
ألبوم "أبوجي" لفرقة إمرهان من الجزائرما يربط الويلزيين بشعب التماشق
في أوائل عام 2019، بنت فرقة إمرهان أول استديو تسجيل احترافي في مدينتها تمنراست وأطلقت عليه اسم "أبوجي"، وهي اسم المساكن التقليدية التي كان يستخدمها شعب التّماشِق عند السفر على طرق القوافل.
وتسمية الألبوم بالاسم ذاته لا يشير فقط إلى التاريخ الثقافي لشعبهم، بل أيضاً إلى مشاعر عدم الثبات التي يشعر بها الكثير من السكان الأصليين حول العالم. وذلك لأنّ الأبوجي لم تكن هياكل دائمة، بل تُفكَّك وتُنقل مع الناس وفقاً لما تقتضيه الحاجة.
ومثل موسيقيين آخرين من التّماشق، فإنّ هذه الفرقة قد وُجِدت لتستمر. فبينما خمدت حدّة الحروب المباشرة ضد شعبها، لكنهم ما يزالون يواجهون صعوبات اقتصادية أكبر من غيرهم في المنطقة. كما أنّ العيش في الصحراء لمدة طويلة، والاضطرار للانتقال إلى مناطق حضرية من دون أمل في المستقبل، خلق فراغاً يبتلع الكثير من الجيل الحالي.
وهذا بالتأكيد أحد الأسباب الرئيسية لوجود فرق مثل إمرهان. فالعديد من الذين حاربوا في صفوف القوى المتطرفة في شمال مالي، وهي القوات التي استهدفت موسيقيي التّماشق، كانوا من الشباب الساخطين. عرض عليهم القادة المتطرفون نقوداً وأسلحة، ومنحوهم هدفاً، بغضّ النظر عن مدى التوائه.
تأمل فرقة إمرهان من خلال موسيقاها في المساعدة على مواجهة تأثير هذه القوى وغيرها من التي تفترس شعبها. إذ ترمي هذه الموسيقى إلى غرس الفخر وإلى أن تكون بمثابة تذكير. الفخر بمن هم كشعب وتذكير بالقيم التي يعتزّون بها. وهي قيم تختلف اختلافاً كبيراً عن تلك التي يروّجُ لها أولئك الذين يمجّدون العنف.

لا تتطلع فرقة إمرهان إلى الماضي فحسب من أجل إلهام شعبها. فالتقاليد جيدة، بيد أنها يمكن أن تثبتك في مكانك وتجعلك أعمى عن الواقع من حولك.
وقد انتهت حياة الترحال، وقوافل الجمال لم تعد تحمل البضائع التجارية عبر الصحاري. بيد أنّ ذلك لا يعني أنّه ينبغي التخلّص من الدروس المكتسبة حول احترام الأرض واحترام بعضنا البعض.
حب المكان والناس
كما أنّ مزج الماضي بالمستقبل يعني تجاوز الأفق سعياً وراء التأثيرات والإلهام، لأشخاص آخرين من الذين يشاركونك نزاعك، ولكنهم يقدمون منظوراً مختلفاً.
وفي ألبوم آبوجي فعلت فرقة إمرهان ذلك تماماً من خلال التواصل مع المغني الويلزي غراف ريس الذي غنّى مع الفرقة في أغنية "Adar Newlan"، بلغته الويلزية الأصلية، عن قيمة القرابة.
إذ أنّ الويلزيين، مثل التّماشق، يملكون تاريخاً طويلاً من تعرّض لغتهم وثقافتهم لمهاجمة الغزاة، لذا فإنّ هذا ليس مجرد تعبير بلا معنى عن القرابة. فهناك العديد من المشتركات بين السكان الأصليين في جميع أنحاء العالم: بغضّ النظر عن مدى غرابة ذلك بالنسبة لنا، فهذا مزيج منطقي.
والأغنية عبارة عن مزيج مثير للاهتمام من الأنماط ولا تبدو مثل أغنية بلوز الصحراء النموذجي الذي اعتدنا على سماعه. بمجرد تجاوز بعض الاختلافات في النمط والتنظيم، تصبح أوجه التشابه في الشعور والنغمة واضحة.
وبصرف النظر عن أنّ الأغنية تُغنّى باللغة الويلزية، فإنّها تعبّر عن حب المكان والناس الذين كثيراً ما مجّدتهم موسيقى التّماشق. وهذا النوع من العالمية ليس مهماً فقط لأعضاء فرقة إمرهان كموسيقيين، إذ يعني ذلك أنهم لا يعانون من الركود الفني، بل إنه مهم لثقافتهم أيضاً. إذ أنّ العثور على تأثيرات تكميلية، تتحدث عن المواضيع ذاتها، يضمن النمو والتجديد.
كما انضم إليهم ضيوف يعيشون أقرب إلى وطنهم من ما هو إلى ويلز. مثل سلافة إلياس، مغنية سودانية تعاونت مع فرقة إمرهان سابقاً. وتساهم، في هذا الألبوم، بمقطع مؤرق غنته باللغة العربية في أغنية "Taghadart". وهذا مثال آخر عن كيفية تجاوز الفرقة مجرد كونها فرقة أخرى فحسب من فرق بلوز الصحراء.
والموسيقى أبطأ وتبعث أكثر على التأمل مما اعتاد عليه المستمعون من الفرق الموسيقية من منطقة جنوب الصحراء الكبرى. وحتى بالنسبة لغير الناطقين باللغة العربية والتّماشق، فإنّ الطبيعة الحزينة للموسيقى واضحة. تهمس لنا الأغنية مثل رياح خفيفة ناعمة تهبّ عبر رمال الصحراء. في هذه العملية، تُستَحضر صور الشفق بينما تستقرُ المنطقةُ ليلاً.