ألمانيا: "المستشارة الأبدية" ميركل تتجه لإنهاء مسيرتها السياسية وتعلن عدم ترشحها عام 2021

أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الإثنين 29 / 10 / 2018 عدم الترشح لمنصب المستشارة في نهاية ولايتها الرابعة عام 2021 على أن تتخلى عن رئاسة الحزب في كانون الأول/ديسمبر 2018، سعياً إلى تخفيف وطأة الأزمات السياسية التي يعاني منها ائتلافها الحكومي.

وفي خطوة حاسمة باتجاه إنهاء مسيرتها السياسية، قالت المستشارة التي قادت بلادها طيلة 13 عاما، إنها تأمل أن ينهي رحيلها الخلافات المريرة داخل الائتلاف لكي يتم التركيز على مهمة حكم أكبر اقتصاد أوروبي. وقالت ميركل للصحافيين في مقر حزبها الاتحاد المسيحي الديموقراطي المحافظ "اليوم، حان وقت فتح صفحة جديدة"، معلنةً أنها لن تختار خلفاً لها على رأس الحزب". 

ويأتي إعلان ميركل بعد أشهر من الأزمات الحكومية وغداة انتخابات في مقاطعة هسن مُني حزبها خلالها بخسارة كبيرة. وقالت ميركل (64 عاماً) إن "الصورة التي ترسلها الحكومة إلى الخارج غير مقبولة". وأضافت إن الانتكاسات الانتخابية مثلما حدث الأحد 28 / 10 / 2018 في ولاية هيسن كانت "نقطة تحول، لكنها قد تقدم فرصة" بالنسبة للأحزاب السياسية الرئيسية لإيجاد طريق للمضي قدما.

وفي وقت لاحق، أشاد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بقرار ميركل "الجدير بالاحترام". وصرح أن ميركل "لم تنس مطلقا القيم الأوروبية، وتقود بلادها بشجاعة عظيمة. هذا هو ما أقوله بشأن هذا الخيار وهذا الإعلان الجدير بكل الاحترام". لكنه قال إن إعلان ميركل يأتي على خلفية تزايد الدعم لحزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف، وهو أمر "غير مطمئن". 

وستبدأ ميركل عملية خروجها السياسي بالتخلي أولا عن زعامة حزبها في كانون الأول/ديسمبر 2018 والتي تتم انتخابات بشأنها خلال مؤتمر الحزب في كانون الأول/ديسمبر 2018.  وأضافت أنها لن تشارك في الانتخابات المقبلة ولن تسعى لتجديد مدتها كمستشارة عند انتهاء ولايتها الرابعة في 2021. وأعلن أربعة مرشحين على الأقل رغبتهم في التنافس على منصب ميركل بعد إعلانها، إلا أنها قالت إنها لن تسمي خلفا لها. وأكدت: "سأقبل بأي قرار ديمقراطي يتخذه حزبي". 

وتوصَف ميركل كثيراً بأنها أقوى امرأة وقائدة أوروبا الفعلية. ولكن قوتها بدأت تضعف منذ قرارها في 2015 فتح حدود بلادها في ذروة أزمة الهجرة في أوروبا والسماح لأكثر من مليون لاجئ بدخول البلاد. وأدى ذلك الى حالة استقطاب في ألمانيا، وربما زيادة ظهور اليمين المتطرف. وبسبب مهاجمته اللاجئين أصبح حزب البديل لألمانيا المناهض للهجرة أكبر حزب معارض في البرلمان، وبعد نتائج قوية في ولاية هسن، أصبح له مقاعد في جميع برلمانات الولايات الألمانية. 

وفي الوقت ذاته فقد دفع بروز حزب البديل لألمانيا بحليف ميركل المحافظ الاتحاد المسيحي الاجتماعي إلى تبني سياسات متشددة بشأن الهجرة، وهو ما دفع الناخبين المعتدلين إلى اختيار حزب الخضر اليسار الوسط. وأشاد زعيم حزب البديل لألمانيا يورغ ميوثن بإعلان ميركل تخليها عن المستشارية وقال إنها "أخبار جيدة". وذكر روبن الكسندر مراسل صحيفة دي فيلت أن الطريق أصبح الآن ممهداً للأمينة العامة للاتحاد المسيحي الديمقراطي نيغريت كرامب كارنبوير الملقبة بـ"أيه كاي كاي"، لتمسك بزمام الأمور. وكتب في تغريدة: "لقد استعادت المرأتان الزخم لأنه لم يكن أي من المعارضين مستعدا لذلك". 

ولكن مرشحين آخرين ما زالوا ينتظرون ومن بينهم وزير الصحة يِنس شْبَان، المنتقد لميركل. وذكرت صحيفة فرانكفورتر ألغيماينة الأحد أنه سيكون من "الخطأ" أن تتمسك ميركل بالسلطة. وقالت: "من خلال تسليم ميركل منصبها بإرادتها الحرة فإنها تظهر أنها تعرف ما يعرفه الجميع وهو أن نهاية مستشاريتها اقتربت". 

ومن المرجح أن تتسبب خطوة ميركل الأولى باتجاه الخروج من السلطة في ردود فعل في الاتحاد الأوروبي الذي كانت فيه منارة للاستقرار وسط معاناة الاتحاد من أزمات عالمية متعددة وخروج بريطانيا من الاتحاد، ووجود حليف لا يمكن التكهن بتصرفاته في البيت الأبيض. ورغم أن ميركل لا تزال تحظى باحترام واسع خارج بلادها، إلا أن المتاعب الداخلية الأخيرة داخل ألمانيا أبعدتها عن الساحة الأوروبية محبطةً جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإصلاح منطقة اليورو بينما تكون ميركل إلى جانبه. 

 

ورغم مكانتها الدولية، إلا أن ميركل لا تسعى إلى الحصول على منصب في المفوضية الأوروبية بعد الخروج من السياسة الألمانية، بحسب ما أفاد مصدر في الاتحاد المسيحي الديمقراطي لوكالة فرانس برس. لكن ميركل الملقبة "المستشارة الأبدية" قد لا تتمكن من اختيار جدولها الزمني لخروجها من السياسة الألمانية، ويمكن أن يسرع شريكها الصغير في الائتلاف من جدولها في حال أطاح بالحكومة قبل 2021.



قالت زعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي أندريا نالس أن حزبها اليسار الوسط، أقدم حزب في ألمانيا "فشل في "التحرر من الحكومة" وتشكيل طريق واضح له بعد أن شارك في العديد من "الائتلافات الكبرى" المتعددة الأحزاب". وقالت إن حزبها سيطرح الآن "خارطة طريق" في برلين تطلب إحراز تقدم ملموس بشأن قضايا أساسية بحلول تشرين الأول/أكتوبر المقبل 2019، بما فيها حقوق المعاشات التقاعدية وتحسين رعاية الأطفال، قبل أن يقرر الحزب ما إذا كان سيبقى في الحكومة. ويتزايد أعضاء الحزب الاشتراكي الذين يدعون حزبهم إلى الخروج من الحكومة والانضمام إلى المعارضة، لأنه الآن يأتي بعد حزب البديل لألمانيا في الانتخابات على مستوى البلاد، حيث حصل على 15 في المائة مقابل 16 في المائة للحزب اليميني المتطرف. أ ف ب