه القصة السريالية باعتبارها المثال الأول عن الأدب الإيراني الحديث. كتب هدايت الرواية في عام 1930، وبسبب موقفه المناهضِ للملكيةِ، مُنِعَ من الكتابةِ ونشرِ أعماله من قبل شاه إيران آنذاك، رضا شاه. وبعد ست سنوات من ذلك، سافر هدايت إلى مومباي ونشر 50 نسخةً فحسب. وبعد عدة سنوات، نُشِرَ الكتابُ أيضاً في إيران.

ولم يسفر انتحار هدايت في عام 1951 إلا عن زيادةِ الغموضِ المحيط برواية البومة العمياء، وفي أيامنا هذه فإنّ العبارة الافتتاحية في الرواية، بالنسبةِ إلى العديد من الإيرانيين، شبيهة بعبارة الأمير هاملت "أكون أو لا أكون" (في مسرحية شكسبير "هاملت"). إذ تبدأ رواية البومة العمياء بهذه السطور: "في الحياةِ جراح كالجذام...تأكل الروحَ ببطء...وتبريها في انزواء".

رواية "خالي العزيز نابليون"

خالي العزيز نابليون، وهي رواية بأسلوب هزلي فريد من نوعه، تتناقضُ بشكلٍ كبيرٍ مع المزاج المظلم لرواية "البومة العمياء"، بيد أنها على القدر ذاته من الشهرةِ. نشرَ إيرج بزشك زاده كتابه في عام 1973 وأصبح من أكثر الكتب مبيعاً بين ليلةٍ وضحاها. وبعد ثلاث سنوات، أنتِج مسلسل تلفزيوني اعتماداً على الروايةِ، مما زاد من شهرتها.

وعلى الرغم من أنّ رواية "خالي العزيز نابليون" مُنِعت في إيران منذ ثورة عام 1979، إلا أنّ جميع بائعي الكتب في الشوارعِ في إيران يبيعون نسخاً مطبوعة بشكل غير قانوني من الكتاب.

تدورُ رواية "خالي العزيز نابليون" حول قصة حب بسيطة في أربعينيات القرن الماضي. ويروي الشخصية الرئيسية، الذي لا يُذكرُ اسمه في الكتاب ولكن يُطلقُ عليه اسم سعيد في المسلسلِ التلفزيوني، كيف يقعُ في حبِ ليلى، ابنة خاله نابليون. والخال العزيز ضابط عسكري متقاعد مصاب بجنون الارتيابِ ومهووس بنابليون بونابرت ويكره البريطانيين.

وبهذه القصة البسيطة، يسخرُ بزشك زاده من المجتمع الذكوري التسلطي [الأبوي] في إيران، ومن التقاليد الدينية ودور القوى الأجنبية في سياساتِ إيران الداخلية. وقد حظيت شخصيات واقتباسات معينة من الكتاب بشعبية كبيرة في إيران، إلى درجة أنه حتى أولئك الذين لم يقرؤوا الكتاب أو يشاهدوا المسلسل التلفزيوني أصبحوا يستخدمون هذه العبارات في حياتهم اليومية.

 

 

وعبارة "هذا من فعلِ الإنكليز" هي من أشهرِ الاقتباساتِ في الكتاب وكثيراً ما تُستعملُ من قبل الإيرانيين لوضع اللوم في أي مصيبة تقع بطريقة ساخرة على البريطانيين. وقد استُخدِمت هذه العبارة بشكل مختلفٍ قليلاً من قبل وزيرِ الخارجيةِ البريطاني السابق جاك سترو في عنوان كتابه الصادرِ عام 2019 "المهمة الإنكليزية: فهم إيران والسبب وراء عدم ثقتها ببريطانيا".

رواية "السمكة الصغيرة السوداء"

رواية السمكة الصغيرة السوداء الصادرة عام (1966) هي من أكثر كتب الأطفال الإيرانية شهرةً. كتب الروايةَ صمد بهرنجي، وهو معلم مدرسة ابتدائية، بينما رسم لوحاته مصمم الغرافيك ورسام الرسوم المتحركة الإيراني المشهور عالمياً فارشيد ميثقالي. وفي عام 1969، حصلت رسومات مثقالي -في كتاب السمكة الصغيرة السوداء- على أعلى الجوائز في معرض بولونيا الدولي لكتب الأطفال [في مدينة بولونيا الإيطالية] وفي بينالي براتسلافا الدولي لرسوم كتب الأطفال [في سلوفاكيا]. [بينالي كلمة إيطالية الأصل تعني: "معرض دوري"].

وعلى الرغم من النجاحِ العالمي للكتاب، إلا أنه مُنِعَ خلال العقود الثلاثة الأولى بعد الثورةِ (في إيران) بسبب رسالته السياسية القوية.

ويتتبعُ الكتابُ البطلَ، أي السمكة الصغيرة السوداء، التي لا تصدّقُ أنّ العالمَ بأجمعه يتمثّلُ في البركةِ الصغيرةِ التي تشكّلُ وطناً لعائلتها. وعلى الرغمِ من عدم التشجيعِ الهائلِ من قبل الكبار بالسن، تقرّرُ السمكةُ الصغيرةُ مغادرة البركةِ بحثاً عن البحرِ. وحين تصلُ السمكةُ الصغيرةُ السوداء في نهاية المطافِ إلى البحرِ، تنضمُّ إلى مجموعةٍ أخرى من السمكِ تقاتلُ بجعةً شرسةً.

أحمد محمود كاتب الرواية الأدبية الفارسية "الأرض المحروقة". (photo: Omidsbz; source: wikimedia.org. GNU Documentation License, Attribution-ShareAlike 3.0 Unported (CC BY-SA 3.0)
مناهضة للحرب واستثناء من القاعدة: في روايته الفارسية "الأرض المحروقة"، يستخدمُ أحمد محمود الواقعية ليروي قصة تضحيات السكان العاديين عند الدفاع عن بلدتهم، وجشعَ التجار والوسطاء الذين يستغلّونَ مأساة الفقراء، ولا مبالاة سكان المدن الأخرى إزاء محنة تعيسي الحظ بما فيه الكفاية للعيش في مناطق ضربتها الحرب.

كتب بهرنجي الكتابَ في ذروةِ حرب العصابات اليسارية ضد نظام الشاه الاستبدادي. وقد أدى ارتباطه ببعض أفراد الحركةِ إلى تحويل الكتابِ إلى بيانٍ غير رسمي لمنظمة فدائيي خلق الإيرانية المسلحة.

منذ نشر الكتاب للمرة الأولى، دخلت شخصيةُ السمكة الصغيرة السوداء الثقافةَ الشعبية في إيران ولائحة مفردات الناشطين. وعلى مدى العقد الماضي، عادت الرسومات الأصلية لكتاب "السمكة الصغيرة السوداء" للظهورِ في المجتمع الإيراني وكثيراً ما تُستخدمُ في تصميمِ الحِلَق والأساور. كما أنها تتمتعُ بشعبيةٍ بين الشباب الإيرانيين إذ تُستخدمُ كتصميم للوشمِ.

رواية "الأرض المحروقة"

في السردية الرسمية للجمهوريةِ الإسلاميةِ، تُسمّى الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) الدفاع المقدّس. وداخل إيران، لا بدّ أن تتبع الكتب التي تُكتب حول هذه الحرب أو الأفلام التي تُنتج حولها هذا الإطارَ الرسمي. بيد أنّ رواية "الأرض المحروقة" (1982) لأحمد محمود تُشكِّلُ الاستثناء غير المتوقع.

تروي هذه الرواية المناهضة للحرب قصةَ الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب في حي فقير في الأهواز، عاصمة إقليم خوزستان في جنوب غرب إيران. وُلِدَ محمود وترعرعَ في هذه المدينة وأدّت الحربُ إلى مقتلِ أخيه من بين العديد من ضحاياها.

يستخدم المؤلفُ، في هذا الكتاب، الواقعيةَ ليروي قصةَ تضحيات السكان العاديين عند الدفاع عن بلدتهم، وطمع التجار والوسطاء في استغلالِ بؤس الفقراء، ولا مبالاة سكان المدن الأخرى تجاه محنة هؤلاء سيئي الحظ بما فيه الكفاية للعيشِ في المناطق التي ضربتها الحرب.

ومن أشهر فصول الكتاب الفصل الذي يعتقلُ فيه السكان لصَّين، يقتحمان منازل من فروا إلى مخيماتِ اللاجئين. وينقسمُ المدنيون المسلّحون حول ما إذا كان ينبغي تسليم اللصَّين إلى السلطات أو إعدامهما مباشرةً في الشارعِ.

 

 

"النمور التي ركضت معي"

قبل نشر "النمور التي ركضت معي"، كان بيجان نجدي مدرس رياضيات غير معروف في المدرسة الثانوية في بلدة لاهيجان الصغيرة في شمالِ إيران. وحتى هذا الكتاب لم يمنحه الشهرة فوراً. وكتاب "النمور التي ركضت معي" هو عبارة عن مجموعة من 10 قصص قصيرة -تشكّل الكتاب الأول للمؤلف- نُشِرت في عام 1994، بينما توفي نجدي بعد ثلاث سنوات فحسب بسرطانِ الرئة.

وقد اشتُهِرَ في إيران بعد وفاته فقط. كما استغرق الإيرانيون عدة سنوات لتقديرِ هذا الكتاب، الذي استخدم تقنية كتابة سابقة لزمانها. وفي إيران القرن الحادي والعشرين، يُعرَّفُ نجدي بأنه أبو الأدب الفارسي ما بعد الحداثي.

في عالم نجدي، تصبح جميع الأشياء نابضةً بالحياةِ، بينما تُستخدمُ الضمائر والصفات بأسلوب لم يكن معروفاً قبل كتاباته في الفارسية. فبدلاً من أن يكتبَ: "طاهر كان يستحمُّ"، يكتبُ نجدي: "قطرات الماء المتساقطة في الحمَّام، احتضنت طاهر"، أو في إحدى قصصه تشتاقُ دميةٌ لصوت ماكينة خياطةِ والدة مَن تَملَّكها.

كما تشتهرُ المجموعة القصصية "النمور التي ركضت معي" نظراً لعنوانها الجذّاب. وهو عنوان مألوفٌ للعديد من الإيرانيين، على الرغم من أنهم ربما لم يقرؤوا الكتاب. وعنوان الكتاب مأخوذ من إحدى قصائد نجدي، التي هي وصيته أيضاً:

 

"الكهوف، الحجارة، الصواعد والعزلة،

أعطيها جميعاً، للنمورِ التي ركضت معي"

 

جنكيز م. وارزي

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

 

[embed:render:embedded:node:31981]