
ألبوم "القرب المجهول" لموسيقي إيراني ألمانيأشواق صامتة على خطى الموسيقار الأندلسي زرياب
استقرت الأسئلة الملحة حول وجود الفنَّان في عنوان ألبوم ميثاق جولايى الجديد. وحول ذلك يقول الموسيقار المقيم في برلين: "يكمن في عنوان ألبومي ’القرب المجهول‘ تناقضٌ يتعلق قبل كلِّ شيء بعملية تكوين المقطوعات الموسيقية. عندما أُنْتِجُ شيئًا جديدًا يكون هناك عملية إلحاح وقوة جذب تبدو غير معروفة وغير مألوفة، ولكنها في الوقت نفسه قريبة لأنَّ كلَّ ذلك يخرج من داخلي. فالمبدع يكون غير صبور ويريد الوصول إلى أعماق هذا الشعور".
ثم يقتبس من الكاتب (الألماني) فرديناند فون شيراخ، الذي قال ذات مرة إنَّ الفنَّان لا يمكنه بتاتًا أن يرتاح في داخله ويشعر بالرضا التام، ولذلك فهو يبحث عن مخرج، عن حلّ من خلال إبداعه. ولكنه مع ذلك لا يستطع أبدًا الوصول إلى هذا الحلّ بشكل تام، وإن فعل فسيظل صامتًا ولا يريد البحث بعد ذلك.
وبعد ألبومه الأخير "فِرْنَه"، الحائز على جائزة نقد التسجيلات الصوتية الألمانية لعام 2020 مع ضابط الإيقاع سيباستيان فلاغ، كان من المنطقي في الواقع بالنسبة لميثاق جولايى أن يعود في استكشاف آلته الموسيقية إلى التعبير الممكن الأكثر تركيزًا للكمان، وهو: العزف المنفرد.
لقد عملتْ جائحة كورونا كفترة حجر وعزلة على دفع هذه الخطوة إلى الأمام. وأسفر ذلك عن إنتاج مجموعة من اثنتي عشرة قطعة موسيقية تتوزَّع في قوس بين التقاليد الفارسية والأصداء الخلفية مثل موسيقى الفلامنكو أو يوهان سيباستيان باخ، وهي تمثِّل أيضًا أسلوبًا فريدًا من نوعه لدى جيل الموسيقيين الشباب ذوي الأصول الفارسية.
والموسيقي ميثاق جولايى - البالغ من العمر ثمانية وثلاثين عامًا والمولود في محافظة مازندران شمالي إيران - تعلم نظام السلم الموسيقي الفارسي "الرديف" على الكمان الأوروبي قبل أن ينتقل إلى آلة الكمانجة الغنية بالنغمات العالية. ولديه في الوقت نفسه معرفة عميقة بالموسيقى الكلاسيكية الغربية وأشكال الموسيقى الأندلسية، وكان دائمًا باحثًا ومبتكرًا من دون رغبته في الانسلاخ عن تجذُّره المتدفِّق بالصور في التقاليد.
يقول ميثاق جولايى: "طريقة تفكيري ولغتي متجذِّرة بعمق في الرديف، عندما أكتب مقطوعة في نمط (بالفارسية: دستگاه) معيَّن، فعندئذ أستخدم تلقائيًا الألحان والمقطوعات المتواترة (گوشه). ولكن التجديد الذي أساهم فيه يكمن في مجال تقنيات العزف التي أوجدتها والإيقاعات غير المُجرَّبة بعد".
ويتجلى ذلك مباشرة عند بداية ألبومه "القرب المجهول": ومع مقطوعة "أصول"، وهي لحن مشهور من منطقة مازندران قام بتكييفه ويقلِّد فيه صوت ناي "لله وا". وقد حقَّق ذلك في تجاربه الاستكشافية، ووجد في النهاية مزيجًا غير مسبوق من نغمات عالية واهتزازات مُوَزَّعة تحتها.
وهو يطوِّر في الجزء ذي الإيقاع السريع براعةً مذهلةً باستخدامه تقنيات متقطِّعة تخلق تسارعًا مثيرًا يشبه الدوَّامة. لقد نقل هذه التقنية الصوتية الخاصة الأشبه بالدوَّامة من آله السنطور الفارسي إلى الكمانجة (الكمان أو الكمنجة) وقد سمعها أوَّل مرة في عزف الملحن وعازف السنطور الإيراني برويز مشكاتيان.
يرد اسم برويز مشكاتيان مرارًا وتكرارًا أثناء الحديث مع ميثاق جولايى. وهو معجبٌ جدًا بالأستاذ برويز مشكتيان المتوفى عام 2009، وقد خصص له أطول مقطوعة رئيسية في الألبوم، وهي معزوفة "اتِّساع" (Vastness). وحول ذلك يقول: "عزفُه على السنطور مألوفٌ لديّ منذ طفولتي وقد استحوذ على إعجابي لدرجة أنَّني في البداية لم أستطع حتى أن أتخَّيل كيف يمكن أن يكون هناك ما هو أفضل. وكلمة ’اتساع‘ تشير إلى ارتجالاته الحرّة، وإلى كيفية جمعه مختلف الأشكال مع بعضها ليرسم قوسًا واسعًا مع ارتفاعات وانخفاضات". يحقِّق ميثاق جولايى عمقًا مشابهًا وداخلًا مشابهًا ضمن هذا التوزيع الموسيقي، الذي تبلغ مدته عشر دقائق.
ويؤكِّد ميثاق جولايى أنَّ تحقيق التوازن في الصراع بين هذا العمق الروحي وتقنيات المبدعين الجديدة كان تحديًا كبيرًا. ويضيف أنَّه لا ينبغي للمرء أبدًا أن يفقد التركيز على الصوت، ولا بدَّ له من أن يُقدِّر كلّ نغمة بمفردها وأن يتسأل إن كان هناك مبرِّر لإدخال مقطع إبداعي في قطعة.